نشر بتاريخ: 25/08/2015 ( آخر تحديث: 25/08/2015 الساعة: 11:50 )
الكاتب: دكتور ناجى صادق شراب
المفارقة فى الصراع العربى الإسرائيلى ومحوره الصراع الفلسطينى الإسرائيلى أن لدينا قراءتان مختلفتان متناقضتان ، وهذا أمر بديهى لا خلاف عليه ، ولكن الخلاف والجدل ان إسرائيل عرفت وفهمت جوهر الصراع، وعرفت كيف تتعامل معه، اما القراءة الفلسطينية فهى قراءة قاصرة ،ولم تستوعب مكونات هذا الصراع إستيعابا يوصلها ولو خطوات اكثر من الإستجابة للحقوق الفلسطينية .
المعيار فى هاتين القرائتين هو الربط بين هذه القراءة وتحقيق الأهداف التى يسعى لها كل طرف. وبقدر نجاح هذه الأهداف يمكن القول نجاح الطرف المعنى بقرائته للصراع.اولا إسرائيل نجحت فى قرائتها بدليل نجاحها فى قيام إسرائيل كدولة ، ونجاحها ثانيا فى تفكيك الصراع العربى الإسرائيلى ، وفصل المكون الفلسطينى كمكون أساس فى هذا الصراع، فلم تعد إسرائيل العدو الأول للأمن القومى العربى ، بدليل أن لها علاقات مع عدد من الدول العربية ، بل اكثر من ذلك عقدت معاهدتي سلام مع اهم دولتين عربيتين تتحكمان فى الصراع وهما مصر والأردن.ونجحت فى إقامة علاقات مع غيرهما من الدول العربية، وان يكون لها تواجد وعلاقات ،وهو ما يعنى ان إسرائيل لم تعد الدولة العدو، وهذا إنجاز كبير فى الرؤية الإسرائيلية ، وفى كيفية إدارتها للصراع، من ناحية عرفت كيف تتعامل مع التحولات السياسية العربية التى تشهدها المنطقة ، وأستفادت كثيرا من أخطاء السياسة الفلسطينية ، وتورطها فى السياسات العربية ، ونجحت أيضا فى تضخيم مخاطر العدو البديل كإيران والمشروع الإسلامى .
وعلى المستوى الفلسطينى وهذا الأهم عرفت إسرائيل كيف تتحكم وتؤثر فى التفاعلات السياسية الفلسطينية ، او بعبارة أخرى قرأت العقلية والثقافة الفلسطينة جيدا، وبعبارة أدق عرفت كيف يفكر الفلسطينيون؟ وماذا يريدون؟والأهم فهمت كل ابعاد الصراع ، ولم تتعامل فقط من منظور انه صراع عسكرى ،وأدركت خطورة العامل السكانى الفلسطينى ، وقد يكون العامل الوحيد الذى تعجز إسرائيل فى التعامل معه، مع ذلك إستغلت ووظفت عناصر الضعف النفسية والإقتصادية ، والمالية ، لتحاول ان تقلل من مخاطر وتداعيات هذا العامل من خلال سياسات الإحتواءوالعمل. ويبدو أن إسرائيل قرات التاريخ الفلسطينى جيدا ، وفى الجانب السياسى منه،لتعمق من حالات الإنقسام والتفكك السياسى الفلسطينى ، وما الإنسحاب الأحادى من غزة ، وصولا للإنقسام إلا احد صفحات هذه القراءة.
إسرائيل تتعامل مع كل جوانب الشخصية الفلسطينية ، ومن مظاهر النجاح إتفاقات أوسلو، وإنتزاع الإعتراف الفلسطينى بها ، وقيام سلطة غير قادرة على التحرر من علاقاتها بإسرائيل. وأبعد من ذلك الربط الإقتصادى. وكل هذا بهدف التحكم فى معادلة الصراع ، ومخرجاتها حتى لا تتناقض وتتعارض مع اهداف إسرائيل كدولة.
على الجانب الفلسطينى القراءة قاصرة تاريخيا وزمنيا ومكانيا. لم ننجح فى التغلغل داخل إسرائيل ونتعرف على نقاط القوة والضعف.ساهمنا بوعي او بدون وعي فى دعم فكرة إسرائيل ضحية الإرهاب والقتل، والإضطهاد، ومنحناها الشرعية فى كثير من الأحيان.ركزنا فى الصراع على القوة فقط الصاروخ والبندقية ، وتناسينا ان جوانب الصراع الأخرى هى الأهم، إسرائيل قدمت نفسها للعالم على انها الضحية لإضطهاد أوروبى او هتلرى ، وانها تعانى من هذا الإضطهاد فلسطينيا وعربيا بتوظيف لغة الخطاب الفلسطىنيى التى تدعو لقتل كل ما هو يهودي ، وخصوصا الخطاب الديني لبعض الجماعات الإسلامية . لم نفهم حقيقية الشخصية اليهودية وتركيباتها المعقدة ،وركزنا على جانب واحد فقط، اليهودى البخيل، وتناسينا ان هناك الآلاف من اليهود الناجحين فى الكثير من الجماعات ومراكز البحث وفى ومجالات الطب وغيرها, وهذا جانب مهم فى الصراع.
ومن القراءات الخاطئة القراءة التى تربط مصير فلسطين واليهود وإسرائيل بحسابات غيبية ، وان إسرائيل ستزول بعد عام أو عامين , قراءة غيبية غير عقلانية . وقراءة إسرائيل على أنها دولة ضعيفة آلية للسقوط، والإندحار، وننسى ان إسرائيل دولة قوة شاملة وليست عسكرية فقط. لم تتفهم القراءة الفلسطينية مكونات المجتمع الإسرائيلى ومشاكله، ونقاط ضعفه، و لم تتمكن وعلى مدار عقود طويلة من قراءة دور الأقلية العربية وكيف يمكن أن تساهم فى إدارة الصراع من الداخل .ومن أوجه القصور فى هذه القراءة الفشل فى قراءة خارطة التحالفات الدولية الإسرائيلية.بإختصار شديد فشلت القراءة الفلسطينية فى قراءة برنامج بال الذى وضع أسس الطريق لقيام إسرائيل الدولة و ما زال يشكل المرجعية ، وفى الوقت الذى نجحت فيه إسرائيل من تحويل كل مقولاتها إلى وقائع وحقائق على الأرض، أضعف الفلسطينيون بقرائتهم حقوقهم التاريخية على ارض فلسطين.. المطلوب مراجعة شاملة للقراءة الفلسطينية ، قبل ان نجد انفسنا مجرد رعية تابعة تعيش فى كينونات غريبةاو خاضعة.