الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

في ذكرى رحيل الزعيم ..

نشر بتاريخ: 09/11/2015 ( آخر تحديث: 09/11/2015 الساعة: 11:09 )

الكاتب: يونس العموري

حيث ان الساحة الفلسطينية تعيش واحدة من فصول المجابهة والمواجهة مع الاحتلال على مختلف النواحي والصعيد، وحيث ان الواقع الفلسطيني قد اضحى اكثر تعقيدا، وحيث ان الذكرى تأبى الا ان تجيء في ظل معطيات تجبرنا ارغاما على الوقوف والتوقف امام الظاهرة العرفاتية باميتاز. وكنت قد أنهيت لتوي قراءة مؤلفة أمنون كابليوك ( عرفات الذي لا يُقهر) واعترف أنني قد توقفت كثيرا أمام ما راح يسرده الكاتب لمحطات مفصلية في مسيرة الزعيم الراحل ياسر عرفات وكيفية أدرته للشأن الفلسطيني المعقد بكافة تفاصيله وتعقيداته بمختلف المراحل وعلى كافة المستويات وفي كل مرة كنت أحاول استعادة تفاصيل تلك المرحلة وحقيقة الآراء التي كانت تتبلور هنا أو هناك حول الخطوات والتحركات العرفاتية إذا ما جاز التعبير آنذاك وكنت أجد أن إدارة الشأن السياسي الفلسطيني بكافة تشابكاته وخيوطها كان يتطلب ابتداع معادلات دقيقة كالسير وسط حقل الألغام وهذا بالضبط ما استطاع عرفات ببراعته أن يبتدعه... 

بل إن الكثير من المحطات تلك كادت أن تودي بالمسألة الفلسطينية وتنذر بتصفيتها جراء الحجم الهائل من المؤامرات وربما أيضا الأخطاء القاتلة والإخفاقات المتتالية التي منيت بها القيادة الفلسطينية إلا أن عرفات كان في كل مرة ينهض من جديد ويعاود للإمساك بزمام المبادرة على طريقته ومن خلال حساباته... والمهم في هذا الكلام كله هو حقيقة وطبيعة المرحلة والظرف الراهن... حيث أننا كنا قد قلنا ما بعد رحيل الزعيم ياسر عرفات إننا لسنا بحاجة إلى تجربة عرفاتية جديدة ولا نريد استنساخ عرفات جديد ولا يمكن لنا أن نستنسخ هذه التجربة من جديد وكنا قد قلنا في حينها أننا بحاجة إلى تعزيز دور المؤسسة القيادية على أسس علمية في إطار نهج القيادة الجماعية وشراكة الكل الوطني دون اللجوء إلى التفرد والهيمنة واتخاذ القرار من طرف دون الطرف الأخر... وتعزيز أواصر ما يسمى بالوحدة الوطنية هذا الشعار الذي أضحى مستهلكا لا قيمة له على الأرض وأمام الاستحقاقات الوطنية . 

ومن خلال التشخيص الواقعي البعيد عن المزايدات ورفع الشعارات البراقة والطنانة نلحظ أن ثمة خلل كبير في إدارة الشأن الفلسطيني عموما وعلى مختلف الصُعد واقصد هنا بالشأن الفلسطيني هو حقائق إدارة الجبهة الداخلية والإمساك بكل خيوط اللعبة الداخلية على أساس الشراكة في الوطن وان الوطن للجميع ولا مكان لمن يحاول أن يستأثر به دون الأخر وعلى الأقل هذا ما يحدث على الساحة الداخلية حيث الاعتقاد المطلق لكل جهة أو طرف أو صاحب وجهة نظر انه الوحيد الذي يملك الحقيقة ولا احد دونه يملك الحق حتى في إبداء الرأي أو النقاش وإذا كان عرفات قد أدار الشأن الداخلي ببراعته المعهودة والمعلومة ومن خلال حضور شخصيته وسيطرته على كل تناقضات الداخل وتجاذباتها بالشكل الفردي أو التفرد بالقرار فأنه بذات الوقت كان يعي متى وكيف يوظف كل هذه التناقضات خدمة للمسالة الفلسطينية وكيف كان يستفيد حتى من هذه التجاذبات في مواجهة الخصوم العرب وحتى الأعداء من خلال تناقضات الساحة الفلسطينية التي لم يسمح يوما أن تتفجر وتصبح أزمة متدحرجة على الشكل التي نشهده هذه الأيام .

في ظل وجود ما يسمى بالمؤسسة القيادية التي عجزت وحتى تاريخه على إدارة الشأن الفلسطيني الداخلي بل إن هذا الواقع الداخلي قد تتدهورت أوضاعه إلى الدرجات الدنيا غير المسبوقة بالتاريخ الفلسطيني حيث العجز الواضح والفاضح لكل المؤسسات الوطنية الفلسطينية سواء أكانت تلك المنضوية في إطار السلطة الوطنية أو تلك منضوية تحت راية م. ت. ف أو حتى مؤسسات التنظيمات والأحزاب اليمينية منها وتلك اليسارية فكل هذه المؤسسات عاجزة وعاجزة جدا عن مواجهة تداعيات سياسات التجويع والقهر والإذلال الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني بل إن هذه المؤسسات التي من المفروض أنها الأقوى والأقدر على مواجهة الوقائع الداخلية من سطوة الزعيم أو القائد قد أظهرت إفلاسها ولا تستطيع أن تعالج أيا من القضايا المطروحة اليوم وبقوة على طاولة البحث الفلسطيني والمتمثلة بشكل أساسي بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية للداخل الفلسطيني التي بلا أدنى شك أنها مرتبطة بجملة من التطورات السياسية الإقليمية والدولية ومن هنا كانت براعة الزعيم وابتداعاته فيما يخص الرؤية الثاقبة والفعلية في المزاوجة ما بين احتياجات الشعب وقدرته وما بين الفعل السياسي ودهاليزه وخباياه والتمسك بذات الوقت بالثوابت والحقوق وفتح الهوامش للتعاطي الفلسطيني السياسي على مختلف الجبهات والساحات وإبقاء الرقم الفلسطيني فارضا نفسه في المعادلة المحلية وتلك الإقليمية وحتى الدولية الأمر الذي نفتقده جدا هذه الأيام حيث العزل والخنق والحصار بل والتهميش للرقم الفلسطيني الذي من المفروض أن يكون المركزي على المستوى الإقليمي على الأقل... وهو الأمر الغائب بامتياز بالظرف الراهن...

ربما يكون عرفات قد تفرد بالقرار الفلسطيني وربما يكون قد هيمن على المؤسسة الرسمية الفلسطينية ولكنه يوما لم بغفل وقائع القضية الفلسطينية بكل تفاصيلها حتى أنه كان يلقب بملك التفاصيل كونه يدرك أن الشيطان يسكن بالتفاصيل وتحديدا تلك التفاصيل المتعلقة بالداخل والعمق الفلسطيني، كان يعي كيف ينسج تحالفاته مع الخصوم الفلسطينيون وكيف من الممكن أن يتحاور وإياهم دون أن يقطع شعرة معاوية إلا إذا أنفرض قطعها رغما عنه... وكان يبحث عن التلاقي وسط الاختلافات وان كانت هذه الاختلافات جوهرية يحاول أن يوسع من مساحات التلاقي وان كانت على قضايا بديهية... ناضل كثير في سبيل استقلالية القرار وعدم زجه بسياسات المحاور الإقليمية... وهذا ما تحاول المؤسسة الفلسطينية بالظرف الراهن أن تتعاطى معه دون تحقيق الحد الأدنى من النجاحات المطلوبة...

إن ياسر عرفات كان يعي هموم شعبه ويعلم قدراته ومقدراته بكل المراحل وعرف كيف يوظف طاقات شعبه الفلسطيني في الأزمات ولم يكن ليحمله ما لا طاقة لها به... حيث انه وفي هذا السياق خبر التعامل مع شجون وغضب الشعب وعرف كيف يمتص نقمته بكل المراحل والمفاصل... راهن على الشعب كثيرا ووقف إلى جانبه بكل المحطات التي كانت تستهدف القرار الفلسطيني والمسألة الوطنية... محافظا بذات الوقت على أبجديات استمرار الشعب بالحياة والعوامل الأولية لمعادلة الصمود... وهاهي المؤسسة الفلسطينية البديلة عن (عرفات المهيمن والديكتاتور...) في واد وجماهير الشعب الفلسطيني في واد أخر... وهاهي هموم الشعب في ظل هبة الغضب بوجه الاحتلال، وهمومه غير المسبوقة ايضا مع لقمة العيش تشكل العنصر الضاغط على صانعي القرار السياسي الفلسطيني الرسمي... دون أن تستجيب لمتطلباته تلك المؤسسات الكثيرة التي أصبحت من المفروض أنها قادة وقيادة هذا الشعب بل أثبتت عجزها وفشلها في تنظيم ذاتها والكل برأيي يتحمل المسؤولية لسبب بسيط أن أحدا لم يريد ولم يسعى ويعمل في سبيل أن يقف عند مسؤولياته.... فقد سيطر الشد التنظيمي والمصلحة الحزبية على مصالح الناس والشعب وجماهير هذه التنظيمات... وكانت سياسة تصفية الحسابات في الشارع ومن الشارع منطلقة وأدخلت جماهير هذا الشعب في دوامة الاستقطاب الثنائي والثلاثي في ظل ضياع بوصلة الوطن والتي اعتقد أن عرفات كان قد امتلكها بمراحله المختلفة مع الاختلافات والتجاذبات الكبيرة والكثيرة عليه وعلى سياساته ومع ذلك كان الضمانة الوطنية الكبرى عند الاختلاف أو حتى الاقتتال الداخلي إن حدث.... والسؤال الذي اطرحه بالنهاية وبصراحة لا أجد الإجابة عليه.... هل نحن بحاجة إلى عرفات من جديد... بعد أن فشلت مؤسساتنا الوطنية بالقيادة...؟؟