نشر بتاريخ: 13/10/2015 ( آخر تحديث: 13/10/2015 الساعة: 13:45 )
الكاتب: سري سمور
إضراب بعض الأسرى عن الطعام كان فرديا بامتياز بعكس ما كان عليه الحال في مجمل تاريخ نضال الحركة الأسيرة، والإضراب الفردي من مخرجات وإفرازات الانقسام؛ فالأسرى لم يتفقوا على توحيد خطواتهم النضالية، وخوض الإضراب موحدين، سواء لتحسين ظروفهم الحياتية داخل السجون، أو تضامنا مع أسرى يحتجون على الاعتقال الإداري، فظلال الانقسام وصلت إلى السجون أيضا.
وللإضراب الفردي ميزة الصمود والتضحية والبطولة للأسير الذي يخوض غماره؛ ولكن ثماره تنضج بعد فترة طويلة جدا مقارنة بالإضرابات الجماعية، ولهذا شهدنا أرقاما قياسية في عدد أيام إضراب الأسرى الذين خاضوا الإضراب الفردي.
وتحققت انتصارات فردية لأسرى ينتسبون إلى حركات وتنظيمات دون أن تنعكس بطولاتهم على واقع تنظيماتهم، بل إن التنظيمات عجزت بل فشلت في تحقيق تضامن جماهيري يتناسب مع صمود المضربين؛ وعموما ظل التضامن مع المضربين خجولا وضعيفا وموسميا.
ولن ينسى التاريخ الفلسطيني أسماء من خاضوا تجربة الإضرابات الفردية مثل خضر عدنان وسامر العيساوي ومحمد علان وغيرهم...ولكن تظل الحقيقة المرّة وهي أن بطولات هؤلاء وقدرتهم على انتزاع إفراج محدد زمنيا، قد جاءت من بين صخور الانقسام والفرقة وانعدام القدرة على تنظيم فعاليات جماعية داخل السجون، وخارجها بطبيعة الحال!
فالإضراب الفردي أحد أنواع النضال الفلسطيني لو وضعناه في الميزان لوجدناه يتسم بالضعف المحيق بالمجموع، والبطولة والقوة خاصة بالفرد نفسه، مما يذكرنا بعجزنا الناجم عن انقسامنا.
ولكن وبالتزامن مع ذلك انتشر بتسارع بطيء ثم شديد نمط العمليات الفردية البعيدة بطبيعتها عن التنظيم والتخطيط والتمويل والتوجيه؛ فحين يقدم فرد فلسطيني على الطعن أو الدهس أو حتى إطلاق النار فهو يعتمد على ذاته في اختيار الزمان والمكان والهدف، ويجعل كل أجهزة الاحتلال في حيرة وهي تواجه السؤال الصعب:أين ومتى سيأتي المناضل الفرد التالي؟!
قد يكون المنفذ لعملية فردية عضوا في تنظيم معين أو مناصرا له أو مستقلا ولكن تنفيذه لعمليته التي يحدد طبيعتها وزمانها ومكانها منفصل تماما عن الانتماء إن وجد.
وبالعزم الذاتي المحتقن بعوامل تفجير كثيرة نعلمها، كالتهويد والاستيطان والإذلال، يتواصل العمل الفردي مربكا كل أجهزة أمن الاحتلال؛ والتي اعتادت على ضرب مفاصل التنظيمات، واعتقال بعض القيادات البارزة، والتركيز على عناوين اعتادت على استهدافها في حربها مع الحالة النضالية الفلسطينية، ولكنها الآن تواجه حالة لا سابق لها من حيث الزخم المتزايد، فنظريا كل شاب فلسطيني هو مشروع طاعن أو داهس أو مطلق للنار في أي مكان في القدس أو داخل الخط الأخضر أو على الحواجز وفي المستوطنات وبلا سابق ما يعرف بـ(الإنذارات الساخنة) كون تلك الإنذارات مرتبطة بالأعمال المنظمة وما يرافقها من اتصالات وتمويل وتوجيه وشبهات، بل أصبح دور العملاء والجواسيس منعدما تماما في مواجهة هذا النوع من النضال الفردي.
أما الحديث عن مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي، فدليل إضافي على الارتباك والتخبط، فليس كل من ينوي القيام بعملية فردية سيلمح إلى ذلك، وليس كل من يكتب شيئا يوحي بنيته تنفيذ عملية هو فعلا ينوي تنفيذها، ولا يمكن وضع كل الشبان في السجون احترازيا.
وعليه فإن النضال الفردي ليس ضعيفا دائما، وليس قويا دائما؛ بل حسب الحالة والأداة والظروف؛ ولكن هل يمكن للتنظيمات أن تتعلم من النضال الفردي بحيث تترك العمل الهرمي وتنتقل إلى العنقودي؟وهل تدرك التنظيمات أن كلفة تنفيذ عمل توجيها وتمويلا وتخطيطا كانت غالبا مرتفعة، وأحيانا يتم إحباط العمل، وبالتالي على التنظيمات إعادة النظر في مجمل أساليبها وطرق عملها؟...نتمنى ذلك.
وفي وقت صار المحيط العربي أشبه بحال الغساسنة والمناذرة، وزاد صلف الاحتلال وكشر عن أنيابه بفجاجة يأتي النضال الفردي كقدر من الله –سبحانه وتعالى- ليضبط البوصلة ويزيل السكرة، ويلقن الدروس للعدو والصديق.
ولكن السؤال المطروح:هل يغني العمل الفردي النضالي عن العمل التنظيمي؟والجواب:لا، ولكن العمل التنظيمي تكلس ويحتاج إلى إعادة تقييم كل تجربته، وتغيير أساليبه وأدواته.
ورحم الله شهداءنا وحمى الله قدسنا وأقصانا.