نشر بتاريخ: 17/11/2015 ( آخر تحديث: 17/11/2015 الساعة: 15:00 )
الكاتب: عقل أبو قرع
لا اعتقد ان الكثيرين، وبالاخص من المحللين او من الباحثين الاستراتيجيين، في المنطقة وفي العالم، قد تفاجئوا من تصريحات وزيرة خارجية السويد، حول ربط العنف بأشكالة المختلفة باليأس بشكل عام، وبالاخص في مجتمعات تزيد نسبة الجيل الشاب واليافع فيها عن ال 70%، ذاك الجيل الذي يطمح لبناء مستقبل، من خلال العيش والتعلم والعمل والسفر والتنمية بكرامة وبحرية، بعيدا عن تدخلات الاخرين وعن قيودهم وتحكمهم، وبعيدا عن المعابر وعن الحواجز والتقسيمات المختلفة، وبعيدا عن الجمود والترهل والبطالة واضمحلال الفرص، والاهم بعيدا عن الواقع بعدم رؤية الامل في التغيير الذي يطمح فية؟
ورغم ذلك، فأنة يبدو ان هذه التصريحات قد فاجأت البعض، وهم عبروا عن ذلك، وانتقدوا ذلك، سواء اجاء هذا الانتقاد في اطار المناورة او في اطار ردود الفعل السياسية، او تم بسبب عدم فهم الواقع وتحليلاتة المختلفة، او بسبب التعامي عن ما يتم في الواقع وانعكاساتة، ومن الواضح ان هذا الانتقاد او التجاهل المتواصل لواقع على الارض، تم في الماضي، وما زال، ومن الواضح انة يأتي في اطار التناسي ان هناك شعب او جيل جديد مشبع باليأس وبالجمود وبانعدام الفرص او التغيير؟
ومن المعروف ان نسبة الشباب الفلسطيني في الفئة العمرية بين 15-29 سنة فقط، تبلغ حوالي 30% من مجموع السكان، اي حوالي مليون و300 الف شاب من السكان الفلسطينين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وحسب الاحصائيات فأن حوالي 70% من الشباب الفلسطيني يملكون حاسوب، او بالاحرى نسبة كبيرة من الشباب في فلسطين متعلمون ويدركون ما يحدث من حولهم، ويعني هذا ان المجتمع الفلسطيني هو مجتمع شاب او مجتمع فتي، وما لذلك من انعكاسات واثار على صعيد التخطيط والتنمية والاولويات من سياسية واقتصادية واجتماعية وتربوية وصحية، وعلى صعيد الحريات والديمقراطية والطموح والتغيير وما اللى ذلك.
ونعرف كذلك انة كل عام تقريبا، تقوم الجامعات والمعاهد الفلسطينية المختلفة بتخريج دفعات جديدة من الشباب، ومن حملة الشهادات المتنوعة، وفي تخصصات متعددة، ويتم زج هؤلاء الخريجين كما تم في الماضي، بعشرات الالاف الى سوق العمل الفلسطينية، تلك السوق المحدودة والمقيدة والتي من السهل معرفة نوعية ما تحتاج وكم تحتاج من هؤلاء الخريجون، وبعد فترة ليست بالطويلة يكتشف الباحثون عن عمل وكما اكتشف الالا ف من قبلهم، ان سوق العمل في واد، ومراكز التعليم العالي في واد اخر، اي بمعنى اخر يكتشف الشباب الواعد الحالم الطموح ان مخرجات التعليم لا تلائم او تناسب او تأخذ بالاعتبار احتياجات سوق العمل في بلادنا، وينضمون الى طابور البطالة، مع ما يجرة ذلك من يأس ومن فقدان الامل والتفاؤل.
ولا عجب ان الهبة الشعبية الفلسطينية الحالية، ولو انها تتم بوتيرة متفاوتة، قد بدأت وتتم من خلال زمام المبادرة الذي اخذة الشباب، ومن الواضح انهم هم الذين يقررون على الارض، وربما بشكل مفرد او على الاقل، مع نوع من التنسيق العفوي الموضعي الطبيعي، وبغض النظر عن ذلك، فأن هذا يعني التوق الى التغيير والى الامل في التغيير، بعيدا عن اليأس وعن الجمود وانسداد الافق؟
ومن الواضح انة من ضمن الامور التي افرزتها الهبة الشعبية الحالية، والتي لها مؤشرات عديدة ومتنوعة وعميقة وذات اثر بعيد المدى، هي القدرة الهائلة التي ما زال يتمتع بها الناس، وبالاخص الجيل الشاب، على اخذ زمام المبادرة، وبالتالي القدرة على احداث التغيير، وبشكل جذري وبعيد المدى، وبشكل غير متوقع، وبعيدا عن مشاريع وخطوات النخب السياسية، بكافة اطيافها واطرافها وخبراتها وتأصلها وانتشارها وشعاراتها؟
وهذه القدرة العجيبة والهائلة، تأتي في ظل اوضاع وامورمعقدة ومحبطة وغير مشجعة وتمتلئ باليأس، سواء على الصعيد الداخلي، حيث الانقسام والتفتت والتشتت وتواصل المهاترات والادعاءات وتحميل المسؤولية لهذا الطرف او لذاك، او على صعيد الوضع العربي القاتم والدامي، سواء في سوريا او في العراق او في اليمن، او الوضع العربي المنشغل وحتى الرأس بقضاياة وبامورة الداخلية، مثل ما يتم في مصر وليبيا وتونس وغيرهما، او حتى في ظل وضع دولي معقد ومنشغل سواء بما يجري في بلدانة او حدودة، او بالتدخل الروسي في سوريا، او بمعضلة اللاجئين الذين باتوا الشغل الشاغل لاوروبا ولغيرها؟
وقد جاءت هذه الهبة الشعبية، لتحدث هزة وفي اكثر من موقع ومجال، هذا رغم الاوضاع الحالية، او رغم الواقع الحالي القاتم والكابت بكل جوانبة، سواء من الناحية السياسية اومن الناحية الاقتصادية اوالاجتماعية اوغيرهما، ورغم ان الخيارات محدودة والامكانيات شحيحة ومجال المناورات مقيد ومعقد، واوضاع واولويات المنطقة والعالم ليست في صالحنا، الا ان هذه الاحداث تثبت بأمكانية البدء بخطوات عملية لتغيير الاوضاع الحالية، وبالطبع الى اوضاع افضل، ان لم يكن في المدى القريب، ولكن بعد فترة؟
وسواء تواصلت هذه الاحداث، او تفاقمت وانتشرت، او خبت ومن ثم هدأت ولو لفترة، خلال الاسابيع القادمة، فأن من اهم دلالاتها او دروسها، هو القدرة على احداث التغيير، او القدرة على اخذ زمام المبادرة لاحداث التغيير، بعيدا عن انتظار قرارا ت او خطط او مناورات، وبعيدا او تناسيا لما يتم في الواقع العربي وعلى صعيد العالم، وانها تؤشر أن الاستقرار والسلام الذي عم الوضع عندنا ومن حولنا، هو استقرار هش، في ظل جمود سياسي وفي ظل ممارسة واقع على الارض، سواء في القدس او في غيرها، وبأن الامور حين تصل الى حد ما، فأنة لا يمكن لاحد ايقافها، او منعها او حتى احتواءها او محاولة السير معها؟
وبعد ان تخبو ردود الفعل التي احدثتها تصريحات وزيرة خارجية السويد الحالية، قد تأتي تصريحات او اقوال او كتابات اخرى، سواء من هنا او من المنطقة او من العالم الواسع، وسواء اجاءت من سياسيين او من محللين او كتاب او حتى من عامة الناس، وكلها تصب في نفس الاطار، او المنوال الذي يربط الواقع، او اليأس الحالي، مع العنف وبأنواعة المختلفة وتفرعاتة وشدتة واشكالة، ومن ثم تثار ردود الفعل سواء ايجابا او سلبا، لكي تستمر الحلقة، التي يريد العديد تجاهلها او التغاضي عنها، حتى تصل الامور الى اوضاع غير متوقعة او خارج السيطرة والعقلانية، لكي يبدأ المجتمع الدولي حينذاك، في البحث المعمق عن اسباب ما يحدث وبالتالي يبدأ وببطء في العمل لايجاد حلول لهذه المسببات، في وقت قد يكون قد فات، اي قد اصبحت الحلول فية غير مجدية او غير فعالة اوعلى الاقل بعيدة عن الواقع؟