نشر بتاريخ: 25/08/2015 ( آخر تحديث: 25/08/2015 الساعة: 16:20 )
الكاتب: د.احمد يوسف
منذ أن وقع الاحتراب الداخلي والأحداث المأساوية داخل الساحة الفلسطينية في يونيه 2007م، تمَّ تقديم الكثير من المبادرات والأفكار لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، بحيث تقاربت وجهات النظر، ولم يعد هناك – حقيقة - الكثير مما نختلف حوله، وخاصة على مستوى الرؤية لما هو مطلوب عمله للخروج من نفق الأزمة، إلى أفق الشراكة والتوافق الوطني.
إن هناك الكثير من المفكرين والسياسيين الفلسطينيين الذين اجتهدوا في تقديم المبادرات، بحيث إن ملامح التشابه فيما بينها غدت متقاربة جداً، ولم يعد هناك عذر لمعتذر يمنع الأخذ بها وتطبيقها.
مبادرة دحلان: الاتفاق والاختلاف
هذا الأسبوع أطل علينا النائب محمد دحلان بمبادرة جديدة، تضمنت بنوداً من الجدير أن نتملى بنودها، وأن نتعاطى معها كأفكار لسياسي فلسطيني ما زال في يده الكثير من الأوراق ليلعبها، خاصة في ظل أوضاع سياسية كئيبة، أهم ملامحها في قطاع غزة هي أن حكومة د. رامي الحمد الله قد تخلت عن أمانة المسئولية وواجب الالتزام تجاه سكان القطاع، كما أن الانطباع السائد بين السياسيين والمفكرين داخل القطاع وخارجه هو أن كل ما يجري من حصار وتهميش لقطاع غزة ليس بعيداً عن رغبات الرئيس أبو مازن، وما تخطط له بطانته، والملأ من حوله من أعمال كيدية هدفها كسر شوكة المقاومة في قطاع غزة، والضغط باتجاه أن يأتي أهلها صاغرين.
ومن باب الانفتاح على طروحات الآخر، تأتي هذه القراءة لما جاءت به مبادرة النائب محمد دحلان، والتي تضمنت النقاط التالية:
- إعلان قبول استقالة محمود عباس ومن معه.
- حرمانهم من حق التدخل في أية ترتيبات قادمة نظراً لانعدام الشرعية.
- الدعوة لانعقاد الإطار القيادي المؤقت في عاصمة شقيقة فوراً بحضور عباس أو عدم حضوره.
- إعلان بطلان خطوات عباس وجماعته؛ باعتبارها خروجاً عن القانون، واحتيالاً صارخاً على الإرادة الوطنية، وانشقاقاً مكتمل الأركان عن المؤسسات الشرعية.
- إعلان انتهاء المرحلة الانتقالية، وإعلان قيام دولة فلسطين.
- الدعوة فوراً إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية تشمل بالتوازي والتزامن المجلس الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج.
- التوافق حول لجنة وطنية مستقلة تشرف على الانتخابات قوامها قضاة فلسطين الأجلاّء.
- التوافق على برنامج كفاحي للمقاومة الشعبية كحق أصيل لشعبنا في مواجهة الاحتلال.
- التوافق على قواعد ومرجعيات الشراكة السياسية والوطنية بين كافة القوى والفصائل والشخصيات إلى حين انتخاب قيادة شرعية للشعب الفلسطيني.
إنني، ومن خلال مبادرتي التي طرحتها قبل شهرٍ تقريباً، أجدني متفقاً مع العديد من النقاط في هذه المبادرة، حول دعوة الإطار القيادي المؤقت وتفعيل دوره، بهدف كسر احتكار السلطة ومنع البعض من التفرد بها، والتغول في اتخاذ القرارات، كذلك حول الشراكة السياسية والتوافق الوطني، وضرورة أن يكون الكل الوطني والإسلامي صاحب قرار، وأهمية التوافق على برنامج وطني جامع وتفاهمات حول آليات الكفاح والمواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، وأيضاً التحضير لانتخابات تعيد تأسيس الشرعية لكل مؤسساتنا الوطنية.
إن الإشكالية في هذه المبادرة أن البعض سيفهمها في سياق المناكفة القائمة بين الرئيس محمود عباس والنائب محمد دحلان، حيث سبق وفي أكثر من مناسبة أن تبادل الطرفان اتهامات جارحة تسيء إلى كلٍّ منهما، وبالتالي سيتم النظر إلى هذه المبادرة ليس من باب الخلاف على القضية الوطنية؛ بل هي نكاية وخصومات شخصية ليس إلا.!!
علينا أن ندرك بأن السياسة في إحدى وجوهها هي حسبة مرحلية، قد تمنحك بعض أوراق القوة والقدرة إذا تعاملت معها بذكاء وفطنة، وخاصة في تلك اللحظات التي تشعر فيها بأن هناك من خصوم السياسة من يتداعى للإجهاز عليك، وتغييبك من ساحة الحضور ومشهد الحكم وألقاب النسور.
نعم؛ هناك الكثير من كوادر وقيادات حركة حماس من يتوجسون من النائب محمد دحلان، لاعتبارات خاصة بسنوات طويلة من الخلاف معه، والتشكيك في أجندته ونواياه، وهؤلاء لهم كامل الحق في الحذر من التعامل معه، وهذا حق لا ننازعهم فيه، ولكن علينا أن نتفهم في الوقت ذاته بأن السياسة ليست حالة عشق ووئام بين حبيبين، وإنما هي مصالح تلتقي تحميك من الخسارة، وتؤمن لك شيئاً من الربح، الذي يحفظ استمرارية وجودك في سوق المنافسة إلى جانب شهبندر التجَّار.
خلال السنوات التي أعقبت الأحداث المأساوية عام 2007م، جرت الكثير من المياه في نهر العلاقة مع حركة فتح، وكانت هناك إشارات إيجابية يمكن البناء عليها، حتى مع أشد الخصوم مثل محمد دحلان.
إنَّا لمدركون: جدلية الخطر وطوق النجاة
إن ما طرحه النائب دحلان هي أفكار تستحق التفكير فيها، وتحريك قناعات الشارع بها؛ لأنها في مجملها هي ملخص لكل ما سبق وأن توافقنا عليه في العواصم العربية، وأيضاً داخل الشارع الفلسطيني.
إن حجم التآمر على قطاع غزة هو من الفظاعة والاتساع الذي يوجب علينا أن نفكر وبسرعة لإيجاد بعض التحالفات التي نُخذِّل بها عن أنفسنا، ونقطع دابر الكائدين والمتربصين.. إن النائب دحلان بما يمتلكه من شعبيِّة داخل حركة فتح في قطاع غزة، وعلاقاته الإقليمية وخاصة مع مصر، تمنح مبادرته الأهمية للنظر فيها، والتفكير لبناء تحالف حولها، حيث إن كل ما يصلنا من رام الله، حيث مقر الرئاسة والحكومة، من أخبار وتحليلات ومعطيات ذات نكهة سياسية وأمنية لا يبشر بخير، وأن استمرار المراهنة على المجهول - دون أخذ الأمور بقوة - سيؤدي إلى تآكل عوامل الصمود، ووقوع الانفجار الذي لا يعلم أبعاد تداعياته على الشعب والقضية إلا الله.
علينا أن نبني تحالفات مع الجميع في قطاع غزة لحماية مستقبل مشروعنا الوطني، فإذا كانت "النقاط العشر" التي طرحناها سابقاً تنفع مع هذه المبادرة للنائب دحلان أن تكون مدخلاً مناسباً للنقاش حولها، وقطع الطريق أمام ما هو قائم – الآن - في رام الله من جدل ومناكفات وتحركات مشبوهة فيما يخص دعوة المجلس الوطني لانتخاب لجنة تنفيذية جديدة، لا تبقي للفلسطينيين موقفاً يتوحدون عليه، ولا قائداً يصطفون خلفه، وتظل سفينتهم – للأسف - تتلاطمها أمواج بحر الظلمات؛ هائمة على وجهها دونما مرساة ولا شراع.