نشر بتاريخ: 04/11/2015 ( آخر تحديث: 04/11/2015 الساعة: 10:39 )
الكاتب: مصطفى ابراهيم
منذ سنوات والأجهزة الأمنية الإسرائيلية الحالية، و مسؤولين سابقين في الأجهزة الأمنية والجيش يحذرون من إنتفاضة فلسطينية ثالثة، وأن غياب الأفق السياسي سيعجل من إندلاعها وتحذيراتهم كانت ولا تزال قائمة على معلومات إستخباراتية ومتابعة دقيقة لحياة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة والحال الذي وصل إليه الفلسطينيين، و تغول المستوطنين وتضخم دولتهم على حساب الدولة إلام إسرائيل وبدعم وتشجيع الحكومات المتعاقبة.
ينطلق هؤلاء الأمنيين من المصالح الأمنية العليا لإسرائيل وموقف بعضهم الإيديولوجي والسياسي من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة خاصة حكومات نتانياهو السابقة والحالية ذات الصبغة اليمنية القومية والدينية المتطرفة الإستيطانية، ولمنع أي تحرك وطني وخشية من إندلاع إنتفاضة لما لذلك من تأثير على إسرائيل و تعميق من مشكلاتها، والتحديات القائمة أمامها على المستوى الدولي في ظل الجرائم التي ترتكبها وحملات المقاطعة الدولية التي بدأت تزعجها وتؤثر على سمعتها، أو ما يجري حولها في الإقليم في بعض الدول العربية.
خلال الأيام السابقة نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية ما قاله رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، هرتسي هليفي، بأن أحد أهم العوامل في الهبة الحالية، التي قارنها بالحروب، هي موضوع الوعي والمعرفة.
وقال إن "هذه الحرب ليست كباقي الحروب، لا شأن لمن قتل أكثر، هذا الجانب أم ذاك، أو إلى أين وصل التقدم على الأرض وأين غرست علمك، جميعنا خلال الشهر الأخير غسلنا أدمغتنا من خلال رؤيتنا فيديوهات لعمليات الطعن مرة بعد أخرى، هذه المشاهدات سببت حالة هلع لدى الشعب الإسرائيلي لو وجدت عام 1948 ورأى الشعب فيديوهات للطرون أو سان سيمون لما قامت دولة إسرائيل".
وأضاف "إن سبب العمليات التي ينفذها الفلسطينيون هو اليأس والإحباط وشعورهم بعدم وجود ما يخسرونه، خاصة لدى الجيل الشاب، و أن السلطة الفلسطينية لا تستطيع التأثير على هؤلاء الشبان، و أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وأجهزته الأمنية يحاولون جاهدين منع تنفيذ عمليات ضد إسرائيل، لكن الوضع القائم ورؤية فيديوهات لعمليات ضد إسرائيل يشجع الشبان على تنفيذ المزيد منها، و بسبب الفجوة العميقة التي تشكلت بين السلطة وبين الجيل الشاب من الفلسطينيين.
وعلى الرغم من تحذيرات المسؤولين الأمنيين السابقين والحاليين فإنهم يعيشوا حالة إنكار ولم يتطرقوا إلى الأسباب الحقيقية للهبة الشعبية، وأن عنجهية الإحتلال و تقسيم ما تبقى من أرض في الضفة الغربية وترسيخ سيطرة دولة إسرائيل و دولة المستوطنين، و المشروع الاستيطاني هو السبب و يتمدد كالسرطان وما يقوم به المستوطنين من ممارسات وجرائم ولديهم وقوانينهم وسلطتهم الخاصة بهم، وهذا وحده كافي كي يكون سبب و يخلق حافزاً قوياً لثورة الفلسطينيين. بالإضافة لما تقوم به الحكومة الإسرائيلية منذ سنوات بفرض حقائق جديدة على الأرض وممارسة سيادتها في القدس و إقتحامات المسجد الأقصى، والتدهور الاقتصادي وعرقلة و الحد من قدرة الفلسطينيين على الإستفادة من مواردهم الطبيعية واقتصادهم على التطور، وزيادة نسب الفقر والبطالة، وتآكل السلطة وعجزها عن تلبية إحتياجات الناس.
والإنتهاكات اليومية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي واستباحة كل شيء، بالإضافة للوضع المأسوي في قطاع غزة، والحصار المفروض على القطاع ودورات العدوان المستمرة، وتقويض السلطة و الذي يحول دون قدرة الناس على التنقل بحرية بين الضفة وقطاع غزة.
ومع كل ذلك إستمرت القيادة الفلسطينية في مناوراتها السياسية وتوجهها الفاشل لمجلس الأمن لإقامة دولة فلسطينية خلال ثلاث سنوات، وتعليق أمال على العودة للمفاوضات وإيمانها العميق أنها الحل الوحيد بالتحرر والاستقلال، في ظل إستمرار الإنقسام وتعزيزه، ومضيها قدما في عدم إتخاذ خطوات إستراتيجية بالتحلل من إتفاقيات أوسلو الإقتصادية والأمنية، و لم تستمع مرة واحدة لنبض الشارع أو تستجب القيادة و لم تستطع تلبية إحتياجات الناس خاصة الشبان الذين فقدوا الأمل، والتمييز و التهميش التي لا تزال تمارسه السلطة بحق القطاع، والتمييز القائم في الضفة بين مدينة رام الله وتركيز كل الاهتمام عليها عن بقية مدن الضفة.
ولا تزال برغم صمتها عن الانخراط في ما يجري وفهم سبب انتفاض الناس خاصة الشباب ضد الإحتلال الإسرائيلي، وتبريرها أن السبب هو إقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى فقط وليس الاحتلال برمته ومحاولته فرض سيادته وتغيير الوضع التاريخ في القدس، وما تبقى من فلسطين.
الهبة أو الإحتجاجات الشعبية السلمية في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، هي إستراتيجية جديدة إبتكرها الشبان في مواجهة الإحتلال وما أصابه من رعب وهلع ورفض الواقع القائم وفقدان الأمل، و المعركة على الوعي بالحق وتقرير المصير، والمعرفة بمجاراة إسرائيل النووية والبون الشاسع معها في التكنولوجيا والتطور العلمي الهائل، و كل عمليات كي الوعي والتجهيل الذي نمارسه على أنفسنا وعدم إيمان القيادة والفصائل بذلك، ومحاولات خلق جيل لا يعي ولا يبحث عن المعرفة، وعجز القيادة عن فهم و إكتشاف قدرات الشبان.
الإحتلال هو سبب أزمات الفلسطينيين، والمعركة طويلة ولا تقتصر على الهبات الشعبية والجماهيرية وطعن السكاكين والفزعات والمقاومة المسلحة فقط، إنما بإعادة بناء الإنسان وفق إستراتيجية وطنية وتعزيز مفاهيم الوعي الوطني والمعرفة وإتاحة كل سبل أمامهم للتطور، فالمقاومة أشكالها مختلفة، وبرغم كل أدوات البطش والقمع والقتل و الإعتقالات، فالفلسطينيون يمتلكون الشجاعة و الإرادة، و لن يثني الفلسطينيين عن المطالبة والنضال من اجل حقوقهم وحريتهم، لكن هذا ليس كافي لمواجهة الاحتلال وتقرير المصير والحرية.