الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

... وعندما تصل ( إسرائيل ) إلى مأزقها الوجودي ستنسحب من الضفة

نشر بتاريخ: 19/11/2015 ( آخر تحديث: 19/11/2015 الساعة: 10:51 )

الكاتب: د. وليد القططي

قال ديفيد بن جوريون أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني " إن جوهر مشكلتنا الأمنية هو وجودنا بالذات وهذا هو المعنى الفظيع لمشكلتنا الأمنية " وكلام بن جوريون هذا يعني أن هناك ارتباطاً عضوياً لا ينفصم بين الأمن والوجود بالنسبة للكيان الصهيوني الذي تُعتبر مشكلته الأمنية مشكلة وجودية من الدرجة الأولى , بمعنى أن الكيان الصهيوني يرتبط وجوداً أو عدماً بالأمن . كما أن الأمن هو العنصر الأساسي في المشروع الصهيوني الذي روّج ليهود العالم بأن أرض ( اسرائيل ) هي المكان الأكثر أمناً لليهود في العالم .

وعلى عنصر الأمن ترتكز فكرتي الهجرة والاستيطان اللتان يرتكز عليهما المشروع الصهيوني في إقامة دولته على أرض فلسطين , وبدون وجود الأمن الشخصي للمستوطنين والقومي للكيان لن يكون لهاتين الفكرتين أي قيمة عملية , كما لن يكون للمعتقدات التي انطلق منها المشروع الصهيوني كالحق الإلهي لشعب الله المختار في أرض الميعاد , والفكر الاستعماري الغربي المطعّم بالمعتقدات العنصرية الاستعلائية أي تأثير جدي ولن تكون أكثر من أضغاث أحلام خاوية وأخلاط أماني واهية .

والعلاقة بين مرتكزات الأمن والهجرة والاستيطان في الكيان الصهيوني علاقة تبادلية , أي أن كل ركيزة تُعزز الأخرى , وبالعكس إذا وهنت أي منهن توهن الأخرى , فإذا كان الأمن يُعزز الهجرة والاستيطان . فإن الهجرة بدورها تعزز الاستيطان الذي يعزز من جهته الأمن , كما أن الاستيطان خاصة المزدهر اقتصادياً يؤدي إلى جلب مزيداً من المهاجرين اليهود إلى أرض ( اسرائيل ) , وبالتالي يقوّي الكيان الصهيوني فيُعزز الأمن الشخصي والقومي .
وهذه الحقائق العامة تنطبق على مجمل الكيان الصهيوني بما فيه مستوطنات الضفة الغربية حيث يوّظف الاستيطان أمنياً وعسكرياً لإحكام السيطرة على الضفة الغربية من خلال إقامة المستوطنات على التلال والطرق والأماكن الاستراتيجية الهامة في الضفة الغربية . كما توّظف لتشجيع الهجرة اليهودية إلى أرض ( اسرائيل ) من خلال استخدام المستوطنات الموجودة كرأس جسر لالتهام المزيد من الأراضي الفلسطينية وتوسيع المستوطنات لاستيعاب المهاجرين الجدد , اضافة للوظيفة السياسية للمستوطنات حيث يتم ايجاد واقع جديد على الأرض يجعل التسوية السلمية مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين مستحيلة .

وبناءً على ذلك فإن أي مشروع وطني فلسطيني يهدف إلى تحرير الضفة الغربية لا بد أن يعتمد على استراتيجية المقاومة الشاملة التي تضرب أهم ركيزة أُقيم عليها الكيان الصهيوني وأُنشأت على أساسها مستوطنات الضفة الغربية وهي الأمن , ولقد سبق أن نجحت هذه الاستراتيجية في غزة , وهي جزء من أرض اسرائيل التوراتية والتي اعتبر شارون مستوطناتها كتل ابيب في القيمة , إلا أنه عاد وأنسحب منها وفكك مستوطناتها عندما أصبح المشروع الاستيطاني فيها فاشلاً والاحتلال باهظ الثمن , لاسيما بعد ظهور فتاوى دينية تجعل الحفاظ على حياة الانسان اليهودي المقدّسة أهم من الحفاظ على الأرض المقدّسة , خاصة وأن ذلك ينسجم مع مبدأ الحصول على أكبر قدر من الأرض مع أقل قدر من السكان العرب .

ورغم الفارق في الأهمية الاستراتيجية والدينية بين الضفة وغزة في العقيدة اليهودية الصهيونية , إلا أن تحريرها وانسحاب ( اسرائيل ) منها أمر واقعي وممكن التحقيق إذا ما أصبح مشروع تحرير الضفة الغربية من الاحتلال والاستيطان مشروعاً وطنياً جامعاً للكل الفلسطيني , الذي يتمحّور حول استراتيجية المقاومة الشاملة ابتداء بالمقاومة الشعبية بكافة وسائلها وانتهاءً بالمقاومة المسلحة بمختلف أدواتها مروراً بالمقاطعة الاقتصادية والعمل السياسي والإعلامي في الخارج ... وعدم التراجع حتى يصبح احتلال الضفة الغربية عسكرياً باهظ الثمن بشرياً واقتصادياً وأخلاقياً , ويتحّول الاستيطان إلى مشروع فاشل بارتفاع تكلفته الأمنية وخسارته الاقتصادية , وتصبح دولة الاحتلال العنصرية منبوذة دولياً ومحاصرة اقليمياً ... وصولاً إلى وضع الكيان الصهيوني في مأزق أمني خطير يتحّول إلى مأزق وجودي يضطر الكيان الصهيوني فيه أن يختار بين الاحتفاظ بالضفة الغربية مع تهديد وجوده ككل , أو الانسحاب من الضفة الغربية للحفاظ على وجوده في فلسطين المحتلة عام 1948 إلى حين .

وفي هذه الحالة فقط , وعندما تصل ( اسرائيل ) إلى مأزقها الوجودي ستنسحب من الضفة الغربية . وحتى الوصول إلى هذه المرحلة أمامنا مشوار طويل من التضحيات الجسام المليئة بالشهداء والجرحى والمعتقلين والبيوت المهدّمة والأسر المنكوبة والمعاناة والألم ... ولكن إذا كان هناك طريق آخر فليدلنا عليه من يعرفه .