الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

تأجيل المجلس الوطني و إحتجاجات غزة و عنجهية الإحتلال في القدس

نشر بتاريخ: 17/09/2015 ( آخر تحديث: 17/09/2015 الساعة: 11:20 )

الكاتب: مصطفى ابراهيم

شعر كثير من الفلسطينيين بالفرح و الأمل بعد تأجيل إنعقاد جلسة المجلس الوطني لثلاثة أشهر، التأجيل فرصة و يتطلب جهداً مضاعفاً، ونوايا صادقة وإرادة حقيقية وتشكيل رأي عام كي يضمنوا إنعقاد المجلس على أسس جديدة من الشراكة وعدم الإستئثار و تعيد الإعتبار للقضية الفلسطينية، وبناء النظام السياسي الفلسطيني الجديد.

الفلسطينيون يدفعون ثمن الإنقسام، و الإحتلال يسيطر على مواردهم و نجح في حشرهم في الزاوية ويعمق أزماتهم و ممارساته وسياساته، و إلتزام السلطة بتعهداتها السياسية و الإقتصادية والأمنية مع إسرائيل التي وقعتها منذ عشرين عاماً، ولم تلغى أو يطرأ عليها أي تعديل أو تغيير لصالح الفلسطينيين، و إسرائيل تحافظ على علاقتها بالسلطة التي تمنع الفلسطينيين حتى من التعبير عن غضبهم و إحتجاجهم ضد الإحتلال المتمسك بالسلطة لما تشكله من أهمية كبيرة له خاصة من الناحية الأمنية.

هذا الحال أوجد أوضاعاً إقتصادية و إجتماعية بائسة زادت من معاناة الفلسطينيين بتخلي إسرائيل عن مسؤولياتها ومنحت للسلطة المشكلات والمسؤولية عن حلها، وهي غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها وتوفير مستوى معيشي لائق للمواطنين، و هي غير قادرة على التحلل من تلك الاتفاقات بعد نشوء شبكة مصالح من بعض المتنفذين فيها المستمرين في الدفاع عن مصالحهم.

وفي الوقت الذي تتعمق أزمات الفلسطينيين وما يعانونه من إحتلال وسيطرته على السيادة وتحكمه في كل مقاليد حياة الفلسطينيين، من دون أن يدفع الإحتلال ثمن إحتلاله، ومنع قيام إقتصاد فلسطيني مستقل و منفصل عن الإقتصاد الإسرائيلي، وما نشأ عنه من زيادة نسب البطالة والفقر وغياب سوق العمل، الذي لم تستطع السلطة توفيره في الضفة أو قطاع غزة، ويعاني تدهوراً خطيراً في الأوضاع الاقتصادية و الإنسانية، ولم تنجح السلطة في توفير فرص عمل للشباب الخريجين الذين ينضموا لصفوف العاطلين عن العمل بالآلاف.

وفي ظل هذا الواقع نشأت في الأراضي المحتلة سلطتين مشوهتين منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة بالقوة المسلحة في العام 2007، وربطت بينهما علاقات عدائية مشوهة ومعقدة وتعمل كل واحدة منهما على تعزيز الإنفصال. الأولى هي السلطة الفلسطينية التي تديرها حركة فتح في الضفة الغربية وتستأثر بها وبمنظمة التحرير، وتدعي أنها تمتلك الشرعية وتدافع عن نفسها بالحق التاريخي والشرعية الدولية والعربية، وربما إسرائيل المتمسكة بالسلطة وشرعيتها، و برغم من كل ما تقوم به من إسرائيل من إنتهاكات وجرائم و إستيطان، وفشل ما يسمى عملية السلام لا تزال قيادة السلطة متمسكة فيها من خلال قناعاتها ورؤيتها السياسية.

و الثانية هي سلطة حركة حماس التي تدعي أنها تمتلك الشرعية، وما تسميه شرعية الصندوق الذي فازت من خلاله بانتخابات العام 2006، وتتمسك بها وتعززها برغم من ما لحق بها وبقطاع غزة من عقوبات جماعية، وفرضت إسرائيل و المجتمع الدولي حصار عليها من خلال اللجنة الرباعية الدولية، وفرض شروطاً كي تعترف بإسرائيل وهو المدخل لحصولها على الشرعية الدولية والعربية أيضاً، و برغم رفضها إلا أن محاولتها المستميتة مستمرة للحصول على الشرعية لتثبيت حكمها ووجودها كحركة سياسية، ومكون أساسي من مكونات النظام السياسي الفلسطيني وربما الإستثار به والسيطرة عليه، ولا تزال تحاول.

السلطة تعتمد في إستمرار وجودها الهش من خلال التمويل الدولي و إعتمادها على المنح المالية لدعم السلطة وموظفيها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من دول أوروبا ودول الخليج النفطية، كما تعتمد في دخلها من الإيرادات الداخلية وجباية الضرائب من المواطنين، كما هو الحال لدى حركة حماس التي تعتمد كلياً على إدارة حكمها ومصروفات موظفيها من جباية الضرائب.
غزة تعيش حصار قاسي وإغلاق المعابر ومنع حرية التنقل والسفر، وتعرضت لدورات عدوان متتالية وثلاث حروب مدمرة لا تزال تعاني منها، وعدم قدرة حركة حماس على توفير الحد الأدنى من مقتضيات الحياة الكريمة و تقليص خدمات الكهرباء بشكل كبير جداً، وبيوت لا تزال مدمرة ومشردين في بيوت من خيش وصفيح، ولا أمل قريب بإعادة الإعمار، وبطالة وفقر، و أزماتها متفاقمة ومتفجرة.

و تشهد منذ أيام احتجاجات شبابية ليلية على تفاقم أزمة الكهرباء، وهي حق طبيعي ومكفولة بالقانون، و للحفاظ على آدمية وكرامة الناس المهدورة، وهي في الحقيقة إحتجاج على الحال البائس من قبل شباب فقدوا الأمل، و لم يعرفوا من الدنيا سوى الانقسام والضياع والمستقبل الغامض، وغياب فرص العمل، و كثيرين منهم من دون هوية أو وعي بالمخاطر التي تحيق بالمشروع الوطني.
منهم من يعاني الفقر والبطالة والجلوس خلف حيطان الفيسبوك والهروب للحبوب المخدرة والضياع والانتظار، و فقدوا قدرتهم على الصبر و الانتظار و قدرتهم على الاحتمال أصبحت ضعيفة وهشة جراء ما يعانون من ضيق العيش. هؤلاء بحاجة إلى وعد بالأمل وعدم الاحتقار وتفهم معاناتهم واحتياجاتهم، وعدم توجيه الاتهامات لهم بالخيانة وعدم الإحساس بالمسؤولية.

تزامنت إحتجاجات غزة مع الهجمة الإحتلالية ضد القدس التي تهود و تسلب هويتها بصمت وصخب وعنجهية، وقوات الإحتلال تمارس أبشع الإنتهاكات بحق المسجد الأقصى، وفرضت التقسيم الزماني والمكاني و تنتهك حقوق الناس، والقدس تصرخ وحيدة ومن يدافع عنها أهلها، والتضامن الشعبي وإسناد مقاومة المقدسيين لم تصل الحد الأدنى، وكل ما يصدر عن القيادة والفصائل مسيرات حزبية وتصريحات وعيد وتهديد.
والضفة فيها ما فيها من إعتقالات يومية وحواجز ونهب الأراضي ومستوطنات و إرهاب مستوطنيها، والأوضاع الداخلية ليست على ما يرام، بالإضافة لانتهاكات حقوق الإنسان وتقييد الحريات العامة، وشهدت قبل سنتين إحتجاجات على إرتفاع الأسعار و الأوضاع فيها أيضا متفجرة.

الفلسطينيون في الداخل يعانون التمييز والعنصرية ويدافعون عن أنفسهم من دون أي إهتمام من المنظمة والقيادة، وأوضاع الفلسطينيين اللاجئين في المخيمات والمهجرين والمشردين مأساوية، ولم يجدوا القيادة و الإطار الجامع الذي يدافع عنهم وحقوقهم، و لم يعد يعبر عن أوجاعهم ومعاناتهم وفقد شرعية تمثيلهم، و بعد تسع سنوات لم تتبقى شرعيات لأحد. هناك فرصة للفلسطينيين بالعمل بشكل جدي والتحضير لإنعقاد المجلس الوطني وحدوي ويعبر عن الكل الفلسطيني ويعيد الإعتبار للمشروع الوطني، وتجديد الشرعيات والتخلص من الفئوية والمصالح الحزبية و هذا الوضع الكارثي، و إستنهاض جميع الطاقات لمواجهة التحديات وإعادة الأمل.