نشر بتاريخ: 23/08/2015 ( آخر تحديث: 23/08/2015 الساعة: 11:32 )
الكاتب: يونس العموري
كثيرة هي الأحاديث العامة والعمومية بخطوطها العريضة التي تتكاثر هذه الأيام، ومنذ فترة بعيدة، وتزايدات هذه الأقاويل حتى أصبحت حقيقة ضمن ما يسمى بضرورة عقد جلسة للمجلس الوطني في ظل معادلة الانقسام الوطني وضرورة انبعاث الحياة في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى رأسها مؤسسة المجلس الوطني، وإعادة تأهيل عضويته من جديد، وذلك من خلال الانتخابات العامة له في كافة أماكن التواجد الفلسطيني، وهو الأمر الذي أعتقد أنه يشكل حالة جدلية لا بد من إعادة تفكيك رموز معادلتها حتى نتفهم هذا الجدل الدائر في أروقة الأطر القيادية الفلسطينية على مختلف توجهاتها ومشاربها.
ولا شك ان الواقع الفلسطيني الراهن ليس بأفضل احواله على مختلف مستوياته وبشتى الأشكال حيث انسداد الافق ويكاد يكون الانقسام قد اضحى حقيقة فارضة لذاتها ويتم شرعنته وقوننته والتعاطي معه، وادارته بشكل او بأخر.
وفي ظل الجدل الدائر الأن على الساحة القيادية الفلسطينية بات الكل يتساءل عن الكيفية التي من المفروض التعاطي معها في ظل معلولة الواقع الراهن، حيث الفشل في احداث اختراق فعلي في جدار المصالحة الوطنية، وفي ظل التشظي للمكونات الوطنية القيادية الرسمية، وايضا في ظل العجز الفعلي للخروج من ازمة الانقسام العمودي والافقي.
يأتي انعقاد الجسلة الطارئة للمجلس الوطني ما بين شرعية الانعقاد، وعدم شرعية المجلس ذاته، وتدور دوائر الاجتهادات، لتقديم الاطروحات التي من شأنها تقديم الحلول لهذا الانعقاد، لتزيد الطينة بله، وهو ما يبدو واضحا من خلال ما تعج به الساحة الفلسطينية من اطروحات اجتهادية تعكس بالاساس حالة الازمة الفلسطينية المعاشة.
مما لاشك فيه ان انبعاث الحياة بمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بات ضرورة قصوى وملحة لإنقاذ ما يمكن انقاذه فلسطينيا، الا ان هذه الضرورة تفرض ذاتها بأن تكون الآساليب والوسائل واقعية وحقيقية وتحترم الجمهور، وتحترم وجهات النظر الأخرى، واعتقد ان الأمر قد دخل بلعبة مقامرة خطيرة، من الممكن ان تهدد اركان الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ( م . ت . ف) حيث الخوف والتخوف من زيادة التشظي والانقسام اذا ما تباينت وتناقضت وتضاربت وجهات النظر ما بين مكونات هذه المنظمة.
ويبدو الأمر اخطر مما نعتقد، اذا ما تم اللجوء الى مسرحية الأستقالات لإعادة انتاج قيادة ( اللجنة التنفيذية ) مفصلة على مقاسات الواقع الراهن ومراكز قواها، حيث من الممكن ان نشهد حالة انقسامية جديدة واندثار قوى اخرى، بالاضافة الى تعميق الحالة الانقسامية الراهنة ما بين حماس وفتح، وبذات الوقت تعزيز الانقسام الجغرافي الضفة الغربية وقطاع غزة.
واعتقد ان من يدعو الى ضرورة اجراء انتخابات عامة للمجلس الوطني انما يتجاهل الكثير من الحقائق لعل ابرزها، وقائع واقع الشعب الفلسطيني بمختلف اماكن تواجده، ومنطلقات المجلس الوطني وحيثياته.
وهنا لا بد من التوقف والتأمل قليلا أمام هذه الأطروحة. وحتى نستوعب هذا الجدل لا بد من إعادة الأمور إلى مفاهيمها ومنطلقاتها الصحيحة والأساسية حيث أنه من المعلوم أن مؤسسة المجلس الوطني إنما تعتبر المؤسسة العليا التشريعية لمنظمة التحرير. ومنظمة التحرير هنا من المفترض أنها بمثابة ائتلاف القوى الثورية العاملة على الساحة الفلسطينية لإنجاز الأهداف الوطنية العامة للشعب الفلسطيني، وتحصيل حقوقه التاريخية والمتمثلة بإنجاز حقه بتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة ذات السيادة، وكنس الاحتلال عن كامل التراب الوطني الفلسطيني، وإنجاز حقه بالعودة إلى دياره التي شُرد منها تشريدا.
وعلى هذا الأساس فإن منظمة التحرير، ووفقا لنظامها الأساسي وميثاقها الوطني الناظم لها ولعلاقاتها ولمفاهيمها وشعاراتها العملية وأساليب فعلها ونضالها وكفاحها، هي المعبر الفعلي عن جماهير الشعب، كل االشعب، وبالتالي فإن منظمة التحرير الفلسطيينة هي الاسم الفعلي والحقيقي للثورة الفلسطينية المنطلقة من أجل تأطير العملية الكفاحية ضد الاحتلال وقواه وتحالفاته. وهي الثورة التي انطلقت من منطلقات الفهم الثوري النضالي الكفاحي القائم على أسس علمية عملية، وبالتالي أضحت هذه الثورة هي المعبرة الفعلية عن الشعب الفلسطيني وتطلعاته، وعلى هذا الأساس جاء تشكيل منظمة التحرير، وتمت مأسستها على أساس ثوري كفاحي يلبي وقائع مرحلة التحرر الوطني وقوانينها، وبالتالي كان المجلس الوطني الفلسطيني (برلمان الثورة ) قد باشر بوضع اللبنات الأساسية لمفاهيم العملية التحررية الوطنية، وصاغ جملة الأهداف والمنطلقات، وانطلق إلى ممارسة التشريع الثوري النضالي تجاه تفاعلات القضية الفلسطينية بمختلف محطاتها.
وحيث أن منظمة التحرير أدركت حقيقة مهمتها بالأساس فقد صاغت برامجها على تلك الأسس سالفة الذكر، وتشكلت بالتالي المجالس الوطنية وفقا لمتطلبات الواقع الثوري الكفاحي التي بالضرورة ستكون معبرة عن حقيقة المرحلة، وحقيقة الشعب بمختلف تنوعاته ومشاربه الفكرية والأيديولوجية والجغرافية، وتنوع طبقاته وشرائحة الاجتماعية، حيث استطاع هنا القائمون على تأسيس منظمة التحرير القادة الأوائل ابتكار المعادلة التوافقية التي تلبي احتياجات الفعل المؤسساتي المتطابق مع الفعل الثوري النضالي وضروراته. وهنا انتزعت منظمة التحرير التمثيل الوطني والشرعي للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، بل أضحت هذه المنظمة هي الممثل الوحيد والحصري للشعب الفلسطيني، الأمر الذي جعل من مؤسسة المجلس الوطني الفلسطيني مؤسسة تشريعية حقيقية يتم فيها اتخاذ القرارات المصيرية للمسار السياسي والكفاحي لجماهير الشعب، وبالتالي لتشكيلات الثورة والمقاومة، وهو ما أكسب مؤسسة المجلس الوطني مكانة رفيعة لها التقدير والاحترام، وبقيت مسألة تشكيل المجلس خاضعة للصيغة التوافقية ما بين القوى الكفاحية النضالية وفقا لقوانين مرحلة التحرر الوطني ولإفرازات الاتحادت الشعبية والنقابية المؤطرة في تكوينات المجتمعات الفلسطينية على امتداد بقاع الشتات واللجوء، حيث أن ما يسمى بإجراء الانتخابات العامة لبرلمان الثورة لا يمكن أن يستوي والفعل النضالي التحرري. وكان قانون صناديق البنادق النضالية من يفرض المعادلة لا صناديق الانتخابات.
واستنادا على ما تقدم يفرض السؤال ذاته هنا هل من الممكن إجراء انتخابات لبرلمان الثورة (المجلس الوطني )؟ وبمعنى اخر هل من الممكن تطويع المجلس الوطني وفقا للواقع الراهن ..؟؟ وهل يستوي الفعل التحرري بقوانين مرحلة التحرر الوطني وقواعد ما يسمى بالعملية الديمقراطية؟ إن الإجابة على هذه الاستفسارات يتطلب أولا وأساسا الإجابة على السؤال المركزي والمتمثل بمنظمة التحرير الفلسطينية ذاتها. فهل ما زالت تشكل الثورة؟ بمعنى هل منظمة التحرير الفلسطينية ما زالت فعلا المعبر الفعلي والحقيقي عن ثورة الشعب الفلسطيني؟ وحيث ذلك نستطيع هنا أن نعرف ونعلم أن كان يستوي إجراء انتخابات لبرلمان الثورة أم لا.
إن منظمة التحرير ووفقا لميثاقها ولنظامها الأساسي ما زالت هي الثورة والمُعبر عنها من خلال م. ت. ف ومن الناحية القانونية المجردة فإن منظمة التحرير إنما يُعبر عن هويتها وبكافة المحافل الإقليمية والدولية كونها حركة تحرر وطني، بمعنى أنها ثورة الشعب الفلسطيني. وبناء على ذلك فإن حركة التحرر (الثورة) لا تتشكل وفقا لفعل انتخابي ديمقراطي أو وفقا لاستفتاء شعبي عام. وشخوص هذه الثورة لا يمكن أن يأتوا إلى مؤسساتها عبر الانتخابات التي تسمى بالديمقراطية. الثورة هي الفعل المضاد والعنيف بقوة الشعب والجماهير المؤمنة بحريتها وانتزاع حقوقها من خلال قيادة النخبة للثورة التي تلتف حولها، ويكون لها الالتفاف والاعتراف بها بما تمثله من قبل جماهيرها، وبالتالي يكون لهذه الثورة ولأطرها الاعتراف والتأييد بما تلبي من خلال فعلها وبرامجها تطلعات جماهيرها وهذه قوانين الفعل الثوري.
إن هذا الجدل الذي أخذ المنحى الخطير حتى أصبح وكأنه القاعدة التي من المفروض أن تسود والمسمى بضرورة إجراء انتخابات المجلس الوطني ( برلمان الثورة الفلسطينية) حتى يكون الإصلاح المنشود لهياكل وأطر المنظمة ما هو إلا جدل يحمل بطياته الفعل الخبيث بشكل مقصود أو غير مقصود، وقد يؤدي، وحتما سيؤدي، إلى الهاوية واندثار المعنى الثوري لمنظمة التحرير حيث الليبرالية الجديدة والقوى المضادة حتما ستجد لذاتها المكان الأبرز في واجهة القيادة، الأمر الذي يعني نسف كل أدبيات المنظمة، وبالتالي إفراغ هذه المنظمة من محتواها الوطني بأبعاده الثورية التحررية على طريق إحالتها إلى أوكازيون التقاعد، لتصبح بالتالي مجرد يافطة فارغة مجوفة المضامين والمعاني.
وبناء على ما تقدم، ووفقا للفهم الموضوعي والعملي لماهية منظمة التحرير ومنطلقاتها، وحسب منطق الواقع الراهن بكل تجلياته ومعطياته وإفرازاته، وتوصيف مرحلة التحرر الوطني، أتصور أن الدعوة إلى ضرورة إجراء انتخبات عامة للمجلس الوطني (برلمان الثورة) ستكون بمثابة نهاية الثورة (منظمة التحرير الفسطينية) بمعناها الكلاسيكي التحرري الثوري الكفاحي. وبذات الوقت ان ما يجري حاليا يهدد اركان الحالة الإئتلافية الفلسطينية الأمر الذي يهدد منظومة شرعية المنظمة ايضا.