الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الفساد في البحث العلمي والحياة الاكاديمية... مستقبل التعليم الى أين!!!

نشر بتاريخ: 23/08/2015 ( آخر تحديث: 23/08/2015 الساعة: 18:06 )

الكاتب: الدكتور جهاد حمد



يعتبر القضاء والتعليم من العناصرالأساسية لتطور حركة العمران البشري وتقدم علاقات المجتمع الإنساني، وإذا فَسدَ القضاء والتعليم، تراجع هذا العمران البشري، وأصبح في عداد الدول المتخلّفة حضارياً ومعرفياً. حيث أن التعليم العالي في العالم العربي المفترض أن يستند على البحث العلمي والمناهج الاكاديمة الحديثة، كما أنه يستند على تطوير وتأهيل الاستاذ الجامعي لمواكبةً التقدم التعليمي وتكنلوجيا العصر، إلا أن بنيته وتركيبته العميقة فاسدة، وإنتاجية خريجيه غير أكفاء أو متميزين وغير قادرين على الإسهام في مسيرة تقدم المجتمعات الإنسانية.

البحث العلمي
إن البحث العلمي من أهم الأنشطة الإنسانية التي يقوم بها الباحث في هذا العصر، حيث كان البحث العلمي على مر العصور هو أساس النهضات وعماد الدول، وركن رئيسي في تفاهم الثقافات والحضارة الانسانية والعمران البشري، وهذا الجهد المنظم المتواصل، لا يمكن أن يجري في فراغ، حيث ينبغي توفير البيئة السليمة للباحث لكي تساعده في إنتاج بحث علمي محكم، ومن ثم يأتي دور المؤسسة الرسمية لتساعد في إخراج نتائج البحوث العلمية من الأروقة النظرية إلى ميادين التطبيق، حيث الارتقاء المباشر بالحياة والحضارة والعمران الإنساني.


لقد أصبح التعليم العالي في جامعات كثيرة من العالم العربي يعيش حالة من الفساد وبامتياز، حيث يسهم في ذلك مجموعة من العومل أهمها: المؤسسة التعليمية (الجامعة)، والأستاذ الجامعي والطالب، والبنية التعليمية/البحثية في المجتمعات العربية، فكراً وثقافة وسياسة وأخلاقاً، وإقتصاداً، فقط هناك بعض الإستثناءات، والتي أغلبها فردية تجاه البحث العلمي والعمل التعليمي. ويبقى السؤال: من المسؤل عن ذلك ؟ هل المؤسسة التعليمية (الجامعة) هي المسؤولة عن هذا التخلف، أم هل الأستاذ الجامعي الذي يتحمّل مسؤولية ضعف التعليم في الوطن العربي وتراجعه؟ أم البنية التعليمية/البحثية في المجتمعات العربية، فكراً وثقافة وسياسة وأخلاقاً، وإقتصادا هي المسؤولة عن هذا التخلف؟


يسهم ضعف إمكانيات البحث العلمي في تخلّف الجامعات العربية علمياً ومعرفياً، وذلك بسبب تدني مستوى بعض الدوريات التي تصدرها كليات هذه الجامعات، وعدم وجود مساواة في نشر الأبحاث الأكاديمية المحكمة، إذ تنشرها فقط للمقربين من هيئة تحرير هذه الدورية أو تلك على الرغم من هشاشتها المعرفية، وتمنع من النشر أبحاثا قد تكون أهم بكثير من تلك المنشورة التي كتبها أعضاء هيئات التحرير الموالين لهذه الدورية أو تلك، وإذا كان تحكيم البحث العلمي يحتاج إلى أمانة ونزاهة وروح أكاديمية نبيلة، تقبل الآخر بفكره المتغاير والمتباين انطلاقا من تغاير الثقافات وتباينها نفسه، فإن كثيرا من أعضاء هيئة التحكيم في هذه الدورية أو تلك سرعان ما يستنفرون عداواتهم الشخصية أو حساسياتهم السياسية ونعراتهم القبلية ضد كاتب البحث الذي يخالفهم، فيعمدون دون أي مبرر إلى رفض البحث، ويضعون العقبات ليس لوجود أخطاء منهجية، بل لأنهم يعادون صاحبه فكريا وأحيانا قبليا، مع العلم أن هذا البحث قد يكون متميزا وكاشفا لكثير من القضايا التي لم تبحث بعد. فكيف يتطور البحث العلمي ويكون قادرا على خدمة المجتمع والمعرفة في ظلّ أوضاع كهذه؟!


إنّ تدني مستوى التعليم العالي في العالم العربي يرتبط جدلياً بتركيبة وببنية هذه المجتمعات سياسياً وأخلاقياً وإقتصادياً، إجتماعياً وثقافياً، فإذا كانت بعض الجامعات العربية تقدّم لأعضاء هيئة التدريس فيها رواتب مغرية تكفيهم متطلبات الحياة، من مأكل ومشرب وملبس، ونفقات عديدة (كماليات)، فإنّ كثيراً من الجامعات الأخرى تقدم لهم رواتب قليلة لا تغطي أبسط الحاجات الحياتية الضرورية لهم، فكيف بالكمالية الترفيهيّة، وخصوصاً لذوي الأُسر الكبيرة؟


وفي ظلّ هذه الرواتب القليلة الهزيلة، عادة تكون نتائجها عدم قدرة الأساتذة شراء المراجع والمصادر العلمية التي تخدمهم في أبحاثهم، ولا يستطيعون التواصل العلمي مع ما تنتجه معطيات الحضارة الجديدة في المجال المعرفي، ومن هنا يلجأ بعض ضعاف النفوس من الأساتذة إلى قبول الرشاوى بأنواعها وأشكالها المتنوعة، وفي نفس الوقت ينبغي القول أن هناك بعض الأساتذة ـ ومهما علّت رواتبهم ـ يقبلون الرشاوى دون خوف لا من الله عزّ وجلّ، ولا من عقوبة وظيفية، ولا توجد عندهم أي معايير أخلاقية للمهنة التي يمارسونها ويعتاشون منها، حيث أن قبولهم هذا يساهم بدوره في تكوين جيل من الطلاب الفاشلين علمياً، والعابثين اللامبالين، المغرورين، وعديمي الاكتراث بالدراسة والبحث والتحصيل العلميّ، فإذا كان هذا الطالب/ة أو ذاك قادراً على النجاح في مساق ما من المساقات الدراسيّة عن طريق شراء ذمّة الأستاذ الجامعي وضميره المهني، فلماذا يتعب نفسه بالبحث والتحصيل العلمي المعرفي؟ حيث نقرأ كل يوم تخريج باحث وطالب ماجستير ودكتوراه من الجامعات العربية، ومن معاهد اخرى في مجالات علمية وأدبية مختلفة. ويبقى السؤال هل المشرفين على هذه الرسائل والمناقشين لها قد قاموا بنشر أبحاث وأراق عمل خلال الفترة الدراسية للباحث؟ وكم كتاب وبحث مُحكم علمياً تم نشره خلال هذه السنوات الماضية التي عمل بها هذا أو ذاك الباحث/ة؟


ومن الناحية الأخرى، هناك ظاهرة خطيرة تسهم في تخلّف التعليم العالي في وطننا العربي، وهي لجوء بعض أساتذة الجامعة إلى السرقات العلمية والأدبيّة إن كان على صعيد الابحاث العلمية أو الشهادات، إذ يسرقون ويسطون على أبحاث غيرهم، وينشرونها بأسمائهم. و في ظلّ هكذا أجواء يطفو على السطح الأستاذ الجامعي الهزيل علمياً، غير المعطاء، و يتراجع الأستاذ الجامعي المبدع الباحث النشيط، ويصاب بالإحباط وخيبة الأمل. وهذا بهدف الترقيات العلمية ووضع الالقاب والمسميات إن كان منها :(استاذ دكتور او استاذ مشارك...الخ)، وبالتالي من خلال الغش والتزوير وقلب الحقائق يصبح هذا أو ذاك من أساتذة الجامعات إما رئيساً لجامعة او عميدا لكلية أو رئيساً لقسم او حتى وزيراً أو رئيساً لوزراء. وهنا اتساءل: كم من رئيس قسم أو عميد كلية أو رئيس جامعة أو وزيرا لا يحمل أدنى الشهادات لتؤهله لهذا أو ذاك المنصب، وأصبح الانسان غير المناسب في المكان غير المناسب. وفي هذا الصدد عمل ومازال يعمل الكثير للحصول على شهادات مزورة، وليست من خلال جهودالدارسين/الباحثين وهذا من أجل الترقيات الوظيفية بالمؤسسات الحكومية الرسمية، كما حصل ويحصل بمؤسسات السلطة الفلسطينية كنموذج موجود بالعالم العربي دون محاسبة ومراقبة وتدقيق، بل في ظل ازدياد لظاهرة السرقات العلمية والأدبيّة.


وفي هذا الصدد تشير بعض الإحصائيات الصادرة عن مراجع رسمية وأكاديمية بأن البحث العلمي في العالم العربي لا يزال يعاني من "التراجع والتخلف" مقارنة بالاهتمامات العالمية، فقد كشفت أرقام عرضت عن فجوة كبيرة بين البحث العلمي عربياً وعالمياً. وبحسب رئيس الجمعية الأردنية للبحث العلمي الدكتور أنور البطيخي فإن ما يتم صرفه على البحث العلمي عربياً لا يتجاوز مليار و700 مليون دولار سنويا، مضيفا أن ذلك المبلغ "يعادل ما تصرفه جامعة واحدة مثل هارفارد أو جونز هوبكنز في الولايات المتحدة".


إن حجم البحوث العلمية المنشورة عربيا تعاني هي الأخرى من التراجع والتخلف مقارنة بالنسب العالمية. فبينما تم نشر 11107 أبحاث عام 2006 في العالم العربي وبمعدل 37 بحثا لكل مليون عربي، تبلغ النسبة العالمية نحو 148 بحثا لكل مليون. أما أعداد الباحثين فبلغت 136 باحثا لكل مليون عربي، مقابل 5085 في اليابان، و1395 في إسرائيل، و4374 في الولايات المتحدة. وقد أظهر تقرير أصدرته جامعة شنغهاي الصينية لأفضل 500 جامعة على مستوى العالم أن جامعة عربية واحدة التي دخلت التصنيف الذي يعتمد معايير أهمها البحث العلمي وعدد البحوث العلمية المنشورة ومدى خدمتها للمجتمع إضافة لمعايير أخرى في الغالب لا تتوفر في المؤسسات الجامعية العربية حالياً.


وبالجانب الاخر يعتبرالأستاذ الجامعي هو الركن الأساس الذي تقوم عليه العملية التعليمية في الجامعات، وهو عماد البحث العلمي، وإذا أصبح هذا الأستاذ غير قادر لأداء مهمته على أكمل وجه، فانه سيحصل تدنيا كبيرا لمستوى التعليم في الجامعات. فهل يتحمّل الأستاذ الجامعي مسؤولية ضعف وتراجع التعليم في الوطن العربي؟


إذا كان الأستاذ الجامعي عنصر أساسي في العملية التعليمية فهو بالطبع يتحمل جزءاً من تأخر وضعف التعليم في العالم العربي، غير أنّ هناك عناصر أخرى كثيرة تسهم في ذلك منها: النظام الإداري للمؤسسات الجامعية الذي يتحكم في بنية الجامعة وعلاقاتها وقيمها وسير التعليم فيها. إن الجامعة في العالم العربي تتأثر بمجموعة من المعايير الغريبة-العجيبة التي تساهم في تأخر وضعف التعليم العالي، وتؤخّره. حيث يتعقد، ويتعامل رئيس أو مدير معظم الجامعات العربية أن الجامعة ملك له ولأبيه ولزوجته وأبنائه وأحفاده، أما عميد الكلية في هذه الجامعة أو تلك يعتقد أنّ كليته ُملك من أملاكه الخاصة، أما رئيس أي قسم في هذه الكلية أو تلك يرى نفسه الأهمّ فيها، وهو (الآمر الناهي) فيها، وعلى جميع أعضاء قسمه أن يقدّموا له الولاء والطاعة، وأنه سيد للقسم ولا تقع عليه أي محاسبة أو أخطاء.


وليس الطالب بأفضل من الأستاذ الجامعي، بل في الكثير من المناسبات يكون أسوأ منه، لأنه هو نتاج بل جزء من هذا الوسط الاستبدادي المكرّس في الجامعة، و بدون أي جهد علمي أو معرفي يلجأ عادةً إلى أساليب غير قانونية، وغير نظيفة للحصول على الدرجة والنجاح، إذ يلجأ إلى الغشّ في الامتحانات، وبأساليب مبتكرة وحديثة، وفي بعض الأحيان يحوّل نفسه من طالب علم ومعرفة إلى انسان سوقي تافه يقوم بتهديد الأستاذ الجامعي وخصوصاً إذا رسب في مادته، وفي الجانب الآخر يلجأ بعض ضعاف النفوس من أساتذة الجامعات في تشكيل عصابة حولهم من الطلاب السيئين المتخلفين علمياً والفاشلين دراسياً ويحثونهم على إيذاء زملائهم الذين يختلفون معهم فكرياً أو منهجياً، ويجيزون لأنفسهم في بعض الأحيان أن يكونوا ضيوفا ثقلاء على موائد هؤلاء الطلاب، ويتورطون في نقل ما يدور في إجتماعات أقسامهم لهؤلاء الطلاب، بل يبلغ بهم الانحطاط الأخلاقي إلى قبول أبسط رشوة منهم، كأن تكون مبالغ مالية، أو قضايا مادية ترسل لمنازل هؤلاء الأساتذة سراً أو علناً، وفي بعض الحالات يعمل بعض هؤلاء الأساتذة أحياناً على تسخير هؤلاء الطلاب كأن ينقلونهم وزوجاتهم وأولادهم من مدينة إلى مدينة بعيدة أخرى، وذلك بسياراتهم الخاصّة
.
النظام الإداري للمؤسسات الجامعية
تعمل غالبية إدارات الجامعات في العالم العربي بتطويع وإخضاع أساتذتها لقوانينها، فإنّها تخلق أجواءاً غير صحية، وتعزّز فيها نظاماً يقوم على تكريس الوشاية والأحقاد بين أعضاء هيئة التدريس من جهة، و بين الطلاب من جهة أخرى، إذ تعمل هذه الإدارات على توظيف عيون ومخبرين لها من الطلاب ومن أعضاء هيئة التدريس ضعيفي النفوس، وداخل هكذا أجواء سلبية تصبح الجامعة أو الكية أشبه بمؤسسة أمنية، وتتحول إلى كابوس مرعب لنفوس الطلاب والأساتذة معاً، وبالتالي تزداد أجواء نزعة الاستغلال والتسلط عند مسؤولي هذه الجامعة أو تلك. فهناك عمداء كليات ورؤساء أقسام في عالمنا العربي، يكرّسون هذه الأجواء المشوّهة،كأن يعيّن رئيس جامعة ما أوعميد كلية، أورئيس قسم عيوناً أو مخبرين له في الجامعة، وهذه العيون تنقل بدورها تقارير كاذبة وملفّقة وكيدية في معظم الأحوال، وهكذا تصبح الجامعة مكاناً للوشايات والمكايد والمؤامرات، بدلا من أن تكون مكاناً للبحث العلمي الموضوعي والإبداع والعطاء. وفي ظل هذه الاجواء يلجأ بعض أساتذة الجامعة من ضعاف النفوس لقبول الرشاوي من الطلاب، بسبب تسيب إدارة هذه أو تلك من الجامعات، وبالتالي انحرفهم عن طريق المعرفة و الفضيلة والبحث العلمي المبدع، إلى طريق الفساد. إضافة إلى تدنّى مستوى الحس الأخلاقي هناك انحرافات الأساتذة مع طلابهم وبخاصة مع طالباتهم، وضعف الوازع الديني والأخلاقي لديهم، ليتورطوا في علاقات ممنوعة ومحرمة، والأدلة كثيرة جدا وواضحة في كثير من الجامعات العربية. كما أنّ هناك بعض من أساتذة الجامعات غير متطورين ومتراجعون في قدراتهم العلميّة والمعرفية، فلا يقرأون كتاباً واحداً أويكتبون بحثاً واحداً بعد الانتهاء من شهادة الماجستير او الدكتوراه، بل يمارسون أسلوب التلقين لمعلومات قديمة، الا انه هناك استثناءات.


أما الطالب في الجامعات العربية فهو يلجأ إلى أساليب سيئة دون أي جهد علمي أو معرفي من أجل النجاح والحصول على الدرجة من خلال الخداع و التضليل وفي الغالب السرقة والغشّ بالامتحانات او كتابة اوراق العمل والواجبات من خلال أساليب حديثة، حيث أنه أحياناً يقوم بتهديد الأستاذ الجامعي حال رسوبه في المادة العلمية.


وفي الجانب الآخر لجوء بعض ضعيفي النفوس من أساتذة الجامعات في تشكيل عصابة من بعض الطلاب السيئين المتخلفين علمياً، والفاشلين دراسياً، من أجل إيذاء زملائهم الذين يختلفون معهم فكرياً أو منهجياً كما حصل في بعض الجامعات بالعالم العربي وخصوصاً في المناطق التي لا يسودها الاستقرار الامني والسياسي.
ومما يساهم في فساد التعليم العالي بالوطن العربي أن هناك بعض من الجامعات العالمية الأجنبية، أو العربية المعروفة، التي تمنح الدرجات وأحياناً بيع الشهادات العلمية من ماجستير ودكتوراه لغير مستحقيها من الطلاب العرب، ليعودوا إلى بلدانهم بأبحاثهم المسروقة أو المزوّرة، ويصبحوا أعضاء هيئة تدريس في الجامعات، بل والأدهى من ذلك بأن يصبحوا رؤساء أقسام وعمداء كليات، ورؤساء جامعات ووزراء ومدراء حكومة!!!


ومن الأسباب الاخرى في ضعف وتراجع التعليم العالي بالجامعات العربية أنها لا تقيم ميزان العدل والمساواة بين أعضاء هيئة التدريس، إذ تقرّب هذه الجامعات الموالين لها ولرؤساء الجامعات وعمداء الكليات ورؤساء الأقسام، وتُنفر من ينتقدها ويعارضها، و تتهمهم بالمارقين عليها - أصحاب المشاكل.


و يضاف إلى ذلك ظاهرة مهمة جدا، وهي: حينما تعلن وزارات التعليم العالي في العالم العربي عن مسابقات لتعيين أعضاء هيئات تدريس جدد في جامعاتها، و تضع شروطا يجب أن يحققها هؤلاء الأعضاء حتى يصار إلى تعيينهم، فإن القائمين على هذه التعيينات لا يراعون أي جانب من جوانب العدل والحق والمساواة في اختيار الأعضاء الأكفاء، ولا يعينون من يستحق التعيين حقا، بل تتدخل الوساطة والمعارف الشخصيّة والمحسوبيات والعلاقات غير النظيفة في هذه التعيينات، وتعمل لجان الاختبار على خرق هذه الشروط وتهميشها، وتعيّن من لا يستحق، وتبعد الجديرين والمتميزين علميا ومعرفيا. ومن هنا نفهم لماذا تمتلئ جامعات العالم الأوروبي والشرق آسيوي وأمريكا بالأساتذة العرب الكثيرين الذين لم يحصلوا على وظائف في جامعات بلدانهم. إن جامعاتنا العربية تهاجمهم بضراوة وترفض أن تعطيهم الفرصة لكي يبدعوا ويطوّروا مجتمعاتهم، في حين أنّ جامعات العالم الأخرى تحتضنهم، و تستفيد من خبراتهم، وتعدّ لهم كل الظروف المناسبة لكي يبحثوا بتميز وابداع.


إن النظام التعليمى فى العالم العربي بحاجة لإعادة هيكلته وتشديد شروط القبول والترقيات الأكاديمية فيه بشكل أوسع. حيث أنّ غياب مبدأ العدل والمساواة واحترام سيادة القانون والديمقراطية وروح الحوار الأكاديمي الخلاّق في الجامعات العربية أيضاً من أسباب تخلّف التعليم الجامعي العالي في المؤسسات الجامعية العامة والخاصة، وهذا الغياب بدوره يولّد نوعا من الاستبداد الذي تمارسه إدارة الجامعة أو الكلية ضد أساتذتها وطلابها. ومما يحوّل بعض الجامعات والكليات في العالم العربي إلى قلاع من الاستبداد والظلام هو عدم وجود الانتخابات الديمقراطية لرؤساء الجامعات وعمداء الكليات ورؤساء الأقسام، إذ يتربّع هؤلاء كراسي المناصب الإداريّة بقرارات خارجيّة عليا، تصوغها الأحزاب السياسية أحيانا، أيو الوزراء أحيانا أخرى، أو الجهات الأمنية التابعة لسلطة الدولة نفسها أحيانا أخرى. وهذه التعيينات الخارجية لا تدفع إلى هرم المناصب الإدارية الجامعية الأكفاء من الأساتذة المتميزين عقلا وحكمة ومعرفة وبحثا جادا، بل قد تدفع بعض الأشخاص غير الموهوبين وغير الجديرين إلى مثل هذه المناصب، تأسيسا على علاقات شخصيّة عائلية أو قبلية أو طائفية أو سياسية، لا علاقة لها بأي قيمة علمية أو حضارية أو أكاديمية. فكيف لا يتخلّف التعليم العالي في الجامعات العربية ؟


* رئيس المعهد الكندي لدراسات الشرق الأوسط، استاذ علم الاجتماع المشارك بكلية كينج الجامعية، جامعة وسترن اونتاريو. http://www.imesc.org