نشر بتاريخ: 29/10/2015 ( آخر تحديث: 29/10/2015 الساعة: 10:24 )
الكاتب: د. وليد القططي
نشر تنظيم ( الدولة الإسلامية ) المعروف إعلامياً باسم ( داعش ) شريطاً مصّوراً تحت عنوان ( كسر الحدود ونحر اليهود ) يحمل توقيع ( إعلام ولاية الشام ) باللغة العبرية , مضمونة تهديد لدولة ( اسرائيل ) بأن جنود الخلافة سيهاجمونها من كل الأماكن بعد أن يكسروا حدود سايكس بيكو المصطنعة بين فلسطين ودول الجوار العربية , ليقتلوا اليهود العدو الأول للمسلمين , ولينتقموا من كل قطرة دم تسقط من المسلمين في فلسطين , والشريط يتوّعد اليهود بأن الحرب الحقيقية لم تبدأ بعد في إشارة للحرب التي تعد لها ضد الدولة العبرية .
على افتراض صحة هذا الشريط المصّور المنسوب إلى ( داعش ) فإنه سيكون التهديد الأول من نوعه الذي يوجهه التنظيم الذي أصبح دولة للكيان الصهيوني , فلم يسبق له الاهتمام بالقضية الفلسطينية أو بالجهاد ضد الكيان الصهيوني نظرياً أو عملياً , بل إن أنصاره في فلسطين يخرجون منها للجهاد في كافة أرجاء الأرض تاركين الجهاد في فلسطين , وهذا ليس غريباً إذا ما عرفنا المرجعية الفكرية التي يستندون عليها والتي تجمعهم مع تنظيمات أخرى تستند لنفس المرجعية الفكرية وتنتمي لنفس المدرسة السلفية .
هذه المرجعية وتلك المدرسة تُعطي الأولوية لتطهير المجتمعات الإسلامية أو المفترض أن تكون إسلامية من كافة صور الشرك لتنقية عقيدة التوحيد مما علق بها من شركيات وبدع حسب تفسيرهم وفهمهم للعقيدة , وازالة المنكرات من المجتمع قبل الجهاد الخارجي .
كما أن أولوية الجهاد هي لقتال ( المرتدين والرافضة ) داخل المجتمعات الإسلامية قبل قتال الكفار الأصليين من اليهود والنصارى والوثنيين والملاحدة , وهذا ما يؤكده أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم او ما يطلق عليه اتباعه أمير المؤمنين وخليفة المسلمين عندما قال :"فوالله لقتل المرتد احب إلىَّ من مائة رأس صليبية " وهذا ما طبقه التنظيم على ارض الواقع عندما استباح دماء المسلمين وأموالهم واعراضهم في كل مكان استطاع الوصول اليه .
والمرتدون هم أهل السنة المخالفون للتنظيم أو الرافضون لبيعة الخليفة البغدادي , أما الرافضة هم اهل الشيعة بكافة مذاهبهم .ووفق هذين التصنيفين فان جميع المسلمين تقريبا يدخلون فيه , باستثناء الفرقة الناجية الوحيدة التي حالفها الحظ في العيش في كنف البغدادي ودولته , وهم يستندون في ذلك الى فتوى شيخ الاسلام ابن تيمية " قتال المرتدين مقدم على قتال الكفار الأصليين " الذي يستند بدوره الى ما فعله الصديق – رضي الله عنه – وسائر الصحابة – رضوان الله عليهم – الذين بدأوا بجهاد المرتدين قبل جهاد الكفار من أهل الكتاب بعد وفاة الرسول – صلى الله عليه وسلم - , ويبرر ذلك أحد منظري هذه المدرسة الفكرية مستنداً إلى قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً " بأن كفر الردة أغلظ بالإجماع من الكفر الأصلي , وانه لم يصبح للكافرين على المسلمين سبيل إلاّ بجبل هؤلاء المرتدين ... كما تمكّن لليهود في فلسطين والقوات الاجنبية الكافرة في بعض بلاد المسلمين .
اذن تهديد التنظيم بقتال ( اسرائيل ) لا يستقيم مع قناعات التنظيم الايديولوجية بخصوص أولويات القتال , والتي لا مجال لمناقشتها في هذا المقال , مع استبعاد الاحتمالات الاخرى لعدم توجيه بوصلة الجهاد نحو الكيان الصهيوني , فهذه القناعة تعني أن الجهاد في فلسطين مؤجل حتى يتم الانتهاء من العدو القريب من ( المرتدين والرافضة ) , وبمعنى أخر أن أمامه بحر من دماء المسلمين لا يعلم عمقه إلاّ الله تعالى , وأهرامات من جماجم المسلمين لا يعلم ارتفاعها إلاّ خالقها , وأكوام من جثث المسلمين المقتولين بكل أنواع فنون القتل التي أبدعتها العقول الداعشية ولم تعرفها أكثر الجماعات همجية في التاريخ .
والخلاصة أن تهديد داعش لــ ( اسرائيل ) وأولوية قتال ( المرتدين ) لا يستقيمان , ولا يستقيمان إلاّ بتغيير أولويات القتال ليكون الكيان الصهيوني هو بوصلة الجهاد الأولى وفلسطين هي قبلة المجاهدين المركزية . وقبل ذلك لا بد من تصحيح مفاهيم الكفر والردة الخاطئة المسؤولة عن سفك دماء الملايين من المسلمين وإدخال المسلمين في متاهة الفتن والصراعات المذهبية والطائفية والعرقية والقومية التي قسمتهم إلى شعوب وقبائل شتى وانحراف بوصلة الجهاد إلى كل الاتجاهات ما عدا فلسطين .