نشر بتاريخ: 26/10/2015 ( آخر تحديث: 26/10/2015 الساعة: 14:12 )
الكاتب: عوني المشني
من يصر على استمرار الاحداث وعسكرتها يمثل الوجه الثاني لمن يصر على لجمها ووقفها ، كلاهما وجهان لمستوى متدني وساذج للاستثمار الفصائلي الرخيص لتضحيات شعبنا ونضالاته ، فالذي يقول باستمرار الانتفاضة وعسكرتها يعتقد بان ذلك من شأنه أضعاف سلطة الرئيس ابو مازن في خطوة على طريق فشله او إفشاله ، لا يهم هؤلاء الثمن الذي سيدفعه شعبنا ، ولا يهمهم ان أدت العسكرة الى الانجرار الى المربع الاسرائيلي في الصراع والذي يتفوق فيه الإسرائيليين ، اما من يعتقدون بلجم الاحداث ووقفها فهم يعتقدون انهم يقطعون الطريق على الاتجاه الاول ويحافظون على السلطة " كمكسب " يجب الحفاظ عليه متجاهلين ان الحفاظ على الوضع الراهن هو صلب الاستراتيجية اليمينية التي يقوم عليها منهج نتنياهو لتوسيع الاستيطان وتهويد القدس .
إذن هما وجهان لعملة واحدة ، هما تعبير عّن لا مسئولية وطنية اولا ، وعن مستوى متدني من الأهداف ، وعن سذاجة تصل الى السخف في التفكير
الوضع الطبيعي ان تترك حالة الاشتباك المفتوح تعبر عن ذاتها بطرائقها ، بإبداعاتها ، بوسائلها ، بسياقها ، بمستوى الفعل وردة الفعل ، بتلقائيتها ، وباصالتها . ان تترك مجاميع الشبيبة الفتية تصيغ مستقبلها وبوعي وجرأة وحكمة وفعالية وبمسئولية ، الوضع الطبيعي ان ينتهي عهد القيادة بالانابة ، والتوجيه " بالريموت كنترول " ، الوضع الطبيعي ان يبقى سيد الفعل هو سيد القرار وهو سيد الرؤيا وهو سيد المرحلة ، وهو القائد المنفذ والمضحي .
لا وصاية على الفعل ، ولا استذة عندما يتعلق الامر بالشهادة والموت ، لا يليق بأحد مهما بلغ شأنه ان يعلم احدا كيف يستشهد ، او كيف يقتحم ميادين الموت .
وبلغة سياسية اذا ما اعتبرنا ان الاحتلال هو السبب الحقيقي لكل ما يعانيه الشعب الفلسطيني ، وان التخلص من الاحتلال هو الهدف الرئيس لشعبنا فان من المنطقي جدا والطبيعي جدا والمفترض جدا ان تتواصل حالة الاشتباك طالما الاحتلال موجود ، تتواصل بمختلف الأساليب ، وبوتائر تعلو وتهبط وفق الظروف والإمكانية والضرورة ، اشتباك سياسي هنا ، حقوقي هناك ، ثقافي ، جماهيري ، عسكري ...... كل أشكال الاشتباك وعلى مختلف الساحات محليا ودوليا ، ان اغفال شكل من أشكال الاشتباك بمطلق المواقف هو خطأ إستراتيجي بالمقابل فان التركيز على شكل دون غيره خطأ استراتيجي ايضا ، لكن لكل ظرف ولكل ساحة ولكل قطاع جماهيري ان يختار ما يتناسب معه ، والقيادة السياسية هي المفترض ان تجيد الحصاد وتجيير كل نضالات الجمهور وتكثيفها لفعل سياسي .
إذن على الذين يدفعون الجمهور باتجاه قسري نحو شكل نضالي محدد دون غيره ان يكفو عن ذلك وعلى الذين يضعو قيودا على حركة الجمهور ان يكفو عن ذلك ، كلاهما يحاول ان يعكس أمراضه وقصر نظره وفئويته الضيقة على نضال شعبنا
هذه ليست دعوة للفوضى ولكنها دعوة لان يصيغ الوعي الجمعي لشعبنا سبل نضاله وفق قدراته وإبداعه ، وشعبنا قادر على ذلك ، لمن نسي نذكره بان استخدام الحجر في بداية الثمانينات من القرن الماضي كان ابداع جماهيري فردي في بعض مخيمات الضفة ، سرعان ما تحول الحجر في العقل الجمعي الفلسطيني الى ثقافة أنتجت الانتفاضة الاولى ، وهنا ، هنا تجلت قدرة القيادة ، الشهيد القائد الأخ ابو جهاد تلقف الحالة وتبناها كما هي دون استذة ودون ان يلوي عنقها او يجيرها واستطاع ان يسير بها لتكون انتفاضة الحجارة ابداع جماهيري لعقل جمعي فلسطيني .
الان نحن امام حالة جديدة ، ربما ليست انتفاضة ، ليست هبه ، ليست ردة فعل ، انها شيئ اخر له مواصفات اخرى ها هو العقل الجمعي الفلسطيني يبتدع مواصفات تلك الحالة ، وسيشكلها ، وسيكون لها سياق ، المهم ان نترك شعبنا يستكمل رسم تلك اللوحة الكفاحية ، نتركه يحدد ملامحها ، أفقها ، آلياتها ، دينمكيتها ، نتركه يجعلها حالة اشتباك متعدد الساحات والوسائط ، انها ليست انتفاضة ولا هبة جماهيرية ، انها حالة اشتباك ، حالة اشتباك في بدايتها ، ستنتج ثقافة جمعية ، ومسلك فردي وجمعي ، ومنظومة قيم .
شعبنا لا يلتزم بقوالب جاهزة ، لا يكرر ذات الأسلوب مرتين ، يتفوق حتى على ذاته في ابداع أشكال كفاحية تتناسب واقعه . والاهم من كل هذا ان شعبنا قادر على فرض اجندته على المستوى السياسي الفلسطيني ، بمعنى ان أداءه الكفاحي سيشكل مسارا يفرض على المستوى السياسي التساوق معه ، لهذا لا خوف على شعبنا ، سيشق طريقه ويفرض اجندته وسيعيد صياغة المعادلة السياسية على طريقته
ان الجنون الاسرائيلي السياسي جعلهم يتوقعون بان بامكانهم فرض الاستسلام على شعب ، لم تدرك النخب الإسرائيلية ان الاستسلام لا يحصل عندما يتعلق الامر بأحلام شعب ، هناك دول تستسلم وحكومات تستسلم وأحزاب تستسلم لكن لا يوجد في التاريخ ان استسلم شعب تحت الاحتلال ، والشعب الفلسطيني وحتى لو هزم في جولة او عشر جولات فانه لا يستسلم اطلاقا للاحتلال .
إذن نحن امام حالة اشتباك طويل ، اشتباك بمختلف انواع الأسلحة ، سياسيا وعسكريا وقانونيا وثقافيا وفي كل الجبهات ، اشتباك يشتد حينا ويخفت حينا ولكنه متواصل ، متواصل ولمدى طويل ، متواصل وبكل الأساليب ، متواصل وبلا حدود . السؤال الى متى ؟؟؟؟
لن تكون هناك اجابة جاهزة ، ينتقل مركز الاحداث من مكان لآخر ومن اُسلوب لآخر ، سيستمر الاشتباك حتى يصحو الإسرائيليين من صدمتهم ، حتى يصبح ثقل الاحتلال عليهم أشد قسوة من على الفلسطينيين ، حتى تصبح تل ابيب مثلها مثل القدس ومثل نابلس متاثرة بواقع الاحتلال ، حتى تتحول الكراهية الى تفهم لحاجات الشعب الخاضع للاحتلال واولها وأهمها الحاجة للحربة والاستقلال ، حتى يقر الشعب المحتل بان احتلاله للاخر هو الجريمة الاولى التي تشكل مصدر كل الجرائم وهي الجريمة الاخطر من كل الجرائم وهي مصدر العنف والارهاب ومسببه الحقيقي ،
إذن نحن امام اشتباك مفتوح ، اشتباك مضني ، اشتباك متواصل ، اشتباك شامل ، اشتباك مباشر ، لا إمكانية اطلاقا لوقفه او تسريعه او احتواءه ، ربما يتسارع حينا ، يتباطئ حينا ، يغير شكله ومكانه ، لكنه الاشتباك الذي ترتبط نهايته بنهاية الاحتلال ، سيكون في كثير من الأحيان دومويا الى حد الصدمة ، يستنزف كلا الشعبين ، ولكنه يؤسس لتغيير قناعات , يؤسس للاعتراف بمعطيات الواقع والتعاطي معها في سياقها وباتجاه مسار التاريخ ، انه اشتباك طويل ولكنه الأخير قبل نهاية الصراع الدموية ، وكما يقال فان المعركة الاخيرة التي تسبق وقف الحرب ستكون الأقسى والأشد فتكا والأكثر ضراوة ، هكذا هي الامور
ليس تفاؤلا ولا تشاؤما فالصراع وصل الى محطته النهائية تلك المحطة التي يرى كلا الطرفين حدود امكانياته ليوائم بينها وبين حدود طموحه ، عند ذلك فان الموضوعية ستحل مكان جنون التطرّف
السؤال : هل يوجد معادلة سحرية تحقق طموح الطرفين دونما هزيمة ؟!!!!
نعم دايما يوجد ، ولكن ليس دوما يكون هناك قبول للاخر ، حالة الاشتباك هذه ستؤدي الى قبول الطرف الاسرائيلي للاخر ، ستؤدي الى الإقرار ان بمتلازمة لا حق لطرف دون الاخر ، لا سلام لطرف دون الاخر ، لا أمن لطرف دون الاخر ، لا وطن لطرف دون الاخر .
الذين يعتقدون بامكانية ادارة الأزمة والإبقاء على الوضع الراهن يعيشون اوهاما سخيفة ، نتنياهو يجلس في طائرة تعبر عين العاصفة ويقول لمن حوله ها انا جالس مكاني لا أتحرك ، لا يدرك نتنياهو ان طائرته تسير بسرعة الصوت وان عاصفة الاحداث تكاد تودي بطائرته الى حطام ، انه جالس مكانه وبهدوء ولكن في منطقة تعصف فيها الاحداث المتسارعة ، كان يدير احتلالا والان عليه ادارة اشتباك متواصل متعدد الوسائط والساحات ، اشتباك لا تحكمه ادارة النخب السياسية ولا الأجهزة الأمنية ، اشتباك لا يسير وفق تخطيط ولا وفق ادارة محوسبة ، يستطيع اي طفل فلسطيني ان يغير في مجرياته دونما حاجة لتنسيق أمني ورغم وجود تنسيق أمني ، انه اشتباك تحكمه صيرورة الفعل وردة الفعل ، انه اشتباك كان بالامس فعل فردي وها هو يتحول الى ثقافة جمعية ، وعندما يكتمل المشهد ويصبح منظومة ثقافية فان ما شهدناه لن يكون سوى ابسط ابسط أشكال الاشتباك وأقلها دموية وخطورة مقارنة بما سيحصل
ومن يعش يرى