الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

حين يتحول التلفزيون الى وحش ينهش أرواحنا

نشر بتاريخ: 29/10/2015 ( آخر تحديث: 29/10/2015 الساعة: 16:50 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

حين يضعف القادة السياسيون يلجأون الى شاشة التلفزيون للعب على غرائز الجمهور، من أجل البقاء في الحكم. وحين يفقد القادة منطق السيطرة والحكم يلجأون الى تهييج العوام وتثوير النفوس من اجل تمديد فترة حكمهم، وهو اسلوب رخيص لم يرق الى مستوى الثقافة الانسانية. ولا ينجح ذلك الا بوجود رؤساء تحرير امّعات وأنذال ومتكسبين يلعبون دور كلاب الحراسة للحاكم مهما كان الضرر العام .

وقد لاحظنا في الشهر الماضي سقوط الاعلام الاسرائيلي في شرك الدم والتحريض والكراهية، حد وصل الامر الى سقوط اسماء كبيرة ومحللين كبار في مستنقع الحقد وصولا الى الاشتراك في الجريمة واللعب بساحة الاحداث بل تزوير الوقائع واخفاء الادلة وفرض اجندات على السياسيين .

احد المحللين الاسرائيليين الكبار نسي انه على الهواء مباشرة وشتم "أم" شباب جبل المكبر، وقد شعر المتحدثون باللغة العبرية بالصدمة اذ يشاهدون على الهواء مباشرة هذا المحلل وهو يسقط الى مستوى زعران الشوارع والبلطجية ويتلفظ بهذه الالفاظ ضد العرب. اما الاذاعات المسموعة فكانت أشبه بموجة لاسلكي عسكري يوجه الجمهور نحو ساحات الدم واستضافت من هب ودب لتوسيع الجرح وتحريض المستمعين ، وان الاذاعات التي يخلو معظمها من صحفيين كبار ومحترفين صارت غابة تربي الوحوش ومصاصي الدماء .

بل ان العديد من المحللين وكبار الصحفيين في اسرائيل أحرقوا تاريخهم في اول اسبوع وتحوّلوا الى "وحوش " تبحث عن الدم والقتل والاذى، وتحرّض على الموت ضد العرب ، وقد نفذ صبر بعض الصحف الاسرائيلية مثل هاّرتس التي كتبت عنهم بالاسماء وانهم متطرفون وحاقدون على العرب لاسباب عائلية وشخصية ما جعل تغطيتهم للاحدث مجرد انتقام شخصي ، وان وجودهم على الشاشات كل يوم يشكل خطرا على المفاهيم الانسانية للصحافة وعلى موضوعية تغطية الاحداث .

بالاضافة الى القناة السابعة ومعاريف واسرائيل اليوم وجوروزاليم بوست ظهرت مواقع عبرية أكثر تطرفا دموية، تزرع الكراهية وتحصد الموت مثل 0404 ، وانحرفت مواقع اخبارية بشكل حاد و"مجنون " نحو اليمين المتطرف مثل موقع "واللاه " وهذا الموقع الجديد نسبيا (لولا أن الصحافي المعروف أفي زخاروف يكتب فيه لما كان أحد يقرأه) ويحرر اخباره ايتي ايشر ، ويرأس تحريره افي ايلكاعي وهو متطرف يميني كاره للاسلام والعرب ومؤيد لمجلة شارلي ايبدو حتى ان بعض الكتاب اليهود اعربوا عن صدمتهم من شدة انحراف الموقع الاخباري المذكور نحو الدفاع عن المستوطنين وجرائمهم وتحريضه ضد العرب بشكل يومي وممنهج .

وحاول بعض المحللين الاسرائيليين، والمراسلين للشؤون العربية الحفاظ على نوع من الموضوعية ونقل رواية الطرف الاخر ، لكنهم تعرّضوا للاذى والتهديد والضرب ، كما لاحظنا الاعتداء على طاقم القناة الثانية في العفولة من قبل شراذمة متطرفين ، وشاهدنا شتم مقدمة برامج في القناة العاشرة اورلي فلنائي، والشتائم ضد المحلل امنون رابنوفيتش وخروج تظاهرات ضده ذات يوم ، واهانة جدعون ليفي وعميره هس وغيرهما لمجرد انهم حاولوا عرض وجهة النظر الاخرى .


والاخطر من ذلك موجات البث المباشر ، ومن الناحية الاعلامية والسيكولوجية فان موجات البث المباشر التي لا يقودها مثقف ومحرر مسؤول هي اسهل طريقة لافقاد الجمهور رشده، واخراج اسوأ ردات الفعل بداخله ، وقد اعتمد رؤساء تحرير القنوات الاسرائيلية الخروج المتعمد لموجات البث المباشر باللغة العبرية وتوجيه الجمهور نحو المزيد من التسلح والمزيد من الكراهية ضد العرب ، واحيانا كانت تفتح الميايكروفونات لجمهور الشوارع ، ويجري بث صيحات الموت للعرب علنا امام الجمهور ما يثير الرغبة في القتل والتسريع في اصدار الاعدامات الميدانية .

والاخطر اننا لاحظنا في شهر اكتوبر انعدام النقد، وغياب اليسار ، وبعد وفاة موتي كيرشنباوم وهو مقدم برنامج يساري مع الصحفي يارون لندن في القناة العاشرة ، لاحظنا ندرة كبيرة في استضافة اي يساري على الشاشة ، وحتى غياب دور الوسط لفترة طويلة ، وعدم بث تصريحات المعتدلين سوى من خلال تسجيل سريع واعطاء اكثر من 90% من البث لليمين المنحرف والمتطرفين والمستوطنين . فلم يظهر ابراهام بورغ سوى مرة واحدة ، وحين ظهر جدعون ليفي على الشاشة هوجم بشكل عنيف من ستة ضيوف يمين ولم يتمكن من عرض وجهة نظره ، وجرى مقاطعته . وظهر عمرام متسناع مرة واحدة في غير فترة الذروة ولم تظهر شخصيات مثل اوري افنيري وشولميت الوني بتاتا وزهافا جلئون طوال فترة الدم .

والاكثر خطورة هو التحريض الممنهج والموجه ضد اعضاء الكنيست العرب، واستخدام كل ما يلزم لاظهارهم كمجرمين وقتلة وعرب مخربين وليسوا كاعضاء كنيست منتخبين ، ولاحظنا انه يتم استضافتهم ضمن تقارير في الشارع وليس في الاستوديو ما ينزع قدرتهم على التأثير .

واكثر من ذلك ان الاعلام الاسرائيلي كله رفض ترجمة كلمة الرئيس ابو مازن مباشرة ، وقام بتأجيلها . ما يدل على ان جميع القنوات تتلقى الاوامر من مكتب نتانياهو ، وان نتانياهو لم يعد يمتلك صحف اسرائيل هيوم وجوروزاليم بوست وموقع "والله" ومعاريف فقط ، وانما سادت سيطرته على جميع القنوات والصحف ، وفرض وجهة نظره على جميع المواقع الاخبارية المؤثرة .

سقط الاعلام الاسرائيلي في شهر اكتوبر ، وقد قمنا بتسجيل جميع موجات البث وعناوين الاخبار . لنثبت للعالم في كل مكان ان الاعلام العبري بغالبيته صار مجندا للحكم العسكري للاحتلال ، وبقصد او من دون قصد فانه ليس اعلاما حرا ولا ديموقراطيا ولا معتدلا . بل هو ينازع الروح تحت وطأة الرقيب العسكري ، ومرة اخرى يظهر قلة قليلة مرتجفة من الصحافيين اليهود يستطيعون الوقوف في وجه القطيع ، اما الباقون فلم يترددوا في طاطأة رؤوسهم للحاكم العسكري والثغاء في قطيع المستوطنين وحتى الدفاع عن الارهابيين اليهود احيانا كثيرة .