الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
دأب بعض ظرفاء الخطابة والمهرجانات الشبابية أن يتباهى بنوعية العمليات ضد اسرائيل عبر مكبرات الصوت، فهذا يمتدح عمليات فتح، وذاك عمليات حماس ، واخر عمليات الشعبية . ومن هذه المواقف أن يقول احد خطباء المهرجانات عبارة ( لما تشوف سقف الباص طاير اعرف انو العملية لحماس ) . فيرد احد المشجعين لفتح ويقول انه لا حرب من دون فتح ولا سلام من دون فتح .. ولا تزال الجبهة الشعبية تباهي بحكم الاعدام الذي اصدرته ضد المتطرف رحبعام زئيفي . وتباهي الجهاد الاسلامي بعملية زقاق الخليل وهكذا دواليك .
والحقيقة ان الفلسطينيين لم يظهروا بعد اسوأ ما عندهم للاسرائيليين، كما ان الاسرائيليين لم يظهروا بعد أسوأ ما عندهم للفلسطينيين، ولا اعرف اذا كانت هذه المرحلة الزامية ام لا.. لكن ضعف السياسيين وخوفهم من أمريكا أكثر مما يخافون من الله يؤجل الافكار الجديدة ويمنع الحديث عن حلول ، كما ان تواطؤ الولايات المتحدة مع الاحتلال ربما سيقود الجميع الى هذه المرحلة الدموية القاسية التي سيحاول كل طرف من خلالها تحطيم وجه الطرف الاخر .
ولن ينتهي اليهود من العالم ولو قتلنا منهم مليونا، ولن تموت قضية فلسطين ولو ذبحوا منا مليونين، ولكن الامور ستزداد انحطاطا والاحتلال سيصبح مكلفا ومقيتا ودمويا بطريقة متوحشة .
ان نتانياهو اظهر ذكاء كبيرا حين قال للجمهور الاسرائيلي انه لا يملك حلا للانتفاضة وعمليات الطعن ، وبذلك أجل محاسبته وسقوط حكومته ، ولكن هذا لن يسعفه بعد اسبوع او شهر .
اسرائيل تخشى ( أو تتوقع ) أن تمتنع خلايا عز الدين القسام عن اطلاق صواريخ باتجاه اسرائيل للحفاظ على حكمها في القطاع، ولكنها تهدد بالعودة الى العمليات الاستشهادية في قلب المدن الاسرائيلية وفي القدس، ولذلك زار نتانياهو جدار غزة في رسالة تهديد واضحة لحماس.. اما السلطة الفلسطينية فتحاول ضبط ألسنة اللهب في الضفة الغربية وحصر الامر في تظاهرات لتحافظ على حكمها للضفة، والطرفان تركا نتانياهو يغرق في انتفاضة القدس .. او ربما تركا القدس تغرق في مواجهة نتانياهو .
ميدانيا يمكن أن تبقى الامور بمستوى "العمليات الفردية" التي شاهدناها منذ بداية الشهر ، ويمكن ان تتدهور الى اخطر من ذلك بكثير . ولا يلزم الامر قرارا من فوق، وانما خلية غاضبة قد ترمي الحجر الكبير في المياه الراكدة للفصائل ... وفي حال تدهور الامر فان الانتفاضة الحالية ستأخذ زخما كبيرا وكثافة احداث ستجبر القيادات من الطرفين التخلي عن لعبة "استغماية الاطفال " التي يلعبونها وينزلون للشارع لمواجهة الحقيقة المرة .. وهي انه لا مجال للحلول الوسط بعد الان .
الخاسر الاول من الاحداث ستكون امريكا، فاذا خرجت امريكا من القضية الفلسطينية فانها ستخرج من كل المشرق العربي والعالم الاسلامي، وبعد اليوم لن يكون لها وجود ولو وصل الامر الى مقاطعة "الاي فون" وكل ما تصنعه امريكا ، وقد تغافلت الصحافة الامريكية حتى الان عما يحدث في القدس ، وهذا دليل على جهل المخابرات الامريكية بما يحدث، فالقدس ستكون حجر الرحى لتغيير كل قواعد اللعب في كل العالم ... ومن كشمير الى مكة ومن ماليزيا الى طهران ، ومن انقرة الى مأرب سيقف العرب والمسلمون يوما ويطلبوا فاتورة الحساب العسير من أمريكا .
الكاسب الاول في اللعبة ستكون روسيا، واني لأرى عودة العهد البيزنطي الى المنطقة ، وتل ابيب الغبية التي ينعشها وجود ناطقين باللغة الروسية في اسرائيل لا يدركون حجم التغيير الكبير الذي يحدث، وقد لعبوا بالنار فعلا ، واخرجوا العفريت من القمقم.. ولو ان المثقفين الاسرائيليين يرجعون ويقرأون العهد البيزنطي لمسحوا عن وجوههم هذه الابتسامة البلهاء مرة والى الابد .
الحكومات العربية تبدو أكثر غباء ، ومن خلال التصريحات التي رأيناها في الاسابيع الثلاثة الماضية لا تزال الحكومات العربية تتعامل مع الاحداث باعتبارها بعض اعمال الشغب التي ستنتهي قريبا، ولم يدركوا بعد ان حكوماتهم قد تنتهي كلها قبل ان تنتهي هذه الاحداث. وقد تراهن تل ابيب على ان المكان الاهم عند المسلمين هو مكة وليس المسجد الاقصى وبالتالي فان عدد ضحايا تدافع منى اعلى من عدد شهداء الانتفاضة الجديدة، ولكن هذا الكلام مجرد تخدير موضعي للألم ، وصحيح ان مكة هي اهم مكان مقدس لدى المسلمين، ولكن من ينكر مكانة الاقصى فهو ليس بمسلم ولا يستحق ان نحاول اقناعه . وانا نعرف ان شبان السعودية الشجعان واحرار الخليج وأمراء القبائل وسادة الصحراء يعشقون القدس أكثر مما نعشقها ولن يقبلوا السكوت طويلا عما تفعله اسرائيل بالعرب هنا .
لقد نجحت الحركة الصهيونية في تحويل اسرائيل الى أخطر مكان على اليهود .. وكل يوم تثبت ذلك. فاليهودي اّمن وحر في كل أرجاء العالم ، الا هنا .
والكلام يكبر ... والسلاح يطوَل .