نشر بتاريخ: 28/09/2015 ( آخر تحديث: 28/09/2015 الساعة: 15:08 )
الكاتب: د. وليد القططي
في لقاء صحفي مع جريدة القدس العربي اللندنية مؤخراً قال السيد الرئيس محمود عباس أنه سُيلقي قنبلة في خطابه القادم أمام الأمم المتحدة ، ورفض الكشف عن ماهية هذه القنبلة ، تاركاً الباب مفتوحاً أمام مختلف التوّقعات و التكهنات عن فحوى هذه القنبلة ، التي بكل تأكيد لن تكون قنبلة حقيقية يفتتح بها مرحلة الكفاح المسلح من جديد ، فسيادة الرئيس لا يؤمن بالكفاح المسلح أسلوباً للتحرير ، و يتباهى بأنه لم يُطلق رصاصة واحدة في حياته قط ، رغم أنه يقف على رأس حركة مارست الكفاح المسلح لعشرات السنين ، كما أنه ما انفك يُعلن ليلاً ونهاراً سراً و علانية أنه ضد الانتفاضة المسلحة و العمليات العسكرية ، وفوق كل ذلك فهو صاحب مقولة الصواريخ العبثية ومن كبار منظري المقاومة الشعبية السلمية وطرق أبواب المحافل الدولية.
فلم يعد أمامنا إلّا أن نتوّقع أن قنبلة السيد الرئيس ستكون قنبلة صوتية سينتهي مفعولها بمجرد سماعها ، وانتهاء صدى الصوت الذي ستحدثه ، وفتور ردّات الفعل التي قد تسببها ، طالما أن الوضع على الأرض الفلسطينية لن يتغيّر فعلياً . و على ذمة صحيفة (هآرتس) الصهيونية نقلاً عن مصادر أوروبية مطّلعة تدرك النوايا المخفية طمأنت الكيان الصهيوني ، إضافة إلى مصادر فلسطينية مسئولة ومحظوظة لقربها من الرئيس ، فإنّ هذه القنبلة الصوتية لن تكون إلغاء اتفاقية أوسلو أو حل السلطة الفلسطينية المحكوم عليهما بالسجن المؤبد ، ولن تكون وقف التنسيق الأمني (المقدّس) ، بل ستكون إعلان فلسطين دولة تحت الاحتلال الإسرائيلي استناداً إلى قرار الأمم المتحدة الذي منح فلسطين صفة دولة مراقبة عام 2012 ، وقد تكون كل هذه التوقعات غير صحيحة ولا نعرف الحقيقة حتى يكشف السرَ صاحبُهُ لأن الأمور المتعلّقة بالأمن القومي والمصلحة الوطنية العليا لا يعرفها في بلادنا العربية إلا الرئيس وتُحجب حتى عن نائبه.
وهذه القنبلة الصوتية –إذا صدقت التوقعات- ليست إلّا استمراراً لنهج السيد محمود عباس الذي يبحث عن كل البدائل والخيارات ماعدا خيار المقاومة ، وهذا النهج الذي يستبعد المقاومة بشموليتها وأشكالها المتعددة من الفكر السياسي و الممارسة النضالية يناقض مبادئ حركة فتح التي عندما أقرّت أسلوب المفاوضات مع العدو كان شعارها (الكفاح المسلح يزرع و المفاوضات تحصد) أي أن المفاوضات رديفاً للمقاومة و ليست بديلاً عنها ، وهذا يتفق مع المنطق السليم وإلّا ما الذي يجعل العدو يتنازل عما يملكه إذا لم يكن عليه ضغطاً من المقاومة ؟!
وهذا النهج الذي يعتمد على المفاوضات و المحافل الدولية دون ضغط المقاومة يناقض أيضاً قوانين الثورات و تجاربها ، و يخالف منطق الواقع وحقائقه التي تؤكد جميعها أن المقاومة هي الأصل في سلوك الشعوب المضطهد ة ضد الطغاة لنيل حريتها ، وهي الأساس الذي تقوم عليه استراتيجيات حركات التحرر الوطنية للتخلّص من الاستعمار ، وهو جوهر الثورات الشعبية لطرد المحتلين الأجانب من بلادها . أما البدائل الأخرى فكانت على الدوام هي الاستثناء ، التي إذا ما اسُتخدمت تكون رديفاً للمقاومة التي تشّكل أهم عوامل الضغط على العدو المحتل ، وربما تكون عامل الضغط الوحيد ، وما المفاوضات مع العدو ، و العمل الدبلوماسي و السياسي إلّا عوامل مساعدة لتحقيق الأهداف الوطنية في التحرر والاستقلال.
ووفق هذا المنطق السليم الذي يرد الأمور إلى نصابها الطبيعي ، فالمقاومة هي الأصل وغيرها هو البديل ، وعندما يفشل البديل لا بد من العودة إلى الأصل ، أما المنهج المقلوب الذي يعتبر البديل هو الأصل الذي لا يمكن تركه ، ويتم اتخاذ طرق التفافية تؤدي جميعها إلى نفس النهج الذي يستبعد المقاومة ، فهو تكريس للفشل ومضيعة للوقت وتبديد للجهد.
وأخيراً فالمقاومة هي التي تجعل الاحتلال باهظ الثمن بما توقعه من خسائر بشرية ومادية به ، وتجعل الاستيطان مشروعاً فاشلاً بارتفاع تكلفته الأمنية والاقتصادية ، وتضع الكيان الصهيوني في مأزق أمني ووجودي ، وتقوّض الأساس الذي يقوم عليه المشروع الصهيوني القائم على تحقيق الأمن لليهود في (أرض الميعاد) . إلا أن المقاومة يجب أن توضع في إطار استراتيجية وطنية شاملة ترتكز على مشروع وطني موّحد تكون المقاومة بشموليتها محوره و التحرير هدفه ، وبدون ذلك لن نخرج من الدائرة المفرغة التي نعيش داخلها.