الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

بي دي أس, انتفاضتنا الثالثة و الأخيرة!

نشر بتاريخ: 09/10/2015 ( آخر تحديث: 09/10/2015 الساعة: 09:50 )

الكاتب: حيدر عيد

كنشطاء في حملة مقاطعة اسرائيل و عدم الاستثمار فيها و فرض عقوبات عليها, نحن لا نعترف لا بمفاوضات تطبيعية تقوم على أساس أن هناك "طرفين" لهذا "الصراع", و لا بتهدئة ترتكز الى مرجعية أيديولوجية ضيقة لا تبدي أي نوع من الاحترام لأشكال المقاومة متعددة الأوجه, و بالذات الشعبية منها, و على رأسها المقاطعة. و لكننا في نفس الوقت لا ندعي أن المقاطعة هي الشكل الوحيد الذي يمكن اعتماده لمقارعة الاحتلال و الأبارتهيد و الاستعمار الاستيطاني و الإبادة الجماعية البطيئة. و لكننا نستطيع أن نفتخر أن المقاطعة أثبتت أنها أكثر أشكال المقاومة نجاعة في هذه اللحظة التاريخية, و في ظل الخلل الهائل في توازن القوى بين ما يدعى أنه رابع أقوى جيش في العالم يحظى بدعم غربي كامل و علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية و شعب أعزل كفلت له الشرعية الدولية حق المقاومة.

و لا شك أن النجاحات المتتالية لحملة المقاطعة العالمية ذات القيادة الفلسطينية قد أثارت الانتباه بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة , و بالذات بعد الحروب الإبادية على قطاع غزة, و قدرة اللجنة الوطنية للمقاطعة على استثمار هذه المجازر نحو العمل على عزل اسرائيل بشكل متنامى دق ناقوس الخطر في كل من اسرائيل و الولايات المتحدة. إن عدم قدرة اسرائيل على التغلب على حملة المقاطعة من خلال حملة دعائية باشراف وزارة الخارجية, ثم نقل ملف المقاطعة الى وزارة الشئون الاستراتيجية و تعيين وزيرا خاصا للمقاطعة تحت أمرة رئيس وزراء يرى في كل شخص غير يهودي عدوا لاسرائيل لهو دليل على أن اللحظات الحاسمة قد اقتربت. و هذا بالضبط ما حصل في نهايات الثمانينيات من القرن المنصرم عندما قام نظام الأبارتهيد الجنوب أفريقي بتجنيد كل قواه لمحاربة الحملة الدولية للمقاطعة بدون أي طائل. و العبرة في الخواتيم, فها هو نظام التفرقة العنصرية يقبع في مزابل التاريخ, و في احسن الحالات في متحف ما على أطراف مدينة جوهانسبرج.

و لكن حملة المقاطعة تلك كانت عنصر مقاومة شعبية ريادي مدعوما على الأرض بهبات جماهيرية متلاحقة جعلت المدن السوداء غير خاضعة لسيطرة الأجهزة الأمنية العنصرية و لا الأفريقية الموالية لها. كل ذلك كان نتاج تراكمات نضالية لم تستعجل القيادة الموحدة للحركة المناهضة لنظام الأبارتهيد استثمارها. كان هناك اذن رؤية استراتيجية تعتمد على أدوات نضالية فعالة تتكيف مع اللحظة التاريخية. و الدعم الأممي الذي استجاب لنداء المقاطعة الصادر عن المضطهَد الأفريقي عام 1959 الذي طالب بعزل النظام العنصري حتى يستجيب للشرعية الدولية من خلال إقامة انتخابات حرة لكل سكان جنوب أفريقيا و بالتالي تطبيق الديمقراطية غير الاقصائية بعيدا عن شعارات الاستقلال الشكلي الذي حاول من خلاله نظام الابارتهيد رشوة السود فلم تعترف دولة واحدة من دول العالم بالمعازل العرقية التي سمح نظام الأبارتهيد بإقامتها تحت مسمي "الأوطان المستقلة" التي كانت كل منها تمتلك علما و نشيدا وطنيا و حكومة و وزراء...الخ
و فقط عندما انضم المتضامنون الدوليون من خلال استجابتهم لنداء المقاطعة, و من خلال الضغوط الهائلة على الحكومات المتواطئة, و على رأسها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية التي أصرت على اتباع سياسة "التفاعل الإيجابي" مع حكومة الأبارتهيد حتى نهاية الثمانينيات, و عزل النظام العنصري, تمكنت المقاومة الجنوب أفريقية من تحقيق هدفها الاستراتيجي بعيدا عن سراب البرامج المرحلية و التسويفات التي كانت بالضرورة ستؤدي الى إطالة أمد الحكم الأبيض. لقد كانت انتفاضة متواصلة رفعت شعارا واضحا: انهاء نظام التفرقة العنصرية و المساواة الكاملة التي تكفلها الشرعية الدولية.

و هذا بالضبط ما تناضل من أجله حملة المقاطعة الفلسطينية التي تقود حملة دولية لعزل اسرائيل. بل هي انتفاضة تبني على أساليب كفاحية معاصرة تستفيد من التراث الكفاحي الفلسطيني الهائل و نضالات الشعوب التي عانت من استعمار استيطاني احلالي. و لكن ما يميز انتفاضتنا الثالثة أنها متمسكة بأهدافها الثلاث من انهاء للاحتلال و تطبيق العدالة من خلال عودة اللاجئين و تعويضهم, و انهاء نظام التفرقة العنصرية الممارس ضد فلسطينيي ال48. و خلافا لما طرحته اتفاقيات أوسلو التطبيعية, التي عملت على تحقيق الهدف الأول فقط و عليه تصغير القضية الفلسطينية الى قضية نضال ضد احتلال عسكري للضفة و غزة, فإن المقاطعة لا تعطي أولوية لهدف على حساب الآخر, و إن كانت ترى في هدف عودة اللاجئين عمودا فقريا للكفاح الفلسطيني برمته.

و مع الهبة الكفاحية الحالية في الضفة الغربية, و بعيدا عن الجدل السفسطائي إن كانت ترقى الى انتفاضة أم لا, فإن العمود النضالي المكمل لها و المتمثل بالمقاطعة وعدم الاستثمار في اسرائيل و فرض عقوبات عليها, بي دي أس, سيؤديان الى تطوير الشعار الذي رفعته الانتفاضة الأولى من حرية و استقلال, و جرى تفريغه من مضمونه بتوقيع اتفاقيات أوسلو المذلة, الى حرية و عدالة و مساواة لملاءمة الواقع الاضطهادي الذي يناضل ضده الشعب الفلسطيني بمكوناته الثلاث.

إن عجز القيادات الفلسطينية بمرجعياتها الأيديولوجية المختلفة عن استثمار التضحيات الجبارة و الصمود الهائل, وتصغيرها للنضال الفلسطيني بطريقة إما استسلاميه ترى في التنسيق الأمني "إنجازا" كبيرا و عملا "مقدسا" يدعم ما يسمى بالمشروع الوطني الفلسطيني, أو بطريقة إقصائية لا تحترم الأساليب النضالية المتعددة و تختزل الكفاح بما يتناسب مع نظرتها الأيديولوجية الضيقة, و عدم قدرة هذه القيادات على وضع رؤية استراتيجية واضحة للتحرير بعيدا عن شعارات الاستقلال الشكلي تحتم على الجميع العمل على تعزيز و دعم حملة المقاطعة التي تشكل أداة نضال فعالة و استثمارا للتضحيات الكبيرة تعمل على محاسبة اسرائيل بطريقة مباشرة بعيدا عن سياسات الاستجداء و التسول.
بي دس أس, إذن, الصوت الفلسطيني المرتفع, الأيادي التي قررت أن تدق جدران خزان الاحتلال و الأبارتهيد و التطهير العرقي بقوة. هي انتفاضتنا الثالثة و الأخيرة!