الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

ثورة الكهرباء محطة على طريق الانفجار الكبير

نشر بتاريخ: 18/09/2015 ( آخر تحديث: 18/09/2015 الساعة: 09:55 )

الكاتب: د. وليد القططي

عندما سُؤل أحد الرؤساء العرب الذين أصابت بلاده لعنة الربيع العربي عن إمكانية أن تمتد ثورات (الربيع العربي) إلى بلاده أجاب مستبعداً ذلك إن بلاده تحميها المقاومة ، وكأن المقاومة صك غفران يُعفي النظام من استحقاقات الديمقراطية وحقوق الإنسان ، ويعطيه الحق في ممارسة الاستبداد والفساد ، ويحظر على الشعب المطالبة بحقوقه الحياتية والمدنية والسياسية . أو كأنما قيل له افعل ما شئت بشعبك فقد غفر الله لك بما كنت ظهيراً للمقاومة ونصيراً للممانعة ، وبما قدمت من حب لفلسطين وأسلفت من التغني بأمجاد الأمة العربية .

وهذا النمط من التفكير هو الذي يهيمن على البعض في بلادنا ، فيعتقد بعصمةِ ما للثوريين و المقاومين تنأى بهم أن يكونوا عُرضةً للنقد ومحلاً للنقص أو الخطأ ، أو يعتقد بأن المقاومة صك غفران يحمله الثوار و المقاومون فيعملوا ما شاءوا دون أن يجرأ أحدٌ على محاسبتهم أو مراقبتهم ، أو يعتقد بأن المقاومة بقرة مقدّسة لا يجوز المساس بها فضلاً عن محاولة تصحيح مسارها أو مراجعة خطأها ، ولا نستغرب بعد ذلك أن نجد من يحرّم على الناس مشاركة القادة في الرأي وتقديم المشورة لهم ومساعدتهم على اتخاذ القرار ويجعله حقاً حصرياً لهم .

ولذلك نجد من يستنكر خروج الجماهير الغاضبة في مظاهرات عفوية محتجة على تفاقم أزمة الكهرباء في قطاع غزة ، ويصف هذه المظاهرات بأنها عمالة للاحتلال ومؤامرة على المقاومة ، ثم يربط بينها وبين اقتحامات الصهاينة للمسجد الأقصى بطريقةٍ لا تخلو من الخبث الممزوج بقدرٍ كبير من الغباء و المخلوط بكميةٍ لا بأس بها من العبط , في إشارة مقصودة إلى ارتباط المتظاهرين بأجندة العدو الصهيوني . ولا يبتعد عن ذلك كثيراً محاولة البعض الآخر إلقاء المسئولية بالكامل على سلطة رام الله برئاستها و حكومتها وتصوير المظاهرات و كأنها ضد عباس والحمد الله فقط , ويتجاهل شعارها المركزي " ياعباس وياهنية وين الكهربا ياحرامية " الذي يحمل المسئولية للطرفين .

وإذا أردنا توزيع المسئولية عن أزمة الكهرباء المتواصلة ومعها كل أزمات قطاع غزة المزمنة فلا بد من تحميل الكيان الصهيوني المسئولية الأولى الذي لا يزال يحتل فلسطين بالكامل بما فيها الضفة و القطاع مع اختلاف في تفاصيل الاحتلال الذي جاءت اتفاقية وسلطة أوسلو لتجعله احتلالاً نظيفاً له مغانم الاحتلال دون مغارمه. و السلطة الفلسطينية التي رضيت على نفسها أن تحل مكان الإدارة المدنية في إدارة شؤون السكان تحت الاحتلال تتحمل نصيب لا بأس به من المسئولية . كما أن الطرف الذي لازال يسيطر على غزة عمليا يتحمل قسطا من المسئولية التي لن يعفيه منها كثرة الضجيج الإعلامي المناكف الذي يُلقي بالكرة في ملعب حكومة التوافق الوهمية إضافة إلى الأطراف الأخرى المشاركة في حفلة الرقص على جراح غزة .

وبعيداً عن توزيع الاتهامات وتحميل المسئوليات لا بد من حل أزمات غزة المتفاقمة....فالجماهير المتظاهرة الغاضبة لم تخرج عن صمتها و تحطًم جدار خوفها إلا بعد أن طفح الكيل بها وزاد الحمل عليها ، وبلغ السخط منها مبلغه ، وضاقت عليهم غزة بما حملت من هموم تنوء بها الجبال ، وبلغت قلوب الناس الخناجر ، وزلزلوا زلزالاً شديداً....بعد سنوات عجاف ذاقوا فيها ويلات الاحتلال وحروبه المتكررة ، وقسوة الحصار ونتائجه الكارثية ، وبؤس الانقسام وآثاره المدمرة ، وانقطاع الكهرباء المتواصل كمحصلة للاحتلال والحصار والانقسام .

والخطورة ليست في مثل هذه المظاهرات التي لا تزال محدودة في حجمها وانتشارها ولكن الخطورة في أن مثل هذه المظاهرات قد تكون محطة على طريق الانفجار الكبير إذا ما استمرت أزمات القطاع دون حل ابتداءً بالأزمة السياسية و انتهاءً بالأزمة الاقتصادية مروراً بأزمة الكهرباء ، واستمرار هذه الأزمات دون حل سيراكم السخط والتذمر والغضب لدى الجماهير، وستأتي لحظة ينفجر فيها مخزون السخط والتذمر و الغضب في وجه الجميع ، ولا يخدعنّ أحدَ نفسه كما خدع الرئيس العربي المذكور نفسه عندما اعتقد أن المقاومة ستحميه ، ولا يوهم أحدَ نفسه بأن الانفجار القادم سيكون باتجاه (إسرائيل) فقط فقد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن .