الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الانتفاضة ..العبرة بالحصاد لا بالتضحيات

نشر بتاريخ: 27/10/2015 ( آخر تحديث: 27/10/2015 الساعة: 10:26 )

الكاتب: د.غازي حمد

(1) المشهد ليس جديدا ولا مفاجئا
ماذا يمكن أن نكتب عن الانتفاضة ,وهي التي سبقتنا وكتبت عنا بالدم والشهداء,ما يعجز عنه الحبر ؟؟
دوما كانت تسبقنا وتخط طريقنا ,وتشدنا نحو الاعلى ..نحو معارج الحرية والكرامة .
المشهد مهيب ,جليل ..عظيم !!
لكن تذكروا انه ليس جديدا ولا مفاجئا .
لكنَا نحن الذين نصاب بالمفاجأة ,ويدهمنا"القطار" السريع لكي نفتح عيوننا ونهيئ انفسنا للتأقلم مع الواقع الجديد .. ربما لاننا تعودنا على ملاحقة الحدث وليس صناعته!!

المشهد يقول بلا رتوش " شعب لم يستأذن أحدا !! اندفع بكل قوة وبسالة ..يقاتل ..ينتفض ,لا يكل ولا يتذمر من "ضخ "الدماء ,لا يتوقف امام الة القتل ..لا يمنعه الجدار والاسلاك الشائكة , ولا يردعه انتشار الجنود المدججين في كل شارع..ولا تصده الحواجز الملغومة بالقتل على الشبهة !!
حين يمنعون عنه البندقية يبحث في بيته عن "سلاح اخر ,وحينما لا يجد يذهب بقبضة يده وعزيمة روحه التي لا تتوقف .
لكن هذا الشعب دوما تناوشه أسئلة قاسية .. تصطرع في داخله ,أسئلة يوجهها للقادة والسياسيين :ماذا بعد ..ماذا ستصنعون؟ أي طريق ستسلكون ؟
هل تكون عظمة مواقفكم وقراراتكم بعظمة هذه الملحمة ؟؟
أي حصاد ستحققونه اذا بقيتم على هذه الحال من الفرقة والانقسام ؟
هنا يكمن تحدي الانتفاضة ..هنا يكمن الامتحان الاكبر : هل سننجح في قيادة TEST) ) عربة الانتفاضة في مسار صحيح يؤدي لنتائج صحيحة , هل درسنا (الاشارات ) جيدا حتى نتحرك بقوة وسلاسة دونما اصطدام ولا حوادث مميتة ؟

(2) الهاربون من الاسئلة ..الفاقدون للاجابات
السؤال الكبير والخطير –والذي تختبيء وراءه الكثير من الاسئلة – هل لدينا القدرة/المهارة السياسية على ترجمة تضحيات الانتفاضة الى منجزات مادية وليست معنوية فقط.. أم أننا سنكتفي بحصر عدد الشهداء وانتظار العملية بعد العملية ؟؟
ماذا سنفعل لو طالت الانتفاضة الى أمد طويل..هل سنديرها بنفس الطريقة والاسلوب في الانتفاضات السابقة ..هل تلزمها قيادة توجهها وتصحح مسارها حتى لا تكون ضحية الخلافات والانفلاتات ثم الاستغلال الخاطيء؟ ..هل سنتركها تسير بلا اهداف , ام باهداف غامضة فضفاضة؟..ومن الذي يملك القدرة على تحقيق أهدافها؟
الذين لا يحبون التفكير والتخطيط, ,والمتعجلون دوما سيقولون لك: لا تستعجل ..لا تطرح كثيرا من الاسئلة..لا تفكرفي قطف الثمار الان !!
سبحان الله !!

بعد مرور 68 عاما على الصراع واندلاع انتفاضتين وثلاث حروب ومسيرة نضالية وسياسية طويلة يقولون لك "تمهل ..لا تستعجل " !! اذن : متى ؟؟
هؤلاء يهربون من الاسئلة,اما لانهم لا يعرفون الاجابات ..أو لانهم يعتبرونها" فلسفات وتصفيط حكي " .. أو لانهم يعتبرونها نوعا من الاحباط والتيئيس ...أو لانهم يفضلون "الطبل العالي " على التفكير العقلاني !!
يقولون لك " اتركوها ..دعوها تجري على أعنتها..لا تسألوا عن نتائجها .. لا توجعوا رؤوسنا بترهاتكم "!!
هؤلاء "المتهربون" من الاجوبة لا يمكن ان يقودوا انتفاضة منتجة ومثمرة, ولا يمكن ان يحصلوا منها الا الشعارات والصوت العالي!!
ببساطة ,من لا يملكون الاجابات لا يملكون ضمانات حقيقية لنتائج الانتفاضة , لذا فانه لا يعول عليهم .
ان من حق الشعب علينا ,ومن حق دماء شهدائه,الا نتركه يغرق في مستنقع الاسئلة, حائرا تائها.. يجب أن نقنعه بصوابية وصدقية أجوبتنا.

(3) الذين يزرعون ولا يحصدون
ولان لدينا تجارب وخبرة طويلة في الانتفاضات والمقاومة منذ العشرينات فانه من الطبيعي ان يكون لدينا رصيد هائل من العلم والتجربة يؤهلنا لان نقود انتفاضة ثالثة ورابعة وخامسةبكل (سهولة) ,ومعرفة مقدماتها ونتائجها , كما هو التاجر المحنك فيحصد الارباح . لكن أعترف- بكل اسف وحزن- ان الواقع "المر" الذي نعيشه يقول لنا ان هذا الرصيد(الكنز)لم يعلمنا ولم يقربنا كثيرا من تحقيق أهدافنا ..لماذا ؟
لان بعضنا لا يزال يعيش على أوهام السلام والمفاوضات ..والبعض الاخرخلط هذا الرصيد ببهارات الحزبية والعمل غير المخطط والاندفعات العاطفية ..ثم عجناه بالانقسام السياسي, وأضفنا عليها "مرقة " الاعلام المر !!
لان البعض يريد ان تندفع الامور بقوة وصخب وهياج اعلامي,وهمه الاكبر أن يحصى عدد العمليات والشهداء , لكن النتائج اخر ما يفكر فيها.
هؤلاء يمثلون – بجهلهم - خطرا كبيرا على الانتفاضة وحصادها,لانهم يزرعون ولا يحصدون ؟
ماذا تسمون الذين يزرعون ولا يحصدون ؟؟
معقول !! مثل هذه "التحولات الكبرى " لا تدفعنا لاحداث تحولات كبرى في التفكير والاستراتيجية والخروج من حالة الدوران حول الذات ؟؟
معقول !! هذه "الهبات العظام " لا تفتح عيوننا على ضرورة اعادة تصويب وضعنا الداخلي وتجاوز خلافاتنا المنهكة والمعرقلة لتحقيق اهدافنا الوطنية .
بعد الانتفاضة الاولى قلنا (لعل وعسى) ..بعد الانتفاضة الثانية قلنا (يمكن..قربت) ..بعد الحروب الثلاث قلنا " قاب قوسين أو ادنى" ..جاءت الانتفاضة الثالثة ( اها ..فرصة ولاحت) !!
مشكلة الفلسطينيين انهم بارعون في التضحية ..فاشلون في قطف الثمار.. محترفون في اضاعة الفرص ,وفي تبديد أوراق القوة لديهم !!
لان سياستهم ضعيفة باهتة ,وقوتهم غير مسيسة , وهم ليسوا على قلب رجل واحد !!
فأنى يحصل لهم مرادهم ؟؟

(4) لكي تكون الانتفاضة مجدية
حتى لا تضيع تضحياتنا هباء ..وحتى لا نغرق في شرك الاحلام الكبيرة , وحتى نتجنب عثرات الماضي ,ينبغي ان نفكر بذكاء وحرفية عالية في كيفية استثمار الانتفاضة -سواء كانت ليوم او لعشر سنوات –وتحويلها الى منجزات وطنية ملموسة .

1- سر نجاح الانتفاضة ليس مجرد الالتفاف الوطني حولها بل "تسويرها " بالوحدة الوطنية الحقيقية –غير الشكلية - التي تعكس وحدة الرأي والموقف ,والتي تضمن سير الانتفاضة في الاتجاه الصحيح وتضمن تحقيق الكثير من اهدافها . ان حالة التشرذم الفصائلي وتعدد المسارات يمكن ان تئد الانتفاضة وتجعلها بلا معنى , بل يمكن ان تسمح للمتسلقين والمنتفعين ان يتحكموا في مسيرها ونتائجها , لذا مطلوب من الفصائل ان تتجاوز مرحلة الدعم والتأييد/الاعلامي العاطفي الى مرحلة التخطيط والعمل المشترك.

2- ثم نأتي الى المحور الاهم وهو هدف الانتفاضة :
ان الصراع مع الاحتلال هو صراع تراكمي, بالنقاط وليس بالضربة القاضية , لذا لابد من السعي لتحقيق اهداف تكتيكية تصب في الاهداف الاستراتيجية.
الاوضاع القائمة من حيث الظروف العربية والدولية واختلال موازين القوى لا تسمح بتحصيل مكاسب كبيرة , لذا من الضروري الاتفاق–وطنيا - على اهداف محددة ووضعها في قالب سياسي نقاتل من اجل تحقيقها.
الذين يتحدثون عن الاهداف الكبرى (التحرير وانهاء الاحتلال ووقف الاستيطان )- وهذا حق- يجب ان يقتنعوا ان الاهداف التكتيكية هي أفضل من يصنع الاهداف الاستراتيجية, فيما لو تعاطينها معها ضمن سياق منظم ومدروس.
الاهداف (المعنوية )تجاوزناها ,من حيث رفع الروح الوطنية وترسيخ ثقافة المقاومة وكسر النظريات الاسرائيلية,لذا لا داعي لان نظل نكررها في كل مناسبة ,لانه من الضروري القفز الى مراحل اكثر تقدما في تحقيق انجازات مادية ملموسة , حتى لو كانت محدودة .
من هنا أقول للقوى السياسية :لا تخافوا ولا تخجلوا من تبني مطالب تكتيكية .يجب استغلال حالة التراجع الاسرائيلي وعجزهم امام (السيل ) الفلسطيني لطرح مواقف ومطالب واضحة, سواء في القدس او الحرم او غيرها .
نعم يمكن ان نحقق تراكم انجازات(لو اشتغلنا صح ) .
ليس صعبا ان نصنع انتفاضة او هبة أخرى تحقق انجازات في مجالات اخرى , لان لدينا مخزونا استراتيجيالا ينفذ من البطولة والتضحية . اليوم من اجل الحرم وغدا من اجل الجدار وبعد غد من اجل الاستيطان وهكذا يمكن ان نستمر .
هذا لا يمنع ولا يتعارض مع الاصرار على الهدف الاكبر : انهاء الاحتلال وتحرير الارض , لكن نحتاج هذا وذاك.

3- من اجل انجاح الانتفاضة يجب تطهيرها من رجس المناكفة و(المجاكرة) الاعلامية والتنافس الحزبي , لان هذه (الفيروسات) ستضع رقبة الانتفاضة تحت مقصلة الارهاق والاستنزاف ومن ثم الانهاك والفشل .
أخيرا /هناك الكثير مما يمكن أن يقال, لكن المهم ان يكون لدينا الاستعداد (لاستخدام عقولنا) أكثر من أصواتنا وطبولنا .
جربوا ولن تخسروا ..(على ضمانتي) !!