نشر بتاريخ: 25/08/2015 ( آخر تحديث: 25/08/2015 الساعة: 11:59 )
الكاتب: فادي الحسيني
إعتبر أكثر المراقبون أن إستقبال ولقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في السعودية قد شكل إختراق يحسب لحركة حماس، بل وقد يكون تغيراً في بوصلة وتوجهات الحركة في الفترة المقبلة. إلاّ أن المتابع لهذا اللقاء وما تبعه من إجتماعات أخرى لمشعل بمسؤلين دوليين آخرين يدرك أن الأمر يتعدى كثيراً مما بدا عليه في بادئ الأمر، فهو تحول واضح جاء نتاج لتطورات على عدة مستويات داخلية، وإقليمية، ودولية.
لحق لقاء الملك السعودي برئيس المكتب السياسي لحركة حماس عدة لقاءات، فإلتقى الأخير وزير الخارجية الروسي، والرئيس التركي، وكذلك اجتمع مؤخراً في الدوحة بممثل الرباعية السابق طوني بلير. وفي حين ذكرت جريدة "الغارديان" البريطانية أن اللقاء بين مشعل وبلير لم يكن الأول، بل هو اللقاء الرابع، عقب اللقاء الأخير عجت الصحف العربية والغربية والإسرائيلية بأخبار مفادها بأن حركة حماس على عتبة إتفاق هدنة مع إسرائيل، ولم يتبق سوى بعض التفاصيل لإتمام الإتفاق. الضجة علت أكثر بالتصريحات المتضاربة لمسؤولي حماس، يؤكد بعضهم تارة، وينفي آخرون تارة أخرى وسط ما وصف البعض بأن هناك "تسريبات" عن إجتماع شورى الحركة أجمع المجتمعون فيه على ضرورة الموافقة على هذا الإتفاق مع تحفظ قياديين فقط من قيادي الحركة. تزامنت جميع هذه المعطيات أيضاً مع التصريحات التركية، حيث تحدث مسؤولوها عن ضرورة تسوية الأوضاع بين إسرائيل وحركة حماس، ومنع أي نشاط حمساوي من أراضيها يستهدف إسرائيل وسط محادثات إسرائيلية تركية لإعادة تطبيع العلاقات بعد ما شابها من توترات سياسية في أعقاب حادثة مافي مرمرة.
السلطة الفلسطينية عبرت عن رفضها الكامل لأي إتفاق جانبي بين إسرائيل وحركة حماس، وهو موقف متطابق مع بعض مواقف البلدان العربية وعلى رأسها مصر. وينبع موقف السلطة الفلسطينية من أن أي إتفاق بين إسرائيل وحركة حماس منفردة سيؤدي إلى فصل واقعي لقطاع غزة عن بقية أرض فلسطين المحتلة عام 1967، وهو إعلان رسمي عن وفاة أي جهد لمصالحة وطنية فلسطينية كان من شأنها إعادة اللحمة لشقي الوطن في الضفة وقطاع غزة.
الأذى الذي قد يلحق بالشأن الفلسطيني لن يتوقف عند الشأن الداخلي الفلسطيني، فإتفاق كهذا سيضعف من جهود السلطة الفلسطينية الدبلوماسية والتي حققت في الفترة الأخيرة إنجازات وضعت إسرائيل في عزلة ومواجهة دول كانت تعتبر في السابق حليفاً لإسرائيل. نعم، التحركات الدبلوماسية الفلسطينية وضعت إسرائيل على خط النار مع محكمة الجنايات الدولية ومنظمات دولية وأممية كثيرة وسط حملة متصاعدة من المقاطعة وكل هذا من شأنه أن يتأثر سلباً في حال قامت حماس بتنفيذ إتفاق أحادي مع إسرائيل.
إن بدأنا في تحليل أهداف إسرائيل من هدنة مع حركة تراها إرهابية ووجب إقتلاعها، يبدو وكأن هذا اللقاء يتعدى الشأن الفلسطيني نفسه. فإسرائيل لها نظرة أبعد من هدفي إبقاء الإنقسام الفلسطيني الداخلي وإضعاف الموقف الفلسطيني الدبلوماسي. فبمراجعة التاريخ الحديث، نجد أن إسرائيل بحثت دوماً عن تأمين جبهة إن توقعت أزمات في جبهة ثانية. فتأمين جبهة الشمال كان أمراً حتمياً قبيل الخوض في مغامرة في قطاع غزة، والعكس صحيح فتأمين جبهة الجنوب كان دوماً أولوية لإسرائيل قبيل أي مواجهة مع حزب الله. ولكن هذه المرة، لا يبدو أن حزب الله فقط هو من سيكون مصدر إزعاج إسرائيل، بل سوريا ومكوناتها المعقدة، خاصة إذا ما إرتبط هذا الحديث مع الأنباء عن بدء البحث في ترتيبات جديدة لخروج آمن للأسد من سوريا، ودون تأمين البديل، وهو الأمر الذي سيعني فوضى أكبر في جبهة الشمال وردود فعل غير متوقعة بعد لحزب الله في حال مغادرة الأسد.
إذاً إن صحت التكهنات بأن الهدف من لقاء بلير بمشعل هو البحث في تهدئة بين حماس وإسرائيل أو لم تصح، فالشيء المؤكد هو أن هذا اللقاء يندرج في إطار أوسع يبحث في ترتيبات إقليمية لسوريا ما بعد الأسد، وحتى أبعد من سوريا. ولأن إنتفاضات الربيع العربي أخرجت لاعباً هاماً في المنطقة وهي الفاعلين غير الدوليين أو الحركات والمنظمات، لم يعد لقاء مشعل بوزير الخارجية الروسي أو حتى الرئيس التركي خارجاً وبعيداً عن هذا الإطار التحليلي. ففي حال خروج الأسد، يضحى من المهم أن تنسج جميع القوى الإقليمية والعالمية علاقات بحركات ومنظمات يمكن أن يكون لها دوراً في سوريا الجديدة.
فمن المؤكد أن روسيا لن تقبل أن تُسقط خيار الأسد دون أن تؤمن راعٍ جديد لمصالحها في هذه البقعة الهامة، وذات الأمر ينطبق على تركيا، التي يجمعها بسوريا حدود ومصالح ومخاطر، أهمها الشأن الكردي والخوف من تكوين كيان كردي في شمال سوريا. ومن هنا، لم تعد أي قوة إقليمية أو عالمية تتمتع برفاهية إختيار أحلافها، بل أصبح أمراً مفروضاً دون أدنى شك. الولايات المتحدة الأمريكية التي تتابع التطورات الجارية على الأرض عن كثب إستطاعت أن تنسج علاقات مع كافة الأطراف، بما فيها إيران عقب الإتفاق النووي وروسيا نفسها، حيث أشارت بعض التحليلات الأمريكية أن سحب صواريخ باتريوت الأمريكية من تركيا جاءت بتوافق روسي أمريكي من جهة، ومن أجل إرضاء القوى الكردية من جهة ثانية حتى لا تظهر وكأنها تقف مع تركيا ضد الأكراد بشكل مطلق. ولكنها في ذات الوقت لم تخسر تركيا، ففتحت باب التعاون العسكري وتحديداً في شأن الضربات والهجوم الذي تستهدف تنظيم داعش.
لم تغب هذه الرؤية عن أهداف لقاء خادم الحرمين الشريفين بمشعل، ولكن هذه المرّة تضاف ساحة اليمن إلى قائمة الساحات التي تستدعي وجود لاعبين جدد وخاصة بعد أن أخذ المنحى المذهبي شكل لا يقبل الجدل في هذا الصراع. فشكل لقاء مشعل بالملك سليمان شرارة بدء ومنعطفاً في خريطة وتشكيلات لاعبي وفاعلي هذه المنطقة. فبعد فترة من الصدمة والجمود، إستطاعت العديد من أنظمة المنطقة إمتصاص تبعات ما يسمى بالربيع العربي، وبناء إستراتيجياتها الجديدة المبنية بشكل رئيس إما بالتحالف أو التصادم مع العنصر الجديد والهام في المنطقة: الفاعلين غير الدوليين أو الحركات.
في هذا السياق، يرى سركيس نعوم أن الاتفاق النووي مع إيران كان سبباً آخر للقاء العاهل السعودي بخالد مشعل، فلهذا الاتفاق دور في دفع السعودية إلى التحرك لاستعادة أوراق كانت في يدها ولتجميع قوى مشابهة لها في القومية أو الدين أو المذهب، بغية مواجهة مفاجآت وتفاعلات الاتفاق. وإستدل سركيس على بحث صدر عن مركز دراسات أمريكي، حيث أفاد هذا البحث بأن الهدف الرئيس للسعودية هو بناء تحالف سني وائتلاف عربي قادرين على مواجهة الخطر الإيراني المرتقب، ووقف التمدّد الحوثي في اليمن وتحسين علاقتها مع السودان جراء عودة الحرارة إلى علاقتها مع حماس، إضافة لإبعاد الأخيرة عن إيران وتمويلها.
وسواء كانت هذه التحليلات دقيقة أم لم تكن، الأمر الذي لا يقبل الجدل هو أن لاعبي المنطقة بدأوا في إعادة ترتيب أوراقهم، وتعديل إستراتيجياتهم وبناء أحلاف جديدة تتواءم مع المتغيرات المتسارعة والتي جاء على رأسها الاتفاق النووي الإيراني وإحتماليات سقوط نظام بشار الأسد، مع تصاعد الدور المناط بالحركات ذات الطابع الديني في المنطقة.