الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الحكومة الفلسطينية ووقائع المرحلة

نشر بتاريخ: 16/11/2015 ( آخر تحديث: 16/11/2015 الساعة: 14:09 )

الكاتب: يونس العموري

مما لاشك فيه ان واقع الحكومة الفلسطينية والتي يقودها د.رامي الحمد لله ، تعيش الكثير من الأزمات والتحديات التي تفرض نفسها جراء حقيقة الوقائع الفلسطينية، ووقائع المرحلة من حيث تطورات الهبة الوطنية الشعبية ، وجملة التطورات التي تخضع لها الساحة الفلسطينة وقوانين اللعبة السياسية، في ظل المستجدات الراهنة وعلى مختلف المستويات والصعد، الأمر الذي انعكس وما زال ينعكس على أي اداء حكومي رسمي في فلسطين في ظل اختلاط المعايير وانقلابها وتقلبها على القوانين والدساتير والأنظمة واللوائح، التي من شأنها تنظيم العمل الحكومي وطبائعه.

ولأن الساحة الفسلطينية مختلفة ولا تخضع لأي من القوانين ومواد ودهاليز الدساتير والأنظمة فمن الطبيعي ان تأتي حكومة رامي الحمد الله الحالية مختلفة وغير خاضعة حتى للمنطق الدستوري او القانوني الشرعي... بقدر خضوعها لضرورات المرحلة ومتطلبات العملية الواقعية على حد تعبير الواقعية السياسية وأنصارها الجدد في ميدان العمل والفعل السياسي الراهن على الساحة الفلسطينية والعربية بشكل عام، بحيث أن الواقع ومتطلباته واحتياجات الفعل السياسي الإقليمي وارتباطاته الدولية وخلق التوازنات وفقا لرغبات النظام العالمي وانظمته وقوانيه وتماشيا وإرادة قادة وسادة المحاور المسيطرة في المنطقة وشبكات التحالفات وتعقيداتها باتت من تفرض بثقلها وبظلها على الشأن المحلي لدول واقطار المنطقة .. كا هو الحال على الساحة اللبنانية والفلسطينية.. الا ان هذه الضرورات قد تكون فارضة لنفسها فيما سبق الا انه وفي معطيات وافرازات الهبة اشلعبية الراهنة فاعتقد انه من بات من الضروري تغير هذه الحكومة بحيث ان المطلوب حكومة وطنية سياسية من الطراز الاول لا حكومة ذات طابع تكنوقراطي غير قصائلية ..

وعلى هذا الأساس نرى أن حكومة د. رامي الحمد لله قد جاءت خارجة عن النص وعن القانون وبالتالي عن منطق تشكيل الحكومات وفقا لرغبات الإجماع الوطني الذي يعكس نفسه من خلال الخارطة الوجودية للقوى والتيارات السياسية الفلسطينية على ساحة الفعل، وبالتالي جاءت هذه الحكومة لتعكس جوهر أزمة الحركة الوطنية الفلسطينية على مختلف مشاربها وتنوعاتها وبصرف النظر عن حجومها، الأمر الذي إستدعى أن تتشكل حكومة السلطة على النحو الذي نشهد بالظرف الراهن، والتي لا تعكس بالضرورة حقيقة وقائع الحركة الوطنية، وإنما تعكس بالأساس جوهر الإنهيار الذي تعاني منه هذه الحركة وبالتالي عدم مقدرتها على الإطلاع بمسؤولياتها التاريخية من جهة، وعدم مقدرتها على انتاج نظام سياسي توافقي قادر على قيادة الشأن المحلي الداخلي بكل اتصالاته الإقليمية والدولية، مما يعني أن النظام السياسي الفلسطيني مصاب بنوع من التقهقر بكافة جوانبه، وهو ما يفسر استمرار حكومة د. قياض بالظرف الراهن وبرأيي هذا يعود لسبب بسيط والذي يتمثل بعدم جهوزية البديل، وإلا فإن الفراغ سيكون سيد الموقف طالما أن قوانين اللعبة السياسية المُهجنة بالتجربة السلطوية الفلسطينية تحتم وجود حكومة وزارية تعتلي منصة النظام السياسي الفلسطيني، وهو الأمر الذي أعتقد أنه سائر عكس حركة التاريخ ذاتها على اعتبار ان الإجابة على السؤال الأكبر حتى تاريخه غير قائمة والمتمثل بتوصيف طبيعة المرحلة التي تعبرها القضية الفلسطينية وهل ما زالت بمرحلة التحرر الوطني ام انها في طور عملية بناء الدولة وتطوير أداءها..؟؟

وبكل الأحوال فإن الإجابة على هكذا تساؤل سيحل العديد من المعضلات بالنظام السياسي الفلسطيني برمته... وهو الأكثر الحاحا بالظرف الراهن ومن الضروري أن تقف أركان الحركة الوطنية وقفة جادة وشجاعة للإجابة على هذا التساؤل الذي سيحدد حقيقة وجوهر المصير الوطني برمته... وإلا فمرة سيكون الفراغ والصراع سيد الموقف في ظل وهم معايشة السلطة وقوانين تكويناتها التي لا تخفى على أحد حقائق مساراتها بالظرف الراهن ومتطلبات وجودها كما هي التحديات التي تفرض نفسها على طريق استكمال المشروع الوطني بالسيادة وتقرير المصير وبناء الدولة في ظل الأجندة للسياسة الأمريكية للمنطقة عموما.

إن الحكومة الفلسطينية الحالية تعيش الكثير من التناقضات والتجذبات ما بينها وبين التكوينات الأساسية للشعب الفلسطيني وهي النتيجة الطبيعية للحالة الشعبوية الفلسطينية السائدة حيث وقائع الشرذمة والإنقسام وتراجع الحركة الوطنية الفلسطينية بعناوينها الكلاسيكية عن مسؤولياتها، وبالأخص عدم إمساكها بزمام المبادرة ذات الطابع التأثيري اطرادا بالشكل الإيجابي بالحياة السياسية على مختلف مستوياتها وأصعدتها، مما كان له الأثر الكبير في تراجع دور الحركة الوطنية بكافة تشكيلاتها وبالتالي جاءت الحكومة الفلسطينية على النحو الذي نشهد... وهو الأمر الذي لابد من أن يخلق جملة من التناقضات مع تكوينات المجتمع الفلسطيني السياسي على اعتبار أن هذه الحكومة لا تعكس بالضرورة فسيفساء الخارطة السياسية للقوى الفلسطينية عموما وبالتالي تجيء هذه الحكومة كبديل عن حالة التوافق التي من المفترض أن تنشأ ما بين زعامات وأمراء الحالة الفلسطينية السياسية الوطنية.

إن النتيجة الطبيعية لمثل هذه الحالة المتناقضة هو نشوء الكثير من الأزمات ما بين الحكومة مجتمعة وما بين تكوينات الحركة الوطنية وعلى وجه التحديد ما بين حركة فتح وما بين حكومة الدكتور رامي الحمد لله على إعتبار أن هذه الحكومة تحكم وتمارس عملها بجيش غير تابع لها.. والمقصود هنا أركان ومفاصل القوى الأمنية العاملة في الأراضي الفلسطينية وأركان ومفاصل الوزارات التي من المفترض انها تعمل تحت إمرة وقيادة وزرائها، إلا أن الواقع وللأسف عكس ذلك تماما.

ولعل هذه الأزمات تتلخص بالأتي:

• أزمة جوهرية حول حقيقة منهج عمل الحكومة ورؤيتها للأمور من خلال المناظير الوطينة الكلاسيكية والتي تحكم مسار العمل الفلسطيني الرسمي وتحديد طبيعة سلم الأولويات والأهتمامات على رأس العمل الحكومي.

• قوة هذه الحكومة بضعفها الذاتي.. بمعنى أن هذه الحكومة تعلم تماما ان لا بديل عنها بالظرف الراهن وان لا مجال لإجراء أي من التغيرات الجوهرية على اركانها جراء الأزمات القانونية والدستورية التي تعيشها الحياة السياسية الفلسطينية بالعمق.. وبالتالي فإن بقاءها كما هي عليه حاليا يمنحها نوعا من الإستقرار مما يسهم في تأزيم وتعميق الشرخ ما بينها وما بين القوى السياسية الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح.

• عدم تسليم حركة فتح ببقاء وامتداد عمر هذه الحكومة مع ما تمثل، وهي بذات الوقت، اي حركة فتح، تشكل السياج الحامي للحكومة ... مما خلق ويخلق تناقضا في التعاطي معها ومع مقراراتها.

• نجاح الحكومة في توفير الرواتب والميزانيات الأولية للسلطة لا يمكن ان يوفر لها الغطاء الشعبي والجماهيري مما يزيد في حجم الهوة ما بينها وما بين الجمهور عموما.... على اعتبار ان النظرة الجماهيرية لهذه الحكومة انها حكومة الإرادة الأمريكية.

• التعاطي مع الحكومة بوصفها تمثل السياسية الليبرالية الجديدة على الساحة الفلسطينية مما أعطى ايحاءا ان التيار الليبرالي ينمو وبقوة في الوسط الفلسطيني وهو المتقاطع الى حد كبير مع ما يسمى بأنصار الواقعية السياسية الجديدة المعتمد على التحالفات الأمريكية ومحاورها بالمنطقة... وهو التيار المتصادم مع التيار الوطني وتكويناته عموما.