نشر بتاريخ: 07/09/2015 ( آخر تحديث: 07/09/2015 الساعة: 11:23 )
الكاتب: د. نزار نبيل أبو منشار الحرباوي
يعيش المرء في الحياة وهو يستنزف طاقته وجهده في مجالات السعي خلف المال والنجاح والراحة والهناء وتأمين متطلبات الحياة وافتتاح المشروعات المدرّة للدخل ، ويغرق في دوامة من البحث والسهر والتعب والتفكير والتخطيط ، بينما الأولى به أن يحدد اتجاهاته المعرفية والخبراتية والرؤية الباعثة على ضبط مساره قبل الخوض في غمار الحياة .
الفرد حاله كحال الشعوب والأمم ، فأمة لا تضع رؤية لنفسها ستدوسها الأمم المخططة ، وإنسان يعيش لذاته ويخطط لذاته ، ويعمل لذاته ، ستسحقه المخططات الجمعية التي هي الحاكمة الفعلية اليوم .
في الاقتصاد العالمي هناك مجاميع قوى ، وفي السياسة الدولية هناك تحالفات عالمية وإقليمية ، وفي علم الاجتماع هناك موازين قوى ومرتكزات يمكن التعويل عليها لمن يريد أن ينطلق في حياة تختزل العبثية والعشوائية، وتجارب الآخرين إفراداً وجماعات يمكن أن تثري الكمّ المعرفي لدى الباحثين عن الحقيقة والتميز .
عندما نقوم بتدريب الفرق والمجموعات في مجالات الإدارة أو القيادة أو التخطيط العصري والتفاعلي ، نحاول أن نركز على قيمة معرفية مفاهيمية واحدة ، ألا وهي قيمة الثقة بالذات والانطلاق منها نحو تحليل الواقع وترسيم المسار ، فلا يمكن الحديث عن رؤية أو رسالة أو حالة من التميز لمؤسسة أو منشأة لا يعرف قادتها أو العاملون بها معالمها ومميزاتها ونواقصها ومتطلباتها ،ليكونوا شركاء فعليين في صناعة القرار وحمايته والتقدم بالمنشأة بصورة فاعلة .
أما في الحياة الأكاديمية ، فالتركيز يكون على عامل البحث العلمي ، والبحث الذاتي وعدم الاقتصار على السهل غير المكلف ، وإذا زواجنا بين العلم التخصصي والإدارة التفاعلية ، وجدنا أن بعض النقاط تبرز بقوة كعوامل للنجاح ، من أبرزها : الفهم ، والقدرة المنطقية على التحليل بعيداً عن الهوى والعاطفة ، والرغبة بالتغيير وامتلاك الدافع ، والقدرة على اتخاذ القرار الشخصي والعام ، وتميز القدرات التفاوضية ، والسعي للتعامل من خلال الفرق التخصصية وفرق العمل بدل الشخصنة والعمل الفردي ، ووضوح الرؤية والرسالة قبل البدء بالعمل ، إضافة إلى عامل الاخلاص والاتكال على الله في البعد الروحي الضابط .
لقد نجح الغرب فعلاً في مجال التصنيع والتسويق وإدارة الموارد البشرية ، مع افتقاره للقيم الدينية الناظمة ، وهذا النجاح كان سببه ارتباط المؤسسة بالفكرة لا بالشخص ، وتفاعل العاملين بعد معرفتهم بآثار تفاعلهم على مستوى وضعهم الوظيفي ورواتبهم ومواقعهم في المنشأة التي يعملون بها ، وقد تقاعس جيش الموظفين والعاملين لدينا في عالمنا العربي والإسلامي نتيجة الشخصنة والاستبداد وغياب الرؤية ، ووجود عوامل العبث المصيري في واقع العقول الشابة وسلبها رغبتها بالعلم والتميز عن طريق بناء ذاتها والثقة بقدراتها ، في مقابل ربطها بالواسطة والمحسوبية والعوامل الهدامة الأخرى.
فمن أبرز مفاتيح النجاح وأقواها أثراً ، الاهتمام بالشباب وزراعة الأمل في نفوسهم ، وتعبئتهم بالروح المعرفية التي تحفزهم على البحث والتنقيب عن تجارب الآخرين وأبحاث النجاح والإدارة العصرية ، والكتب النافعة التي تبني شخصيتهم وتنفعهم في التعامل مع حياتنا المعاصرة المليئة بالتحديات والصعاب .