الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

‫أحمد مناصرة‬ وما هو أفظع مما شاهدناه ؟!

نشر بتاريخ: 22/11/2015 ( آخر تحديث: 22/11/2015 الساعة: 14:22 )

الكاتب: وليد الهودلي

بصفتي مكثت مع الأطفال في سجن كفاريونا فترة طويلة وكتبت دراسة عن تجربتي معهم محفوظة في مركز ابو جهاد للحركة الأسيرة/جامعة القدس وخضت تجربة فريدة حيث أطفأت طفلتي الشمعة الثانية من عمرها وهي في السجن .. فاني أقدم شهادتي وأؤكد بأن ما التقطته الكاميرا لمشاهد التحقيق مع الطفل أحمد مناصرة ما هو الا قبس يسير من معاناة الأطفال في السجون الصهيونية وهناك ما هو أفظع وأقسى مما تعرض له هذا الطفل . هناك مخالفات كثيرة يندى لها جبين الإنسانية تخالف كل القوانين والمواثيق الدولية التي تهتم بالأطفال وتضرب بها عرض الحائط ..وهنا أتحدث بكل موضوعية بعيدا عن التهويل أو التهوين .. ولا بد من ملاحظة أن الذي ظهر في الشريط هو الشرطة التي مهمتها تدوين الاتهام وتقديمه للمحكمة ولكن هناك تحقيق آخر يسبق هذا التحقيق وهو تحقيق المخابرات وهذا بالطبع أشد قسوة وأعظم تنكيلا وترويعا .

هناك مثلا من الأطفال ما مكث في زنازين التحقيق أكثر من سبعين يوما وتعرض للضرب والشبح والإهانة ولكل ما يتعرض له الكبار وأؤكد أنه لا يوجد أية خصوصية للأطفال فالناس سواء أمام التعذيب الممنهج في أقبية التحقيق : الأطفال والنساء والمسنين والمرضى لا يوجد أي اعتبار لأية خصوصية لأي منهم . وهنا نعدد هذه الجرائم التي ما زالت مفتوحة والتي تصر سلطات الاحتلال على ممارستها :

1/ الزنزانة : وضع طفل وحده في زنزانة معتمة كالقبر هذه في حد ذاتها جريمة ثم قضاء فترة طويلة قد تصل الى شهر أو شهرين أو أكثر .. كيف يقضي الطفل وقته في هذه الزنزانة وكيف تكون الانعكاسات النفسية الخطيرة على نفسيته الصغيرة .. كيف يقضي اليوم بأربع وعشرين ساعة ؟ وما الهدف غير القتل المريع والبطيء لكل مكونات هذه النفس الطرية .

2/ التعذيب النفسي وكل أساليب التحقيق القذرة التي تمارس مع الكبار منها الشبح الطويل والمنع من النوم والتهديد والتوبيخ والتعرض للبرد القارص في فصل الشتاء واستمرار فترة التحقيق لتصل الى مدد زمنية طويلة وغير معقولة .

3/ استخدام الأساليب الخبيثة في التحقيق منها ما يسمى العصافير اي العملاء الذين توظفهم المخابرات بغية الوصول الى اعترافات المعتقلين من خلال خداع المعتقل وإيهامه بأنهم مناضلين شرفاء فيقع في شركهم ويبوح لهم بمكنونات صدره قبل أن يكتشف أنهم عملاء يقومون بدور المخابرات تماما .

4/ المحاكم والبوسطات " السفريات " : وهنا حدث ولا حرج .. المحاكم لا تراعي قطعيا الطفولة من حيث الحكم الصادر وهنا استذكر أطفالا حكموا بالمؤبد مثل سلطان العجلوني حيث كان عمره ست عشر سنة حين حكم بالمؤبد وقد ينتظرون دخوله الثامنة عشرة بل الحكم عليه من باب الحيلة القانونية ، وأعرف أسرى في قضايا طعن لم تسفر الا عن جروح بسيطة ولم تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة وحكموا بما يزيد عن اثنتا عشر سنة مثل الأسير أيمن عبد ربه .. الأحكام جاءت للردع ولم تراع الطفولة حقها ولم ترعها أي انتباه .. ويربط الأسير الطفل من يديه وقدميه في تنقلات البوسطة حيث يسافر مع الكبار في "بوسطة" مشتركة من السجناء الجنائيين عرب ويهود وأسرى سياسيين .

5/ وفي حياة السجن يحرم الطفل الأسير من أدنى الحقوق فلا يكون السجن مكان للتعلم كما هو في كل أنحاء العالم إذ لا يوضع الطفل في سجن وإنما في مركز إصلاح .. يحرم الطفل الأسير من حقه في التعلم ويحرم من حقه في اللعب فلا يجد المكان المناسب لذلك ولا أدوات اللعب والتعليم .. وكذلك يوضع في ظروف معيشية سيئة حيث الاكتظاظ في الغرف وسوء التهوية والأكل السيئ وغير الكافي وحرمانه من الشراء من الكانتين الا بمبلغ محدود لا يكفي لاحتياجات الطفل المعتادة .

6/ ويحرم أيضا من التواصل مع أهله فيحرم من الاتصال الهاتفي وقد يعاقب بالمنع من الزيارة كما شهدت في سجن هشارون منع الأطفال من زيارة ذويهم لمدة ستة شهور ..

7/ أخيرا وليس آخرا الأطفال الذين يولدون في السجن أو يرافقوا أمهاتهم فتتفتح طفولتهم خلف الأبواب المغلقة والأسوار العالية حيث تقتل الطفولة في مهدها ويرى هذا الطفل المشهد الأول في حياته وقد كبلت يد وقدم أمه في سرير المشفى ويعيش الطفل الأسير حياة الأسرى الكبار متنقلا بين الأسرة الحديدية ولا يرى الا إغلاق الباب الحديدي من قبل وجوه حديدية متجهمة .. فلا حدائق ولا ألعاب الا ما تصنعه أيدي الأسيرات من بيئة تفتقر لكل شيء .. أذكر عندما أفرج عن طفلتي وهي في بداية السنة الثالثة من عمرها كانت تفرح كثيرا وتركض بطلاقة عندما تجد بابا مفتوحا ..

8/ وعندما نتحدث عن أسير مصاب ويحتاج الى العلاج فهنا تتحول الإصابة وطريقة العلاج الى أسلوب للتعذيب والابتزاز وأخذ الاعترافات المطلوبة .. يستغلون الجرح والألم ويضغطون عليه للمزيد من الآلام بدل تسكينها .. آلاف الأسرى المصابين تم الضغط على جروحهم وحرمانهم من المسكنات لأيام طويلة يرى فيها الأسير نجوم الظهر فما بالنا اذا كان هذا الأسير المصاب طفلا فهل يراعون طفولته .. قطعا هذا لم يحدث بتاتا ..
يقف القلم ويتجمد مداده عندما يحاول تصوير حياة هذا الطفل الذي انقضت على طفولته ذئاب مفترسة لا يوجد في قاموسها الا القهر والقمع .

هذه مجرد فكرة سريعة عما يجري للأطفال الأسرى خلف القضبان والحقيقة أشد مرارة إذ أنّى لي أن أصف حياة طفل في الزنازين يمكث فيها سبعين يوما ؟ وأنّى لي أن أحيط بتحقيق طويل يتعاقبه مجموعة من المحققين لا يعرفون فيه إلا عصر الطفل الذي بين أيديهم وإخراج كل ما لديه مما يعتقدون أنها كنز لهم وقد وقعت الفريسة بين أيديهم ؟ كيف يقضي هذا الطفل أيام طويلة من التحقيق ويداه مربوطتان من الخلف وهو جالس على كرسي صغير مربوط هذا الكرسي في الأرض ؟ الأمر كبير ولا يمكن أن يختزل في المشاهد التي رأيناها إذ ما خفي أعظم وما لم تستطع الكاميرا تصويره وتهريبه مريع ويستحق المتابعة والملاحقة لكل أشكال الإجرام التي تمارس ليل نهار مع أطفالنا .