الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

البهي بهاء نجمة في سماء القدس

نشر بتاريخ: 19/10/2015 ( آخر تحديث: 19/10/2015 الساعة: 11:51 )

الكاتب: يونس العموري

استمعوا جيدا، واحفظوا وصاياه فقد نقشها هذا الفارس الجميل المترجل على صهوة جواد القدس، وكان ان اعتلى اسوراها وباسمها نطق الضاد واستهل كلامة.
ايها الجميل بابداعك، كنت صاخبا هذا اليوم بالجبل الاشم، ذكاؤك، نقاؤك الثوري، حرَفيتك، مهنيتك بكل ما تقعل ... كل هذا جعل من عرفك برغم سني عمرك القصير مطمئنا ان للوطن وللفقراء ما زال نصيرا مؤمنا بهم عاملا في سبيلهم .... وان للقدس رجال ما زالوا يؤمنون بها وبقدرتها على النهوض من جديد وإثبات عروبتها.... حواريها تعرفك تماما وأزقتها كانت شاهدة على تجوالك بين ثناياها... انت يا سيدي واحدا من فرسانها الذين انهكهم التفاؤل لدرجة الترجل.. والذين علموا وعرفوا ان للأحزان جمال لابد من استغلاله في أتون فعل العطاء وتراكمه واثبات الوجود...

الآن برحيلك، بات عليّنا أن نفكر من جديد.... فهل من قادم نحو راية فعل العطاء البعيد عن المزيدات والفئوية والناصر لإبداعات الشباب .... ربما كان هذا أجمل ما في رحيلك. قلّما كان في الحزن جمال.... فمثلما يغادر الفرسان غادر ايقونة شهداء القدس البهي بهاء بكثير من الضجيج و الصخب... ترجّل فارس العطاء بدون مقدمات للرحيل... انسحب من المشهد العام ليكون الفراغ في فن صناعة فعل الفعل والتي لن يملؤه سوى واحدا بحجم الشباب المؤمن بالقدرة على العطاء والفعل دون انتظار الاشارة والشارة الأتية ممكن يعتلون منصات الكلام واعطاء الأوامر، ولتعلن الكلمات عن نقص في البلاغة والتحليل وفهم الموقف وتقديراته لن يملأها إلا هذا النظيف الخلوق ذاته... بهدوء يصل الى درجة الاستفزاز ارتقى بهاء واخلى الطريق لمن غاب، البهي بهاء فارس الكلمة الحرة الأمينة المعبرة عن اصرار المقاوم في عروبته، والعاشق في عشقه، والحبيب في حبه، والأرض الثكلى، التي تأبى إلا أن تنطق بلغة الضاد، في حارثيها وزارعيها...

عرف معنى ان تكون مناضلا حرا أبيا شريفا نظيفا الكف وان تكون وسط الفقراء اولا وصوتهم الذي ينطق بكل اسماءهم عند زعماء القبائل الجدد.فكانت وصاياه وكأنها دستورنا الجديد... كان رقيقا، وبذات الوقت عنيدا ضد إفسادنا لنقاوة الإنسان فينا... وللحب بأعماقنا.. كان وحدويا يجهر بضرورة التلاقي في بوتقة الفعل الوطني الواحد...
كان البهاء مؤمتا بالثقافة وانها مرادفة للعطاء، ومرادفة لفعل النقد وتصحيح الخطأ لذلك عرف معنى أن يكون المناضل مثقفاً ومعطاء وابداع في توازنات المعادلة وكان البهي.

أسلوبه كان متميزا..ً. فيه كثير من العقل والواقعية والمنطق ونعومة التعبير المقرونة بعمق التحليل والجرأة في اتخاذ الموقف....
مثلما هي العادة حينما نبحث عن هؤلاء الفرسان وسط كل هذا الدمار والإنهيار بالقيم والأخلاق قبل ان يكون فعل الإنهيار بمداميك الأساسيات الوطنية كنا نقف كل مرة عند هذا الفارس حتى انه اضحى واحدا من هذه العناوين التي من شأنها ان تربكك بهدوءها واخلاقياتها، والتي من شأنها ان تربكك بالقدرة على منحك هذا التفاؤل والنهوض من جديد... رحل فارس العطاء وترك لنا الفراغ، لعل فعل الرحيل هذا كان الحل الأمثل لإغماض العيون عن كل هذه الإنهيارات ولعل البهي بهاء لم يحتمل مشاهد تدمير الذات اكثر من ذلك....

لقد فقدنا واحدا ممن علمنا معنى أن تمتلك موقفا ً حرّاً شريفاً لا يخشى في الحق لومة لائم... ومنذ الأن فقدنا اساسا من اساسيات صناعة الموقف بالقدس وصياغة مفاهيم العطاء للقدس.. منذ الأن فقدنا واحدا ممن تعلمنا منهم كيفية صناعة القرار... وبواعثه ومنطلقاته... قالوا عنه الكثير وممن قيل ويقال عن هذا الفارس الصغير الجميل كنا نشعر ونحن نعمل معه، بأننا امام شخص يشترك مع الأخرين بصناعة الظرف وتجلياته على الأرض وأعتقد أن الساسة ومحترفي الفعل السياسي، على مختلف مواقعهم وتحالفاتهم، سيأخذون ولابد ان يأخذوا بمواقفه وتحذيراتها ممن يتربص بنا وبوحدتنا والأهم ممن يعمل على نشر واستشراء المرض فينا ... فمنهم من كان يخشى من وقائع تلك المواقف عليهم وعلى عروشهم ومواقفهم... ومنهم من كان يستبصر بها ويفكك اولوياتها ويعيد صوغ مفاهيمها بفعل تقدير الموقف للحالة الظرفية الراهنة...

اذن، كان رحيل هذا الشاب الذي علمنا الدرس الأقوى والاجمل ،وتركنا نتخبط في البحث والتفتيش مرة اخرى عمن يملأ المكان وساحات فعل العطاء للقدس ومن اجل القدس ولكل الوطن الذي يأن الأن تحت ضربات ابناءه وجلادي عصره الجدد من رجاله المتجهين نحو الطريق المعاكسة لفعل العطاء الحقيقي...
لقد رحل واحد من ابرز عناوين القدس حبا وعطاء واخلاقا، والأصلب في مقارعة الغلط، والأكثر استنارة، والأقدر على استيلاد الأفكار البكر والمؤهلة لأن تجدد في نمط الإنتاج الفعلي، والعاطي لذاته فرصة التحرر من تكلسات الانغلاق والوهم في امتلاك حقيقة الموقف...
رغم أن لائحة وصاياه تقول: "لا تبحثوا عما كتبت قبل استشهادي، بل ابحثوا عما وراء استشهادي". لكن لعل البحث في كلمات بهاء عليان يوصلنا إلى فهم شيء مما يجري.

كلمات بهاء ستدخل تاريخ الوعي الفلسطيني. هذا أمر مؤكد. حيث انه وعندما يجتمع الوعي والفعل الثوري بذات الشخص ينتج ثائرا حقيقيا ... احفظوا وصايا ‫الشهيد بهاء عليان‬ عن ظهر قلب فهي كتبت بالدم الوصايا العشر لأي شهيد :
1- اوصي الفصائل بعدم تبني استشهادي فموتي كان للوطن وليس لكم.
2- لا اريد بوسترات ولا بلايز فلن يكون ذكراي في بوستر معلق على الجدران فقط.
3- اوصيكم بأمي لا ترهقوها باسئلتكم الهدف منها استعطاف مشاعر المشاهدين وليس أكثر.
4- لا تزرعوا الحقد في قلب ابني, اتركوه يكتشف وطنه ويموت من أجل وطنه وليس من أجل الإنتقام لموتي.
5- إن ارادوا هدم بيتي فليهدموه, فالحجر لن يكون اغلى من روح خلقها ربي.
6- لا تحزنوا على استشهادي احزنوا على ما سيجري لكم من بعدي.
7- لا تبحثوا على ما كتبته قبل استشهادي, ابحثوا عن ما وراء استشهادي.
8- لا تهتفوا بمسيرة جنازتي وتتدافعوا, بل كونوا على وضوء اثناء صلاة الجنازة وليس اكثر.
9- لا تجعلوا مني رقم من الأرقام, تعدوه اليوم وتنسوه غداً.
10- اراكم في الجنة .