نشر بتاريخ: 25/10/2015 ( آخر تحديث: 25/10/2015 الساعة: 10:37 )
الكاتب: د. سهير قاسم
مشهد مرسوم بالدماء، بكت العيون وتألمت القلوب، طفل حلم بالشهادة، بوقفته البريئة رسم معالم تاريخ لفلسطين وبوصلة للمقدسات ما يعبر بنا طرقات الفخار بعزة وكبرياء باحثا عن بقايا وطن سليب، فسالت دماؤه الطاهرة، فعلا تحقق حلمه الممزوج والمنسوج بالدماء الزكية، لم تكن خطواته عبثية، فكر خطط وتأمل، فكانت له الحرية، صعدت الروح ودُفن الجسد، في وقت هبطت فيه أجساد العابثين التي خلت من الأرواح إلى الأرض وترهّلت بسذاجتها المعهودة.
رخصت الحياة بعينيه فقرر الثورة في وجه الاحتلال الهمجي، هو الشهيد الذي يُعلّم الأجيال دروسا في خطّ سبل المجد والعز في وقت عجزنا أن نقدّم له الدروس الحقيقية، نعم، إنها دروسهم التي كانت أكثر وقعا على العقول قبل القلوب، فاقت تجارب مدارسنا، مارسوا العمل الحقيقي، لم يتعرفوا إلى الفكر الرخيص، كعادتهم دائما يبذلون الغالي والنفيس، يقدّمون أفضل تجاربهم وخبراتهم، فلهم الحياة الأبدية ولنا حسن العزاء بهم.
يفرشون الدروب وهم مناضلون عمالقة، عانقت رؤوسهم السماء، هم عنوان للقضية وبوصلتها في مرحلة الاختناق الوطني، وقد أثبتوا أنهم الأقدر على رسم الخريطة، وماذا بعد، هل الانتصار للقضية واللحاق بركب الشهداء أم انتظار الغنائم التي يبحث عنها العابثون؟!
التجار يفتشون في طيات الحياة عن مصالح شخصية تلد من دماء فتية أبرياء، تجار لم يكتفوا بما حصّلوا واكتسبوا بل ينتظرون موكب لشهيد قد يمر أمامهم في أي لحظة ليتوّج لهم النصر، يلاحقون الدماء البريئة ويسرقونها وربما يترجمونها بألسنة حادة ادّعت الوطنية منذ عقود لتحقيق انتصارات ذاتية بعيدة كل البعد عن الهم الوطني الأصيل.
والسؤال المهم، لماذا لا تذوب المشاعر جميعها لتشكل حلما صغيرا لأطفالنا هذا الحلم نتشارك في رسم معالم البيت الفلسطيني الذي يتسع للجميع. إن تحقيق ذلك يتطلب ابتعاد الانتهازيين الباحثين عن مكان في هذا البيت الكبير، هؤلاء الذين يضعون مصالحهم الخاصة والضيقة والبسيطة نصب أعينهم، وتغيب عنهم المصالح الوطنية والعامة أو حتى غير مستعدين للتفكير فيها أصلا، فكيف سيتحقق حلم أطفال فلسطين إذن؟ وكيف نتخلص من العابثين؟
مرحلة عصيبة يمر بها الوطن، ما يثير الدهشة هذه الفئة المتربصة القادرة على البحث والتخطيط والتفكير وهندسة كل الأمور حتى دماء الشهادة لتكون مرتعا خصبا لهم تحت شعار الوطن والوطنية، ولكن نقول لهم، هذه الدماء الزكية التي تسيل كل يوم تنادي بصوتها العميق أن كفوا عن سياساتكم الرخيصة، هم أبرياء مما تنشدون، ودماؤهم غالية على الثرى وعلى هذا الوطن الكبير؟
هذه الدماء تلقن الاحتلال كل يوم دروسا وعبرا لتكون عناوين مشرقة في صفحات التاريخ الأصيل، تاريخ الفلسطينيين وكل الشرفاء والأحرار الذين يعرفون معنى للدماء النازفة وللدموع التي تنهمر، إنه التاريخ الحقيقي الذي يصلنا بجذورنا الأصيلة، لا التاريخ الأسود الذي يرسمه أصحاب المصالح الرخيصة وذوي النفاق.
وأخيرا فإن التجارة بالدماء لن تفيد ولن تلبي طموحات المتسلقين والعابثين فالتاريخ لأطفالكم، أما أصحاب المصالح والانتهازيين فلن ينالوا ما ينشدون، فهم تائهون هائمون في الظلمات، تكرشوا بتجارتهم الخاسرة وسقطت راياتهم أمام رايات أطفالهم، فهلّا بحثوا لأنفسهم عن طريق بعيد؟!!