نشر بتاريخ: 22/10/2015 ( آخر تحديث: 22/10/2015 الساعة: 14:43 )
الكاتب: د. علي الاعور
يعتبر عمل المؤرخين من اصعب اعمال البحث العلمي خصوصا عندما يتعلق الامر بمجازر إرهابية وابادة جماعية للبشر والإنسانية ن وتعتبر المحرقة ( الهولوكست ) التي تعرض لها اليهود في النصف الأول من القرن الماضي على يد النازية من اهم الاعمال التي قام بها المؤرخين من خلال فحص وتدقيق كافة الأدلة المادية والشفوية حتى اجمع معظم المؤرخين من خلال الوثائق والشهادات التي ادلى بها من كانوا على قيد الحياة من اليهود بعد الحرب العالمية الثانية واكدوا ان النازية وهتلر قاموا بتنفيذ المحرقة بحق اليهود واجمع المؤرخين ان قرابة ستة ملايين يهودي تم قتلهم وحرقهم على يد النازية الهتلرية.
لن ادخل بكم في جدال حول الأرقام ولكن ما يهمني هو اجماع المؤرخين على قيام هتلر بالمحرقة ضد اليهود ، وما صرح به نتانياهو يوم أمس وكان تصريحا خطيرا " هتلر لم يكن ينوي حرق اليهود ولكن المفتي الحاج امين الحسيني اقنع هتلر بحرق اليهود لمنعهم من القدوم الى فلسطين التاريخية" .
وبنظرة تحليلية الى تصريح نتانياهو الخطير فهو يحمل ابعاد كثيرة ولكن اهما
1 – انكار المحرقة وانكار مسؤولية هتلر عن المحرقة وتكذيب المؤرخين بروايتهم التاريخية
2 – الصاق تهمة حرق اليهود في المحرقة الى المفتي الحاج امين الحسيني" رحمه الله "
اما البعد الأول وهو الأخطر بالنسبة لليهود والمؤرخين اليهود وتكذيبهم وانكار المحرقة مما يعني إعادة قراءة التاريخ من جديد وربما التوصل الى حقيقة جديدة وهي عدم حدوث المحرقة كما يدعي بعض المؤرخين وهذا يعتبر تجاوز لكل الخطوط الحمراء لقراءة التاريخ حسب المؤرخين والكتاب اليهود ، مع العلم ان انكار المحرقة يعتبر جريمة يحاسب عليها القانون الفرنسي والقانون الإسرائيلي ، وهذا يدعم وجهة نظر بعض المؤرخين ان المحرقة لم تحدث أصلا وان حصلت فهي لا تتجاوز الالاف من اليهود وبالتالي تكذيب التاريخ اليهودي ويجب إعادة قراءة التاريخ اليهودي من جديد.
وهذا البعد الأول يعلن تشكيل محكمة دولية من جديد للقوى الامبريالية والاستعمارية في تلك الفترة " فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة " لان تلك القوى الامبريالية هي التي اكدت ان مأساة اليهود وتنفيذ هتلر للهولوكست يتطلب مساعدة اليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين وعلى الدولة المنتدبة لفلسطيني عليها ان تعمل على تنفيذ وعد بلفور ومساعدة اليهود في تجاوز محنتهم وإقامة دولة يهودية على ارض فلسطين حسب قرار التقسيم عام 1947
اما البعد الثاني وهو الأخطر بالنسبة للفلسطينيين وهو يحمل في طياته مؤشرا خطيرا في إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي لنشر ثقافة العداء والعنصرية ضد الفلسطينيين على اعتبار ان الحاج امين الحسيني هو المسؤول عن حرق اليهود ابان الحرب العالمية الثانية وهنا اود التأكيد على ما يلي :
الأيديولوجية والنظرية التي تقوم عليها النازية وهتلر هي اعتبار الجنس الألماني هو الأسمى والانقى والاطهر في العالم وان الجنس السامي هو الأدنى في العالم بين الاجناس وهذا ينطبق على العرب واليهود معا وبالتالي فان النظرية والأيديولوجية النازية كانت تعتمد فلسفة وهي إبادة الجنس السامي وليس اليهود وحدهم.
اما الحاج امين الحسيني فهو صاحب قضية عادلة وكان قد هرب من حكم الإعدام والسجن الذي أصدرته بريطانيا بحقه لأنه كان يقود الشعب الفلسطيني نحو الحرية والاستقلال من الانتداب البريطاني ورفضه لمشروع التقسيم ورفضه للهجرة الصهيونية الى فلسطين ولجا الى المانيا التي وصلها عام 1941 لكي ينجو بنفسه على اعتبار ان المانيا في حالة حرب مع بريطانيا ولن تسلمه الى بريطانيا.
ثانيا نشر العنصرية في داخل إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وبالتالي نشر ثقافة عدم القبول بوجود الفلسطيني حتى على ارضه وفي بيته وفي قريته وهذا يمهد لسياسة عنصرية تقود في النهاية الى مزيد من القتل للفلسطينيين في الوقت الذي تم اعلان وفاة وتشييع جنازة العملية السلمية في الأراضي الفلسطينية حتى تؤمن إسرائيل بانها دولة محتلة للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية ، وان تعترف بوجود الشعب الفلسطيني ومن حقه إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية في حدود الرابع من حزيران عام 1967 ، واعتراف إسرائيل بحق الفلسطينيين بالوجود ربما يعمل على انعاش عملية السلام من جديد وبعث واحياء السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط ربما يقود الى السلام واقامة دولة فلسطينية الى جانب دولة إسرائيل
من هنا فإنني أؤكد بصفتي باحث في التاريخ الفلسطيني في الجامعة العبرية في القدس ان تصريحات نتانياهو حول مسؤولية الحاج امين الحسيني عن المحرقة بحق اليهود خلال الحرب العالمية الثانية هو تزوير للتاريخ اليهودي وتزوير لتاريخ الشعب الفلسطيني، كما انني أؤكد بان تصريحات نتانياهو تتنافى مع كل الوثائق والأدلة التاريخية التي اجمع عليها المؤرخون بان النازية وهتلر هو المسؤول عن الهولوكست وان هتلر هو المسؤول عن المحرقة وقتل وحرق ستة ملايين يهودي في الاربعينيات من القرن الماضي.