الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

القدس لا تقبل القسمة او التقسيم ...

نشر بتاريخ: 15/09/2015 ( آخر تحديث: 15/09/2015 الساعة: 12:04 )

الكاتب: يونس العموري

حيث ان الزمان بات مقسما، والمكان مجزأ، والواقع فيه الكثير من الخبايا، والبيت العتيق قد اضحى ساحة لممارسة الرذيلة، والسجد الركع يضربون بوضح النهار، وللقدس ان تظل تأن انينها دون اغاثة .. فمن حق سادة تل ابيب ان يمارسوا افعالهم كما يشأون وهم سادة اسياد المنطقة ...
القدس باتت العنوان الابرز بهذه المرحلة، فما بين التقسيم والتجزأة، نلحظ سياسة فرض الأمر الواقع، هذا الواقع الذي بدأت ملامحة تتضح عن كثب في ظل كل هذه الخربشات بالمشهد الفلسطيني عموما والمشهد العربي الذي يبدو انه لا يعير الكثير من الانتباه لمجريات واقع القدس الراهن، وحتى نعي حقيقة الاشياء ونتفهم وقائع الامور بشكل جلي لابد من كشف اللثام عن مخططات الدولة العبرية التي اعتقد انها ايضا باتت مكشوفة ومعلومة.
والملاحظ هنا ان ما يجري بالاقصى من محاولة فرض سياسة الأمر الواقع وفرض منطق القسمة والتقسيم ما هو الا مقدمة لإنقضاض على القدس عموما لفرض سياسة القسمة والتقسيم لاحقا .. حيث الاطروحات كثيرة بهذا الشأن.

فكثيرة هي الأحاديث التي يتم تداولها حول مصير القدس، في ظل هذه الهجمات المستهدفة للوجود العربي الفلسطيني في ثناياها، حيث اجتهاد الأطروحات السياسية التي تأتي من كافة الأطراف لطرح الحلول المقترحة للقدس، والتي في أغلبها تأتي على شكل تقسيم المقسوم وتجزئة المُجزأ، كأن يتم التعامل مع القدس بأجزاء وجزئيات. فما بين أطروحة القدس العتيقة والحلول المقترحة بخصوصها وأحياء القدس الشرقية او محيطها، او القدس المحافظة او القدس الحاضنة للتجمعات السكنية، تبدو القدس اصغر كثيرا مما هي عليه... بمعنى ان تقسيم القدس وفقا لهذه المفاهيم ومحاولة تطويع الحلول وتفصيلها على مقاسات الأطروحات الإسرائيلية ما هي الا استمرار في مسلسل ضياع القدس وسيطرة اسرائيل عليها وان اختلفت الأدوات والسبل والطرق وهو الأمر الذي تحاول من خلاله الحكومة الإسرائيلية تعزيزه بالظرف الراهن، والقائم على اساس التعاطي وقضية القدس بأسلوب الوحدات المُجزأة، وان ما ينطبق على أحيائها لا ينطبق بالضرورة على القدس القديمة، وهو الأمر المختلف عن مستوطنات القدس وبالتالي تصبح القدس وفقا لهذا الطرح قداديس تسهل السيطرة عليها استراتجيا وحتى في إطار يومياتها.

إن هذه التقسيم المتعمد من طرف الجانب الإسرائيلي انما يهدف بالدرجة الأولى الى الخلاص من التجمعات العربية الفلسطينية في اطار القدس، وهو ما تعتبره الإدارة الإسرائيلية عبئا كبيرا عليها وعلى موازناتها العامة، في ظل التزايد السكاني العربي في القدس، والتي تخشاه اسرائيل حيث التهديد بديمغرافيتها وتركيبتها السكانية مما يعني أن إسرائيل وفي ظل الوقائع المقدسية الراهنة انما تخشى ان تصحو يوما على قدس ذات أغلبية عربية، وعليه فإنها تحاول ايجاد معادلات جديدة للقدس وفقا لمفاهيم تعزيز النفوذ الإسرائيلي بالقدس اليهودية ذات الأغلبية التلمودية.

والسؤال الذي يطرح نفسه في سياق هذا السجال الدائر حول القدس عن أي أحياء عربية محيطة بالقدس يتم الحديث في ظل اشتداد الخناق عليها من كافة الإتجاهات، وحصار هذه الأحياء بأطواق المستوطنات الإسرائيلية..؟؟ وهل الأحياء العربية المنوي تسليمها للسلطة الفلسطينة (وفقا للأطروحة الإسرائيلية غير الرسمية حتى الآن) هي الأحياء القائمة بمعزل عن أراضيها وامتداداتها شرقا وغربا...؟؟ ام ان الحديث يدور فقط على الأحياء العربية وفقا للخرائط الهيكيلة الإسرائيلة المعدة من قبل الدوائر الإسرائيلية لتلك الأحياء..؟؟ حيث انه من المعلوم ان بلدية القدس الإسرائيلية قامت بترسيم الخرائط الهيكيلة للأحياء العربية وفقا لمخططات القدس الكبرى ومخططات القدس الإسرائيلية ذات الأغلبية اليهودية فيها، وهو ما حرم الأحياء العربية هذه من امتداداتها البرية بكافة الإتجاهات وتمت مصاردة الأراضي لإغراض إستيطانية او اغلاق الالاف الدونمات واعتبارها اراضي خضراء او إخراج الكثير من تلك الأراضي التي تتبع لتلك الأحياء من المخططات الهيكلية وبالتالي صارت مساحات تلك الأحياء أقل كثيرا مما هي عليه.... بحيث اصبحت تلك الأحياء عبارة عن كانتونات مكتظة ومغلقة اغلاقا محكما، وأصبحت أشبه بحواري لا بأحياء وقرى محيطة بالقدس، فكثيرة هي القرى المحيطة بالقدس، والتي يتم تسميها بالأحياء قد فقدت صفة القرية التي قد تتطور الى مستوى المدن، لتصبح مجرد حي او حارة من حارات القدس بعد ان تم نزع ملكية أراضيها منها أو إغلاق تلك الأراضي بمسمى "أراض خضراء" ولا يسمح بإستغلالها حتى بما يسمح به قانون استغلال الأرض الخضراء، وغالبا ما تكون هذه التسمية (الأرض الخضراء) لتلك الأراضي التي تقع بمحاذاة المستوطنات حيث يتم استغلالها لاحقا كرصيد احتياطي للتوسع الإستيطاني الإسرائيلي فيما بعد...

هذا فيما يخص ما يسمى بالأحياء العربية، أما فيما يخص بالقدس العتيقة فأعتقد ان ما يسمى بالأطروحة الإسرائيلية والتي تحاول تعزيز مفهوم السيطرة والسيادة المشتركة للحوض المقدس في القدس والمقصود فيه بالطبع القدس القديمة هو الإبقاء على السيطرة الإسرائيلية في القدس، وبالتالي تعزيز الحق الإسرائيلي واليهودي في القدس، وهو الأمر المتنافي وقرارات الشرعية الدولية وقواعد ومبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، والتي أجمعت على أن القدس وكل القدس وبما فيها القدس العتيقة جزء لا يتجزأ من الأراضي العربية المحتلة للعام 1967 ويسري عليها ما يسري ما يسري على باقي الأراضي العربية المحتلة، وبالتالي لا يمكن ان يكون للقانون الإسرائيلي بضم القدس للسيادة الإسرائيلية اي تأثير، بصرف النظر عن مفاعيل القرارات والقوانين الإسرائيلية على الأرض، وهو الأمر الذي أجمعت عليه كافة المحافل الدولية والأممية، وما أكدت عليه كافة السياسيات الخارجية لدول العالم ... وبالتالي فإن نظرية السيطرة المشتركة على القدس القديمة تعتبر نظرية ساقطة عمليا وفعليا ولا سند قانوني لها او حتى سياسي... واعتقد ان الجانب الإسرائيلي أراد ويريد من خلال هكذا أطروحات (مع انها غير رسمية حتى اللحظة) محاولة ترسيخ شيء من السيطرة الإسرائيلية بإسناد دولي و موافقة فلسطينية عربية وهو الأمر الخطير والخطير جدا حيث الإعتراف العربي والدولي وبالتالي الفلسطيني بالحق الإسرائيلي واليهودي على شيء منالقدس.... وبطبيعة الحال فإن الأطروحة الإسرائيلية الجديدة القديمة هذه لا تفرط بالمطلق بمستوطنات القدس والتي تعتبر جسور واصلة ما بين القدس الشرقية والقدس الغربية كنقطة انطلاق للقدس الكبرى والموحدة والتي أجزم أن إسرائيل قد استكملت مخططاتها ورؤيتها بهذا الشأن....

إن التعاطي وقضية القدس وفقا للتجزئة والتقسيم خطير وخطير جدا على اعتبار ان التفاوض على القدس من خلال الوحدات كل على حدة سيصب بالنهاية في خدمة النظرة الإسرائيلية للقدس، والتي لا تخرج عن نطاق الحلول الهزيلة التي من خلالها سيتم تقزيم وتصفية قضية القدس... وبهذا السياق فلابد من التأكيد اننا لا نفهم سوى أن القدس قدس، وأن السيادة تعني سيادة عربية فلسطينية على كل شبر من أراضي القدس.. وهذا حق كفلته كـل قـرارات الشرعية الدوليـة وسانده الرأي العام الدولي.. وأكدته مجريات الأحداث دومــاً... فالقدس لا تقبل القسمة على اثنين، فإما أن تكون محتلة وإما أن تكون تحت السيادة العربية الفلسطينية، وما الحديث الذي يدور هذه الأيام حول المقترحات التي تقدمها مختلف الأطراف الإسرائيلية، والتي ربما تتوافق واطروحات فلسطينية مشبوهة الطابع والتوجه "لحل معضلة القدس" إلا ذرا للرماد في العيون.. على اعتبار أن تلك الحلول المقترحة تنطلق من أرضية السيادة الإسرائيلية المطلقة على القدس وإن اختلفت المسميات أو الوظائف المتقاسمة بهذا الشأن.

ومما يُثير الدهشة والاستغراب أن نجد عرابين لمثل هذه المقترحات يحاولون تقديمها على طبق من فضة، تحت شعار أن هذه الحلول المقترحة ما هي إلا مرحلة انتقالية على طريق استعادة القدس، وهو الحل البديل الأمثل في ظل مثل هذه الظروف على حد قولهم. ولكن أليس من الحري أن تبقى القدس المحتلة، محتلة، ولو لبعد حين على أن لا يسجل على الفلسطينيين أن الحل (المسخ) للقدس قد أُنجز، وتظهر إسرائيل كأنها قدمت التنازلات التي تستطيع تجاه القدس وبالتالي تضيع القدس وقضية القدس...؟ وما مشاريع التهويد والاستيطان الآخذة بالتسارع في قلب الأحياء المقدسية إلا لدليل على الخطوات التمهيدية بشأن الحلول السلمية التي يتم تقديمها من الجانب الإسرائيلي كبالونات اختبار وقياس ردات الفعل الفلسطيني والعربي تجاه هذه الأطروحات، والمخطط الإسرائيلي منذ البدايات أعلن عن نفسه في غطائه النظري معتبرا أن "القدس الموحدة عاصمة دولة إسرائيل الأبدية". ولقد نفذت حلقات هذه المخططات من خلال سياسات فرض الأمر الواقع، بهدف تحقيق الأطروحات الإسرائيلية بهذا الشأن، وحيث ذلك فإننا نلحظ عجزا فلسطينياً وعربياً للحفاظ على عروبة القدس من خلال وضع آليات محلية عملية لمحاربة المخططات الإسرائيلية تلك، ومن الملاحظ أيضا أن الساحة المقدسية خالية وفارغة من أي مخطط من شأنه التصدي للمخططات الإسرائيلية لتصبح القدس لقمة سائغة للإسرائيليين والأنكى من ذلك تطل علينا الاطروحات السياسية الاستسلامية التي تدعو لقبول الحلول الوسطية بشأن القدس تحت شعار (إنجاز ما يمكن إنجازه) وغني عن القول أن هذه الأطروحة تعني فيما تعني تمرير الحلول الوسطية والتي تلتف وتقفز بشكل أو بآخر على الثوابت الوطنية الواضحة والصريحة بشأن القدس.