نشر بتاريخ: 08/11/2015 ( آخر تحديث: 08/11/2015 الساعة: 15:43 )
الكاتب: د. جهاد حمد
كثرت المسميات لها، فالبعض من يسميها انتفاضة الشباب، والبعض الاخر من يسميها انتفاضة الاقصى، واخرين من يسميها هبة جماهيرية، وغيره من المسميات، الا ان المهم هنا، هذا الفعل المنتفض ومقومات استمراره وما ستوؤل اليه الاضاع وكيفية تنظيمها ومن ثم تحقيق الانجازات الحقيقية، وبالتالي الاستثمار السليم لهذا الفعل الجماهيري النضالي. حيث أن الانتفاضة الفلسطينية قد سبقت كل التوقعات، وخطت بنشاطها وكتبت عن منتفضيها بالدم والشهداء، لقد سبقت الفلسطينيين أنفسهم بتنوع فعلها وحراكها وتفعالاتها الداخلية والخارجية.
نعم، إنها الانتفاضة التي أصبحت تخطو الخطوات وتشق الطريق وتضع الخطوط لهذا الشباب الفلسطيني المنتفض، انها هي القيادة التي تقود الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة للدفاع عن كرامته ومقدساته، نحو الحرية والكرامة.
إن هذا المشهد الفلسطيني المنتفض يقول: "إن الشعب لم يستأذن أحدا، لا قيادات و لا سلطة ولا مسؤولين، لم يستأذن ابسياسي، ولم يستاذن الحزبي والتنظيمي، لم يستأذن الحركات السياسية وقياداتها لا داخليا ولا خارجيا، لم يستاذن من قيادي يميني او قيادي يساري.
إن هذا الشعب المعطاء ينتفض ولا يكل ولا يمل ولا يتذمر من "ضخ " المزيد من الدماء الجديدة من هذا الشباب الفلسطيني الذي يقود الشارع الفلسطيني أمام آلة الدمار والقتل الاسرائيلية؛ لايمنعه الاسلاك الشائكة، أو جدار الفصل العنصري، ولا يردعه انتشار الجنود المدججين في كل شارع من شوارع فلسطين، وسطها وعاصمتها، شمالها وجنوبها شرقها وغربها ولا يصده الحواجز، اوالجنود المدججين بأعتى آلات القمع والتنكيل.
الا انه هناك أسئلة صعبة وقد تكون مؤلمة تتداول هنا وهناك، أسئلة يوجهها الشعب الفلسطيني الى "قيادته السياسية" ؛ وفي البداية: هاهي الانتفاضة ، وماذا بعد، وماهي الخطوات القادمة؟، ما هي التكتيكات والاستراتيجيات العملية العقلانية الفاعلة من اجل احتضان هذا الزخم النضالي، وهذا الكم الهائل المتدفق من التضحيات؟ ماذا ستعملون كقيادة ؟ ماذا ستخططون، وكيف ستستثمرون وانتم مازلتم على فرقة وانقسام؟ وهل ستكون المواقف والقرارات بمستوى هذه التضحيات؟ وهل لديكم "كقيادة" الالية والتقنية والمهارة والوعي السياسي كي تترجمون هذا التضحيات الى منجزات مادية ملموسة، وليست بتصريحات ومناشدات معنوية، أم أنكم ستكتفون بالشجب والاستنكار وعلاقات عامة ، كالذهاب للمؤسسات الدولية، للدول لطلب العون المالي ام انكم ستكتفون بعقد المؤتمرات من اجل تعويض ما قام ويقوم به الاحتلال من قتل للبشر وتدمير للشجر والحجر؟ والاسئلة كثيرة، ولكن لفحص هذا المشهد يتصدر السؤال الاهم ماذا سيفعل الفلسطينيون لو طالت الانتفاضة لأمد طويل، هل سيتم ادارتها بنفس منهجية واسلوب الانتفاضات السابقة؟
لكل عمل نضالي بحاجة الى برنامج، وقيادة تديره وتوجهه، في السابق كامت القيادة الوطنية الموحدة، واليوم من هي القيادة، ومن سيدير هذه المعركة؟ هذا العمل الكفاحي المستمر بحاجة لادارة سياسية وميدانية تديره بوعي وتكافل وتكامل من الكل الفلسطيني من اجل تحقيق أهداف واضحة، قياظة بعيدة عن الفئوية والحزبية، قيادة نظيفة من الفساد، قيادة وبرنامج مشترك، متفق عليه، برنامج ديناميكي، عملي يتوافق مع المتغيرات الداخلية والخارجية كي لا تكون ضحية الانقسامات والخلافات ولا تصبح ضحية للاستثمار الخاطئ؟
من أجل الاجابة على هذا الاسئلة وغيرها، فانه من حق الشعب الفلسطيني وحق دماء شهدائه المستمرة، الا يترك حائرا تائها، مشوشا، لا توجد له بوصلة، وخصوصا بان لدى هذا الشعب الفلسطيني العظيم رصيدا كبيرا وتاريخا طويلا مليئا بالتجارب الكفاحية منذ بدايات الاستعمار البريطاني، وما افرزه من زرع وتجسيد للاحتلال الاسرائيلي، هذا الرصيد الذي يؤهله لقيادة وادارة انتفاضة ثالثة على طريق الحرية والاستقلال، الا ان المتفحص لهذا الواقع المرير الذي يعيشه الشعب الفلسطيني وقيادته المنقسمة على حالها داخليا وخارجيا يقول شيئا آخرا،
حيث ان البعض مازال يعيش على أوهام الخيار السلمي وويتغنى ويتغزل بالتفاوض، والبعض الاخر مازالت تسيطر عليه التصرفات الفئوية والتعصب الحزبي والتوجهات الانفرادية المندفعة احيانا لدرجة انها لم تستثمر بالطرق الصحيحة، بل مازالت تعشعش في نفوس بعض القيادات التاريخية التمجد بالماضي وتاريخ أمجاد الحزب لانجازات بعضها واهمة لم تقدم ولا تؤخر شيئا، والبعض الاخر لم يتم إستثمارها سليما، بل استغلت لمصالح خاصة ضيقة. واصبح الفسطينيين مبدعون في تقديم التضحيات وفشلة في استثمارها وكم من فرصة تم اضاعتها بسبب ضعف وغباء السياسة الفلسطينية التي مازلت تسيطير عليها حالة الانقسام والتشرذم.
ومن أجل احداث التغيير في هذه المعادلة ، ومن اجل قراءة الواقع ومعطياته، يجب العمل على تحويل هذه التضحيات الى منجزات وهذا من خلال تنظيم وادارة ومن ثم استثمار الانتفاضة، وإن طال عمرها. ولتحقيق ذلك اولا وقبل كل شيئ وجب على الفلسطينيين إنهاء حالة الانقسام التي طال عمرها ودمرت الكثير معنويا وماديا، داخليا وخارجيا. وهذا يتطلب ايضا تحقيق وانجاز الوحدة الوطنية الحقيقية القائمة على اشراك الكل الفلسطيني في جميع نواحي الحياة السياسية، والاجتماعية والاقتصادية، داخليا وخارجيا، والابتعاد عن احتكار القرار الفلسطيني وهيمنة الحزب الواحد. إن التركيز على وحدة الصف الفلسطيني الداخلي قضية في غاية الاهمية، والتي ستدفع باتجاه المحافظة على البيت الفلسطيني، وتقسيم العمل، وتحمل المسؤوليات، واستمرار الانتفاضة والمحافظة على انجازاتها،
اما اذا استمرت حالة التشرذم فانها ستؤدي الى وؤد الانتفاضة وستتعدد اللرؤى والتوجهات وستضعف قوة دفعها.
وفي الجانب الاخر على الفلسطينيين قيادة وشعب، العمل على تحديد اهداف واضحة للانتفاضة، والعمل على تنظيم هذا الفعل الفلسطيني المقاوم وفق خطط واستراتيجيات قصيرة وبعيدة المدى بهدف تحقيق الهدف الاستراتيجي في انهاء الاحتلال.
ان الانتفاضة الفلسطينية بحاجة الى ترتيب بيتها الداخلي من خلال التصاقها وتكاملها مع الشعب، ومن خلال افراز قيادة ذات وعي وتجربة وعلم بالحالة السياسية المحلية والاقليمية والدولية.
هناك الكثير مما يمكن الحديث عنه الا انني اكتفي هنا بهذا القدر المتواضع في قراءة الانتفاضة.