نشر بتاريخ: 08/10/2015 ( آخر تحديث: 08/10/2015 الساعة: 15:49 )
الكاتب: وفاء عبد الرحمن
لا زال أغلب المحليين/ الكُتَاب – وانا منهم- يرون أن هبة الدفاع عن الأرض والمقدسات ليست مرشحة للتصعيد أكثر لتتحول لانتفاضة كأخواتها السابقتين، هذا رغم اتساع رقعتها أفقياً، وازدياد أعداد المشاركين/ات في المواجهات المباشرة مع الاحتلال وبدعوة التنظيمات الأساسية والهامشية في منظمة التحرير.
قد يبدو هذا التحليل منقوصاً أو قاصراً عن تفسير التصعيد لأننا اعتدنا أن الشعب الفلسطيني يفاجئ قيادته قبل العالم، ويقلب المعادلات- متى ما أراد أو وصل مرحلة عدم انتظار "غودو" او "صلاح الدين"-!
هل أخطأت القراءة؟ أم التعبير؟ أم أن نموذج القياس خاطئ، والنموذج هنا هو انتفاضة ال87 الشعبية السلمية، وانتفاضة الأقصى التي تعسكرت بعد أقل من عام من انطلاقها.
فإن كانت "هبة الدفاع عن الوجود" الحالية، ليست انتفاضة، فماذا ينقصها؟ وهل من يصعدون للسماء شهداء ومن يسقطون جرحى أخطأوا التقدير وأضاعوا حياتهم عبثاً؟ وهل الشباب والشابات المشتبكين مع الاحتلال وقطعان مستوطنيه مخطئون ويجب أن يعودوا لبيوتهم لأن حياتهم أغلى من بذلها في سبيل تحرير الوطن؟ هل التنبوء بأن هذه الهبة ليست انتفاضة ولن تستمر هو دعوة للاستسلام والانهزام؟ هل هي دعوة لوقف المقاومة؟
أولاً: أدعي جازمة أن لا محلل فلسطيني، ولا مواطن يمكن أن يشكك في أن الشهداء والجرحى أفضل منا جميعاً، وأنهم تيجان على رؤؤسنا جميعاً، وسيبقون أبطالاً تحملهم فلسطين في قلبها وتسجل أسماءهم بحبر ذهب.
ثانياً: الشباب الذين يهبون للدفاع عنا جميعاً، هم حاضر ومستقبل هذا الوطن، الذي لن يتحرر بالقلم وحده- فلا شعوب في الدنيا تحررت بدون مقاومة بما فيها المسلحة-.
ثالثاً: من يروج ان لا تضحيات ودفع ثمن في طريق التحرير- واهم بل ومتخاذل- هناك دائماً تضحيات، ولا حرية بدون ثمن (الحرية الفردية على مستوى دولة مستقلة لها ثمن، فما بالنا بوطن تحت الاحتلال)، إذن هناك تضحيات وأثمان فردية وجماعية سندفعها ان أردنا الحرية.
رابعاً: تحليل عوامل "مقتل" هذه الهبة الذي هو قراءة للمشهد السياسي المحلي أولاً، وواقع القيادة الفلسطينية ثانياً ونقدها، ليس دعوة للركون والقبول بهذا الواقع بل هي دعوة لتغييره وفرض واقع جديد وقواعد لعبة جديدة تحمي منجزات النضال الفلسطيني على مدى عقود، وتستثمر التضحيات من اجل الحرية وحق تقرير المصير.
خامساً: ليس مطلوب من الشباب الذي يشتبك على الحواجز ان يقدم الاجابات حول كيفية تحويل هذه المجابهة لمجابهة شعبية شاملة، وتدفيع الاحتلال ومستوطنيه الثمن، وليس مطلوب منهم فرض ارادتهم على القيادة السياسية لتتحرك من أجل انهاء انقسامها- المخزي- وتوحيد صفوفها والاتفاق على استراتيجية مجابهة شاملة، واشتباك مع الاحتلال بدء من وقف التنسيق الأمني، وليس انتهاء بمتابعة مقاضاة اسرائيل دولياً، وترتيب الوضع على الأرض لتنظيم لجان الحماية الشعبية، ووضع التصورات والسيناريوهات المحتملة لاجتياج جديد لكل الضفة (حتى لو كان مستبعداً)، أو حل السلطة بدون أن يكون رد فعل غير محسوب، وبدون ترك فراغ قد تعبئه اسرائيل بروابط قرى، واعادة بناء منظمة التحرير ومؤسساتها لتبقى البيت الجامع والممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
هذا البند الخامس، هو مسؤولية المحللين، والمنظرين- وأبطال الفيسبوك- وأيضاً اهلنا في الشتات- بدل اللطميات والأمنيات- ولا اعفي نفسي من هذه المسؤولية.
حين نتحدث عن مقاومة ذكية، نقلل فيها خسائرنا مقابل تعظيم خسائر العدو- والخسائر ليست بشرية فقط، بل خسائر سياسية واقتصادية، لهذا تصبح قوة المقاطعة وسحب الاستثمارات تعادل قوة الاشتباك المباشر مع الاحتلال، فحين انتقدنا المقاومة في غزة لم نتخلى عنها، بل دعمناها، ليس لان حياة اهلنا في القطاع أقل قيمة، بل لأننا تعلمنا الدرس، أن المقاومة المسلحة دون رافعة سياسية – موحدة- تبني عليها، لن ترفع حصاراً ولن تحرر أرضاً.
هل يمكن أن يفعلها الفلسطيني ويقلب الطاولة؟ ليس طاولة المفاوضات فقط، بل طاولة صنع القرار الفلسطيني بدء من منظمة التحرير مروراً بفصائلها والفصائل خارجها وبالذات تلك التي تحكم غزة-، وانتهاء بأصغر لجنة شعبية في حي؟
إن حدث – ولا أستبعده- سأعترف أن "كذب المحللون ولو صدقوا".