نشر بتاريخ: 17/11/2015 ( آخر تحديث: 17/11/2015 الساعة: 10:10 )
الكاتب: أحمد مسمح
لم تكد تفيق موسكو من حادثة إسقاط الطائرة المدينة فوق شبه جزيرة سيناء، حتى تحول ليلُ باريس إلى ثوب أحمر من كثرة الدماء التي سقطت بسبب سلسلة تفجيرات وهجمات متزامنة على عدة أماكن في العاصمة، وسارعت الشرطة إلى قتل المهاجمين وتحرير الرهائن وإجلاء القتلى، وأعلنت فرنسا حالة الطوارئ وأغلقت الحدود، واتجهت الاتهامات فوراً إلى تنظيم الدولة؛ لأن كلا الدولتين (روسيا-فرنسا) تشاركان في الهجمات في سوريا ضدها، وكان حجم الصدمة كبيراً في فرنسا نظراً لقوة التفجيرات وحجم الضحايا، حيث وصل العدد إلي (130) قتيلاً، حيث وُصفت بأحداث الحادي عشر من سبتمبر.
كما حدثت تفجيرات أخرى في لبنان راح ضحيتها أبرياء، كل هذه التفجيرات مدانة ومستنكرة ولا تمت للإسلام بصلة، وهي بعيدة كل البعد عن الإنسانية والعدالة وقيم الإسلام، فلا يؤخذ أحد بجريرة آخر، ولا يستهدف مدني آمن في بلده، فالله تعالى يقول: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]، فهذا قانون القتال في الإسلام.
صحيحٌ أن حادثة تفجير الطائرة الروسية وتفجيرات باريس منفصلة عن تفجير لبنان، إلا أن المنطقة تدخل في دوامة صعبة جداً في ظل تخلل الموازين ودخول الغرب والعرب في تحالفات وصراعات على مصالح، وتعارض نفوذ الدول الكبرى في اقتسام الكعكة السورية.
لا شك أن هناك عدة عوامل وأسباب سبقت هذه التفجيرات، وكذلك لها ما بعدها، فلم تأتِ تلك الاستهدافات من فراغ لدولٍ تشارك في الحرب في سوريا وتصب حممها على المدنيين في القرى والمدن السورية، وكذلك عدم رغبة أمريكا في دخول روسيا وفرنسا في الحرب على سوريا، لذلك أرى تواطئاً أمريكياً في حوادث التفجيرات، وربما عربياً لتسدد أقوى الضربات ضد قوى الإرهاب كما سموها، ذلك الإرهاب الذي صنعوه وكبروه ومولوه، وسهلوا دخوله.
البعضُ يرى أن هذا عقاباً لتلك الدول، والبعض الآخر يرى أنها لتحقيق بعض المصالح ليبقى الجميع تحت الهيمنة الأمريكية لتستنجد الدول بالعم سام ليكبح جماح الإرهاب أو تنظيم الدولة، وقد تباينت ردود فعل الإسلاميين؛ فالمتشددون يرونها من أعظم الغزوات ضد دولة محاربة تشارك بقواتها في سوريا، والمعتدلون يرونها اعتداءً وعملاً إرهابياً مستنكراً ومستهجناً.
وأياً كان الأمر، فالغرب يدفع ثمن ذلك البعبع الذي كبروه وسهلوا وصول العناصر الأجنبية من جميع الدول إليه وتواطأت معه الأنظمة العربية؛ فلم يقبلوا بالإسلام السياسي، والمسار الديمقراطي ووقفوا بجانب الأنظمة الدكتاتورية وأيدوا إسرائيل في عدوانها، وستظل تلك الدول الغربية والعربية في دوامة طالما أنهم نحوا الإسلام الوسطي المعتدل من أن يأخذ دوره ومكانته، وألقوا به في السجون والمعتقلات.
إن على أمريكا ودول الغرب أن يعوا الدرس جيداً فالعنف لا يولد إلا العنف، وإذكاء الطائفية لن تفلح، والحرية لابد أن تُعطى للإسلام المعتدل، لذلك ينبغي عليها أن تتصالح مع قوى الإسلام السياسي، لتعود الأمور إلى نصابها الصحيح.