نشر بتاريخ: 21/10/2015 ( آخر تحديث: 21/10/2015 الساعة: 11:34 )
الكاتب: عيسى قراقع
وصلت ام الشهيد الاسير فادي الدربي يوم الاربعاء 14/10/2015 الى مستشفى سوروكا الاسرائيلي لزيارته بعد ان دخل في حالة موت سريري بسبب نزيف دماغي اصابه خلال وجوده في سجن ريمون، وفي لحظة وصولها اعلن عن نبا استشهاده، فاذا بها تطلق زغرودة عالية مدوية في باحة المشفى معلنة انه عريس الحياة القادمة…
زغرودة صعدت عالياً في اقسام المشفى وفي الشوارع وفي عنان السماء، وفوق تل ابيب وحكومتها وقادتها وسجانيها، من ام انتظرت عشر سنوات ليعود ابنها من السجن على اقدام الحلم واقفاً حياً جميلاً، وحراً من قيود الغياب ودياجير الظلام…
زغرودة تعانق اجنحة الهواء بعيداً بعيداً، وتصهل فوق السفوح صعوداً وتزف الشهيد في سرير الضوء والفضاء…
زغرودة ام فادي الدربي تصل اعناق الغيوم، تحت الشمس، فوق الافلاك، تملا فراغ الموت، تحرك الصمت، وترسم خريطة اخرى لهذي السماء..
زغرودة تحفر جدران السجون والمعسكرات وتزيل الاشباح عن اسرى يموتون كل لحظة قهراً ومرضاً وقتلاً وتعذيباً، لا هواء ولا كلام ولا دواء…
زغرودة من جنين البطولات، الاطفال، الشباب، المخيمات، النساء، الغاضبين القادمين من السهول، الخارجين الى الجبال، المتالقين في كتابة الفجر، في المخيم، وفي حقول المشردين والقتلى، يغسلون اعينهم بماء الصباح…
زغرودة الشرايين التي انفجرت في جسد الاسير فادي، وقد سال دمه في كل الاتجاهات من سجن نفحة حتى سحن عوفر، اسلاك تتدلى من الاجساد المتعبة، وارواح تتشبث بيد الريح وهي تتدفق في اعمارهم تحية للقدس المنتفضة، في العيسوية وجبل المكبر وباب الواد…
زغرودة حملت الشهيد الذي اعدموه بالاهمال الطبي، وحذرت من موت قادم قد ياتي من عيادة مستشفى الرملة، هناك صوت شهقات ورائحة جثث في تلك المقبرة.
زغرودة ام الشهيد فادي الدربي، وقد وصلت الى الشوراع والحارات المشتبكة مع القناصة والمستعربين والجنود القتلة ، هناك في نابلس ورام الله، وهنا في الخليل وغزة، وتنفجر الصور اكثر في باحة الاقصى وساحة المهد عندما تعدم دولة اسرائيل صوت الاجراس والاذان وتغتال الصلاة وروح الميلاد…
زغرودة الامل الاخير للاسرى المشلولين: خالد الشاويش ومنصور موقدة وناهض الاقرع ويوسف نواجعة وامير سعد، وللمرضى الذين افترستهم الامراض الخبيثة: مراد سعد وعلاء الهمص ومحمد براش ومعتصم رداد وشادي دراغمة وخضر ضبايا وايمن زعاقيق، وسامي ابو دياك، ولائحة طويلة بلا عكازات وبلا ادوية…
زغرودة القرار السياسي بعد ان يتوحد الدم مع الايادي التي تقرع ابواب السجون، وترفض ان يتم استقبال الاسرى في اكياس سوداء…
زغرودة تقول: ان الذي رايتموه ليس جنازة، بل عرساً فلسطينياً قادراً على تعديل المصائر واعادة الشهداء الى اسمائهم، والحياة الى ما يشبه الحياة…
زغرودة ام الشهيد فادي الدربي تقول: هذا هو الابن الذي عاد مترجلا على دمه ونبوءته، يتوسد النشيد، فالموت نائم، والاغنية صارت جماعية، والان، نسمع الطرق على الابواب ، الاغنية صاحية…
زغرودة الى الصابرين اكثر مما يحتمل الدهر وصدأ الفولاذ في السجون، تتجدد اعمارهم سنة وراء سنة، كريم يونس وماهر يونس وعلاء البازيان ونائل البرغوثي ومحمد الطوس، ووليد دقة وهو يقاوم سياسة صهر الوعي الاحتلالي وقانون " الاحتلال الجميل".
زغرودة مضادة ضد هذا الارهاب الرسمي، الاعدامات، هدم البيوت، سحب الهويات، الاعتقالات الجماعية، اطلاق الكلاب البوليسية على الاطفال، وضد المعازل والتهويد وتحطيم اضلاع الصلوات الخمس في القدس الشريف.
زغرودة ام فادي الدربي تفتح التابوت، هذا ولدها العائد، ويفتح عيناه ويتكيء على كتف امه في شوارع جنين، وتقول النبوءة: الجسد يموت، ولكن الروح تتحرك في الناس نيابة عن الموتى، وتقول: القادم اكبر من انتفاضة، والقادم اكبر من موت عادي ينتهي بجنازة او حوار في عزاء…
زغرودة تصرخ…
لا يكفي ان تموت
بل ان تعرف كيف تموت…
وقل حمداً للحياة
ودامت الحياة…