نشر بتاريخ: 22/09/2015 ( آخر تحديث: 22/09/2015 الساعة: 10:57 )
الكاتب: خالد معالي
التحرك الجماهيري الغاضب الذي حصل من قبل أهالي الضفة الغربية، يوم الجمعة الماضي نصرة للمسجد الأقصى؛ والذي امتد تقريبا لمختلف مناطقها؛ هو حالة طبيعية وجدلية وضمن النسق العام؛ فما دام يوجد احتلال؛ يوجد ولا بد من مقاومة ضده؛ تصعد وتخبو بحسب كل مرحلة وتقديرات قياداتها.
ما يؤسف له حقا؛ أن تحرف البوصلة عن وجهتها الصحيحة؛ عبر ما حصل من احتكاك بين متظاهرين خرجوا نصرة للقدس؛ وبين عناصر أمنية؛ وهذا يعتبر في غير سياقه الطبيعي ونسقه العام؛ ويعود ذلك لاتفاقيات كبلت الحالة الفلسطينية؛ ولاختلاف الرؤى حول طبيعة المقاومة المجدية لكل مرحلة؛ وحالة جدلية ومتناقضات لا تتوقف؛ حول ضرورة وجود رؤية فلسطينية موحدة وواضحة للصراع مع الاحتلال؛ الذي ينتهك ويستبيح كل شيء يخص الفلسطينيين؛ من مقدسات دينية؛ كما يجري في المسجد الأقصى، ومن طرد وتهجير، ومصادرة للأرض وتوسع استيطاني، وغيره الكثير.
خروج عشرات الشبان الفلسطينيين في مسيرة في بيت لحم؛ هو إحدى صور الرفض الطبيعي لنتائج أسوأ ما تمخضت عنه اتفاقية "أوسلو" خاصة فيما يتعلق بالشق الأمني؛ الذي انتزع نزعا في حالة ضعف فلسطينية ما كان يجب لها أن تحصل لو كان الوضع الفلسطيني غير ذلك وقتها وكان قويا؛ حيث تلتزم السلطة – كونها الطرف الأضعف في المعادلة- بكل حرف في الاتفاقية على سوئها؛ بينما الاحتلال لا يلتزم بشي تحت ضغط عامل القوة الغاشمة والمسيطرة والمهيمنة؛ ويقتحم وينتهك الاتفاقيات في مناطق "ألف" التابعة للسلطة الفلسطينية وقتما شاء دون حسيب أو رقيب؛ وهو ما يفقد الأمل للجيل الناشئ، وبدولة مستقلة.
لو ودققنا وأمعنا النظر في المرحلة الحالية والوضع المعاش في الضفة الغربية؛ نجد أن الجيل الناشئ – لعوامل عدة - من الفتية والشباب في غالبيته؛ هو الأكثر تفاعلا؛ وهو من يتحرك في الأحداث ويخرج في المسيرات الشعبية؛ ويتفاعل سريعا مع قضية المسجد الأقصى وأي قضية أخرى تتعلق بالصراع مع دولة الاحتلال ومقاومتها بكل الطرق التي تقرها مختلف القوانين والشرائع الدولية ويجرمها "نتنياهو" فقط.
برغم موجة الغضب الحالية المرتفعة نسبيا على ما وصلت إليه الحالة الفلسطينية؛ وتحديدا في ما يتعلق بحرق عائلة دوابشه وهم أحياء، وبتدنيس ومحاولات تقسيم المسجد الأقصى والاستيطان؛ ورغبة قوى فلسطينية بوصولها لحالة الانفجار؛ إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة ولا بالرغبات والأمنيات من أصله؛ فقرار حركة فتح ما زال هو... هو...، ولم يتغير، فلا تريد حركة فتح الممسكة بزمام الأمور في الضفة؛ غير المقاومة السلمية الشعبية المتعارف عليها لاعتبارات عدة لديها ترى أنها الأنسب والأصح.
يرى قادة حركة فتح ويقدرون؛ بان المرحلة الحالية من خلل وفارق كبير في موازين القوى لا تسمح بمواجهة مسلحة وعنيفة مع الاحتلال، ولا مكان للتضحيات المجانية بدون هدف يتحقق ونتيجة تذكر بحسب تقيمهم وتحليلهم بناء على نتائج انتفاضة الأقصى؛ كما تقول فتح لقاعدتها الجماهيرية؛ وان اختيار التوقيت هام وحساس لأية مواجهة مستقبلية؛ وما زال الوقت مبكرا لخوض مواجهة أو انتفاضة ثالثة.
من الطبيعي جدا؛ وأمر عادي بين فترة وأخرى أن تحصل موجات غضب – الاحتلال لا يريد أن تصل الأوضاع لحالة انتفاضة ثالثة - وستبقى تتلاحق ما دام الاحتلال موجودا الذي هو أصل الداء؛ وهو ما حصل مع كل الشعوب التي احتلت أراضيها؛ وستصاحبها عمليات فردية وفعاليات جماهيرية ضد الاحتلال تتم بطريقة عفوية أو دعوات محدودة، لكن تبقى الترجيحات بأنها لن تصل لحالة صدام عنيف أو انتفاضة ثالثة في أكثر التقديرات والتحليلات؛ والسبب غياب وعدم وجود قرار لفتح بخصوص ذلك.
العمل غير المنظم وغير المدروس سرعان ما يتوقف؛ ولا يؤتي أكله؛ ولا يعطي ثمارا طيبة؛ ما لم يكن قرارا مخططا ومدروسا بدقة متناهية؛ وقرارا جماعيا توافقيا من مختلف القوى خاصة فتح وحماس؛ ولنا درسا معبرا وشافيا من وحدة فتح وحماس خلال الانتفاضة الأولى والثانية؛ وكيف أوجعتا الاحتلال وقتها عندما توحدتا؛ وكيف فرح الاحتلال عندما انقسما واخذ نفسا عميقا وراح يدق الأسافين بينهما بين فترة وأخرى كي لا يتصالحا؛ لإدراكه أن مصالحة حقيقية بين فتح وحماس تعني تقصير عمر الاحتلال واستيطان ثمنه مرتفع لا يقدر "نتنياهو" على دفع فاتورته المرتفعة جدا وقتا.
ما حدث ويحدث في القدس واستمرار الاستيطان أمر خطير يستدعي الحراك؛ ولكن الحراك الجماهيري سرعان ما يتوقف بعد فترة قصيرة، لأن خيار حركة فتح والسلطة ما زال عند رفض المواجهة الشاملة والوصول لمرحلة(كسر عظم) مع الاحتلال، ورفض المقاومة المسلحة العنيفة ضد للاحتلال.
من طبيعية الأمور والأشياء؛ أن تكون أصل العلاقة مع المحتل هي المقاومة؛ وأصل العلاقة بين القوى الفلسطينية نفسها؛ أن تكون أن الوطن يسعُ الجميع، وبناؤه وتحريره يحتاج جهود وطاقات الجميع دون هدرها أو الاستفراد وإلغاء الآخر؛ أو تصيد أخطاء هنا وهناك؛ ولكن هو ما يحصل حاليا مع الآسف الشديد، وهو ما يشكل عامل كابح وبقوة لأي أداء وفعل فلسطيني صحيح.
ما يكفل توسع مواجهة ومقاومة الاحتلال أو استمرار وديمومة الأحداث؛ هو وفاق واتفاق وطني على برنامج وطني مقاوم موحد؛ ولكن كيف لهذا أن يحصل في ظل رؤية أخرى وبرنامج آخر لحركة فتح التي ما زالت ترى أن "اوسلو" هو الأنسب برغم 22 عاما عليه دون نتيجة أو انجاز (عليه العين ) ودون دولة؛ حيث كان الأصل أن تقام الدولة خلال خمس سنوات من "أوسلو"؛ وعدم مشاركة فتح في المواجهة يعني ضعف فرص نجاحها لغياب ثقلها وجماهيرها عن الساحة؟!
الاحتقان والغضب الجماهيري في الضفة الغربية على الاحتلال؛ استثماره بالشكل الصحيح يكون بحاجة لتوجيه كل الطاقات فقط نحو الاحتلال ...والاحتلال فقط؛ وعدم حرف البوصلة؛ وغير ذلك لا يصح أبدا؛ كونه يستنزف الطاقات الخلاقة؛ ويفرح الاحتلال ويريحه من خسائر كبيرة جدا في حال حرفت البوصلة بجهل جاهل أو حقد حاقد.
في المحصلة السير بالسفينة نحو بر الأمان؛ يكون بإخلاص القيادة وذكائها وبقرار منها؛ وما يكتبه الكتاب والمفكرون هو رديف للقرار الصائب الذي هو في مصلحة الشعب؛ والزمن يجري سريعا ولا يتوقف برهة ليلتفت لمن عقبوا بالخلف؛ فهل استثمرنا الفرصة الذهبية التي توفرها الحالة الراهنة للتخلص من أثقال "اوسلو" إلى غير رجعة، وأن يكون ذلك بقرار قيادي فلسطيني يسجله التاريخ بمداد من ذهب؛ نأمل ذلك؛ لننتظر ونرى.