نشر بتاريخ: 07/10/2015 ( آخر تحديث: 07/10/2015 الساعة: 11:26 )
الكاتب: الدكتور المحامي معتز قفيشة
إسرائيل تحاول بشتى الطرق أن تدفعنا، نحن الفلسطينيين، نحو انتفاضة ثالثة مسلحة في الضفة الغربية. فهي تحتقر القيادة الفلسطينية وترفض التفاوض معها وتبني المزيد من المستوطنات. تطلق العصابات الإرهابية الاستيطانية للقتل والحرق والعربدة والتخريب كل يوم. تستبيح المسجد الأقصى وترفض دخولنا للصلاة فيه. يقتل جنودها أطفالا وفتيات بدم بارد كل عدة أيام. تهدم البيوت داخل مناطق السلطة والقدس. تجتاح المدن والقرى والمخيمات.
بالنسبة لي هدف إسرائيل واضح. هي تريد اندلاع انتفاضة مسلحة ضدها لكي تكمل مشروعها الصهيوني القديم بطرد الفلسطينيين من الضفة، بالقتل أو بالنفي أو بكليهما. إذا انجررنا عاطفيا بردة فعل عنيفة، فإننا سنقدم هدية يحتاجها نتانياهو والحركة الصهيونية. لا وقت أنسب لإسرائيل من هذا الزمن لتهجيرنا بمئات الآلاف ولتقتلنا بعشرات الآلاف. هي فقط تحتاج المبرر لذلك: عملية كبيرة ينفذها فلسطينيون أو عدة عمليات يكفيها لبدء التطهير العرقي. الوقت مناسب لأن العالم مشغول بقضايا أخرى: الحرب ضد داعش، الحرب في اليمن، الوضع في ليبيا، مواجهة الإرهاب في مصر، والمواجهة بين روسيا والغرب. يجب أن لا نتكل على ما ستكون عليه ردة فعل العالم على ما ستقوم به إسرائيل ضدنا. فالعالم لم يتحرك بعد قتل أكثر من ثلاثمائة ألف سوري وتهجير نصف الشعب السوري خلال السنوات الأربع الماضية. العالم لم يتحرك عندما دمرت إسرائيل قطاع غزة العام الفائت. في عام 1948 طردت إسرائيل ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني، وفي العام 1967 طردت نصف سكان الضفة الغربية وقطاع غزة. ماذا فعل العالم؟ لا شيء.
فما الذي سيمنع إسرائيل الآن من طرد نصف أو حتى كل سكان الضفة الغربية ذي الثلاثة ملايين؟ الزمان ملائم لإسرائيل، وأماكن الطرد متوفرة: غزة، لبنان، سوريا. سيكون طرد الفلسطينيين وإبادتهم، لا قدر الله، مثل بقية أخبار التهجير والقتل التي اعتاد العالم على سماعها في الأخبار كل يوم. فحذار حذار من اندلاع انتفاضة ثالثة أو مواجهة عسكرية الآن. إذا أردنا انتفاضة ثالثة، فلنؤجلها إلى وقت آخر نكون فيه جاهزين.
لكن لا يجوز أن نستسلم. المقاومة غير المسلحة قد تكون بديلا لرفضنا لسياسات إسرائيل ولاستمرار الأمر الواقع المهين: الرباط في الأقصى، المظاهرات، العمل الدبلوماسي، استعادة الوحدة الفلسطينية، مقاطعة البضائع الإسرائيلية، إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، استخدام الوسائل القانونية المتاحة مثل محكمة الجنايات الدولية، وربما وقف أو تخفيض التنسيق الأمني. صحيح أن مثل هذه الإجراءات لن تنهي الاحتلال ولن توقف سياساته، لكنها أفضل من السكوت الذي سيقهرنا نفسيا وأفضل من المقاومة المسلحة التي ستدمرنا ماديا.
الوضع الآن سيء، لكن بعد حرب شاملة سيكون أسوأ. الوضع عام 1947 كان سيئا في ظل زيادة الهجرة اليهودية إلى فلسطين والسياسات البريطانية المجحفة. لكنه عام 1949 أصبح أسوأ بعد أن طرد معظم الشعب الفلسطيني وهزمت الجيوش العربية. الهزيمة العربية قبل 1967 كانت مؤلمة بعد أن ضاع 80% من فلسطين، لكنها عام 1968 صارت أشد ألما بعد أن ضاع 100% من فلسطين ومعه أضعاف فلسطين من الأراضي المصرية والسورية. حالنا عام 1999 كان صعبا مع الاستيطان والتعنت الإسرائيلي في التفاوض ورفض إقامة الدولة الفلسطينية، لكنه بعد اندلاع الانتفاضة الثانية أصبح أصعب بعد أن تضاعف الاستيطان وقتل منا أكثر من 5000 شهيد وأسر منا أكثر من 10000 واكتمل بناء الجدار ولم نحرز أي تقدم في التفاوض. علينا أن نعتبر من الماضي وأن لا نساعد الحركة الصهيونية على تحقيق أهدافها بطرد كل أو غالبية الفلسطينيين وتحويل فلسطين التاريخية كلها إلى دولة يهودية مع أقلية عربية بسيطة. أكبر خطر على إسرائيل هو السلام والمقاومة الشعبية، وأفضل ما يفرحها هو استخدام الرصاص والقنابل. أتمنى أن أكون مخطئا.