الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

في ذكرى رحيل المربي "أبو ناصر دردونة"

نشر بتاريخ: 24/11/2015 ( آخر تحديث: 24/11/2015 الساعة: 10:21 )

الكاتب: عبد الناصر فروانة

ليس مهماً هنا لأي تنظيم فلسطيني كان ينتمي، كما وليس مهماً في أي بقعة من بقاع الأرض كان يقطن، وفي أي مساحة من أرض فلسطين كان يسكن. الأهم في هذا السياق أنه انتمى لفلسطين، الوطن والهوية، وولد من رحمها ونشأ في حضنها وتربى في كنفها، وعاش حياته على ترابها وبين شعبها، وناضل من أجلها ومن أجل قضايا شعبها، وقضى عمره فوق أرضها وبعد مماته دفن في جوفها، فاحتل مكانة واسعة في عقول ووجدان كل من عرفه، وسكن قلوب رفاقه ومحبيه وعشاق المقاومة. وهنا يكمن سر عظمته. انه الرفيق ومربي الأجيال /صالح دردونة "أبو ناصر".

ففي مثل هذا اليوم الثالث والعشرين من تشرين ثاني/نوفمبر عام 1994، إثر مرض عضال، رحل ذاك القائد الوطني الكبير، وأحد قادة حركة القوميين العرب في فلسطين، وعضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأحد مؤسسيها في قطاع غزة، والأسير المحرر الذي تعرض للاعتقال في سجون الاحتلال الاسرائيلية أكثر من مرة، وذاق مرارة السجن وقسوة السجان، وتعرض لصنوف مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي، وأمضى في حلكة ظلماتها وبين جدرانها الشاهقة نحو ثلاثة عشر سنة، فسُلبت خلالها حريته وقُيدت حركته، فيما بقيّ حراً طليقاً بفكره وتفكيره ورأيه وعطائه.

لم أنل شرف لقائه خلف القضبان، أو في مدارس العطاء والمقاومة في ساحة النضال الأرحب، كما لم اتتلمذ على يده في المدارس التعليمية التي عمل بها مربياً، لكنني التقيته مرات محدودة في مناسبات عامة، وسمعت وقرأت عنه الكثير، وحدثني والدي وآخرين كثر من الأسرى والمحررين عن سماته الشخصية المتميزة وخصاله الحميدة وسيرته النضالية الحافلة بالعطاء، لكن القدر جمعنا بأبنائه خلف قضبان السجون، لنعيد رسم ذاك المشهد الذي التقى فيه آبائنا الكبار سويا وأمضوا سنوات طوال وهم أسرى في سجون الاحتلال. هكذا هي الحياة، جيل وراء جيل.

"أبو ناصر".. تاريخ حافل بالنضال والتضحيات والمواقف المشرفة، واسم حفر ولن يُمحى من ذاكرة الأجيال الفلسطينية، وعلم من اعلام المقاومة والنضال وقائد سياسي متميز ، وعنوان بارز للوحدة الوطنية الحقة بعيداً عن الفئوية المقيتة والعصبية العشائرية والفصائلية، ورجل اصلاح حظى باحترام الجميع.
وأقر هنا واعترف بصعوبة انتقاء الحروف المناسبة من قاموس اللغة لأخط كلمة رثاء عن انسان رائع بمكانة وتاريخ هذا الرجل الاستثنائي الذي كرّس حياته لأجل الوطن والشعب والقضية، فاستحق احترام كل من عرفه، واسمه لا يكاد يغيب عن بال محبيه وخصومه في آن.

ولد "أبو ناصر" في العاشر من آيار/مايو1936، من أسرة فلاحية في بلدة جباليا شمال قطاع غزة،، ودرس في مدارسها وأكمل تعليمه الجامعي في جامعة الاسكندرية في جمهورية مصر العربية، وعمل مدرسا في مدرسة يافا الثانوية بغزة، ومن ثم في مدرسة الفالوجا، والتحق بحركة القوميين العرب منذ ان كان طالبا، وكان من الأوائل في التحول للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأحد مؤسسيها في قطاع غزة، واعتقل عدة مرات كانت المرة الأولى في الخامس من تشرين ثاني/نوفمبر1969، ليمضي في السجون ما مجموعة ثلاثة عشر سنة. وفي مثل هذا اليوم الثالث والعشرين من تشرين ثاني/نوفمبر عام 1994، وبعد مسيرة حافلة من العطاء والتضحيات، رحل "أبا ناصر" عن عمر يناهز "58 عاماً"

"أبو ناصر".. لقد عاش بطلاً مناضلاً حراً ومات بطلاً كالأشجار وقوفاً، ورحل جسداً وبقى منارة للأجيال اللاحقة، وفي وجدان محبيه علما وفي قلوبهم حياً، واسمه على ألسنة الثوار والأحرار يتردد بفخر وعزة .