نشر بتاريخ: 23/08/2015 ( آخر تحديث: 23/08/2015 الساعة: 11:17 )
الكاتب: مصطفى ابراهيم
حقق محمد علان انتصارا جديداً على الحكومة الإسرائيلية والقيادة الفلسطينية والفصائل، التي لم تستطع حتى اللحظة فهم ما قام به علان ومن سبقه من رفاقه الأسرى خضر عدنان وسامر عيساوي وغيرهما الذين خاضوا المعركة ذاتها منفردين ضد الإعتقال الإداري، وكان شعارهم إما الحرية أو الشهادة ونالوا الحرية التي يفضلونها، فهم من حرروا أنفسهم ووضعوا الكل الفلسطيني بما فيهم الحركة الأسيرة التي تأثرت بالواقع الفلسطيني القائم في مأزق أخلاقي ووطني وعرونا أمام عجزنا وبطولتهم وصمودهم.
هذه الظاهرة التي يعتبرها البعض إنها غير مجدية وتعبر عن خلاص فردي، لكن في ظل هذا الحال الذي نعيشه من إنقسام في جميع مناحي حياتنا ومنها وسائل النضال في مواجهة الإحتلال وعدم الإتفاق على شكل واحد من أشكالها أو حتى إستغلالها جميعا بشكل وطني وضمن إستراتيجية وطنية.
ثبت ان مواجهة الإحتلال بالإضراب و سياسة الإعتقال الإداري سلاح فعال وإبداع فلسطيني قديم جديد، لجأ إليه بعض الأسرى مع علمهم انه يشكل خطر كبير على حياتهم فهو تضحية بالنفس وقد يؤدي إلى الموت، لكنه فعل سلمي سلبي يؤذي صاحبه فقط وثبت فعاليته.
سلطات الاحتلال بذلت كل ما في وسعها من أجل عدم الإفراج عن علان و إستخدمت كل الأدوات ووضعت نفسها في أزمة أخلاقية وقانونية أمام نفسها والمجتمع الدولي، ربما نقابة الأطباء هي من اتخذت موقفا أخلاقياً يحسب لها ضد التغذية القسرية و رفض الأطباء في بعض المستشفيات ذلك، ومع ذلك إتخذت قضية علان كثير من الإهتمام الإسرائيلي والدولي، مع أن جميع مؤسسات سلطات الإحتلال تتماهى مع سياساته بما فيها السلطة القضائية، وفي مقدمتها المحكمة العليا المتواطئة مع سياسة الإحتلال وتشرعن كل ما يصدر عنه فيما يتعلق بالفلسطينيين.
حتى في قراراها بإلغاء الإعتقال الإداري بحق علان و الذي يعني أنه لن يتم مستقبلا إطلاق سراح أي أسير أعتقل تعسفيا إلا وهو جسد محطم أشبه بجثة هامدة، فالمحكمة العليا أصدرت قرارها بإلغاء إعتقاله وإطلاق سراحه ومنحه حريته كمعاق، وبعد أن فقد قدرته على أداء أي وظيفة، وسيكون عليه من الصعوبة ممارسة حياته الطبيعية بعد سنة من الإعتقال والإضراب الطويل.
الفلسطينيون في الداخل كان لهم دور كبير في إسناد إضراب علان بالإعتصام أمام المستشفى الذي كان يعالج به، و ما له من أثر مهم في التضامن معه وأجبر وسائل الإعلام الإسرائيلية للاهتمام في قضيته، وهذا كان سبب من أسباب التغطية الإعلامية الواسعة في وسائل الإعلام الإسرائيلية، كما أن الحقوقيين الفلسطينيين في الداخل كان لهم دور مهم في إبراز قضية علان والدفاع عنه وغيره، وهم يخوضوا معركة قانونية و أخلاقية في الدفاع عن أبناء شعبهم من أجل إلغاء الاعتقال الإداري لقناعتهم ان هذا الاعتقال تعسفي وغير قانوني وغير أخلاقي.
كل هذا وضع إسرائيل في موقف أخلاقي أمام العالم، فهي لم تستطع الدفاع عن نفسها وهي تمارس الإعتقال التعسفي الإداري و إضطرت للإفراج عنه بعد نضال بطولي دام 65 يوماً من الإضراب عن الطعام، لكن سلطات الاحتلال لم تلغي أمر الإعتقال بحقه بشكل كامل كي لا تظهر أنها استسلمت لإضرابه، ومع ذلك رضخت أمام إصراره وإرادته خشية من الإنتقادات الدولية وتحرك الرأي العام الدولي، أو إستشهاده الذي سيفجر إنتفاضة ثالثة كما تدعي الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.
معركة علان إستقطبت الرأي العام العالمي ولم تستقطب الرأي العام الفلسطيني بالشكل المطلوب، ولم يظهر ذلك التضامن الشعبي الحقيقي الذي تخشاه إسرائيل وتعمل بكل وسعها كي لا تنفجر الأوضاع، كما تخشاه السلطات الحاكمة في فلسطين وتمنع أي تحرك سلمي شعبي إلا من خلالها كي يكون مضبوط بإيقاع مصالحها ولا يخرج عن السيطرة.
محمد علان كما خضر عدنان وسامر عيساوي، عرونا جميعاً عندما خاضوا معركتهم منفردين، وهم من حرروا أنفسهم وحاولوا تحرير كرامتنا في التصدي للإحتلال، واستعادة وحدتنا وإنهاء الانقسام، ومع ذلك كل هذه التضحية والبطولة لم تحررنا ولم تخرجنا من ذواتنا العاجزة حتى في مساندتهم والتوحد خلف نضالهم، وظل الحال كما هو عليه من تصريحات وشعارات التهديد والوعيد، وفي إستمرار البحث عن تثبيت عن شرعيات وسلطنات في بقايا الوطن.