نشر بتاريخ: 24/11/2015 ( آخر تحديث: 24/11/2015 الساعة: 13:15 )
الكاتب: المتوكل طه
يخرج الفتيانُ تحت المطر الشرس ، يفتحون قمصانَهم ، ويرفعون رؤوسَهم ، كأنّهميَعبّون الغيومَ ويتنفسّون أقواسَ قزح ، ويغتسلون بالسحاب، ويعودون ، والبخارُ يتفشّى حولهم ، وينضحُ من أبدانهم الفتيّة الساخنة.
***
الحنّون المُضْمَر في الثوب المُسْدل على أكتاف الشجرة ، بات معزوفة سماوية ترحب بالطيور ، ويدعوها للحياة.
***
لقد أدخلوا البقرةَ والحمارَ والعنزةَ إلى غرفتنا الوحيدة ، المكتظّة بالأب والأمّوالبنات والأولاد العشرة.. ثم أخرجوا البقرة فالحمار فالعنزة ،تباعاً، أسبوعاً بعد أسبوع.. ما أدخلَ الفرح على العائلة ، التي تنفّست الصعداء ، وأعلنت أنها انتصرت .. فأقامت الأفراح والليالي الملاح.
أمّا مَن احتلّ باقي الغرف وسيطر على البيت وساحاته .. فقد أسعده موقف العائلة ، وأدخل عليه الاطمئنان والراحة ، وتأكّد أنّ أصحاب البيت يصلحون للاستهزاء، والتهكّم والاستخفاف ، والتنكيل بهم ..
***
السبحة الحجرية تصطك مثل أسنان المذعور في يد الخائن ، الذي لايدري كيف يصلّي .. أمام الناس.
***
ما هي أسماء الأخوة والرفاق الذين كنت معهم في الغرفه المغلقه بالقضبان الغليظه ؟
انا أعرف أن لهم اسماً واحداً هو المذبحة ، والآخرون يسمّونهم مجلس الشرّ ! أما أنا فأعتقد أن الأرض لها عشرون اسم هي أسماؤهم .
***
جاءني الطفل في المنام وقال لي : لا تردموا البئر مرة أخرى ! أرجوكم .. ففي القاع خاتمي، وعلى طبعته نقش يظهر صورتي مع الوَحشيْن .
وفي الليلة التالية رأيت ملء العين الشقيقين التوأم اللذين ألقتهما أمهما ، وهما رضيعان ، من الشرفه إلى الوادي .. حتى لا تأتي عليهما النار ، التى أكلت المدينة ، ورأيت كيف ترفّقت الذئبةُ بهما ، وأرْخَت لهما أثداءها ليشربا ..
***
كاد أن يبكي لشدة ما ضحك على نفسه : كيف يأكل السمك في الرؤية ، وليس لديه غير بضع نعاج وكلب يصطحبه إلى المراعي .. ؟
***
أبكي لأنكم قيّدتم يديّ ، فتسربت الكهرباء إليّ وهزتني ، فصعقت أعصابي وحرقت رسغيّ وشعطت قلبي .. ورجّتني حتى تلقلق عظمي بين لحمي ، وسكبت ماء النار والفلفل في مفاصلي .. ماذا فعلت ؟
لا .. لا .. غير صحيح ! كنت أغنّي وأدندن بصوت عالٍ ، فساقوني لسرير الكهرباء .. وكان الماء المحروق ينزّ من عيني .. ويغمى عليّ..
***
حسناً .. لن أصرخ ، ولكن أريد ألا يطفئوا الأضواء ، ويظل التلفاز يعجّ بألأغاني .. نعم .. أحبها .. يا إلهي ما أجملها .. ههههههه هههه
لماذا تضحك ؟
تذكرت عامل النظافة الذي دَهَم غرفة المجنونة في المهجع النسائي .. وكان يباضعها ، وكانت المسكينة تحسّ بلذّة على ما يبدو ، كلّما جاءها ، وصارت تخلع ملابسها كلما رأته .. ليكتشفوا بعد أشهر أنها حامل ! وبعد أن وضعت حمْلها .. فوجيء الأطباءُ أنها استعادت عقلها ، وأصبحت طبيعية مئة بالمئة ، وفارقها مرضها ، ورجعت كأي إنسان عاقل راشد مدرك واعٍ .. وسمحوا لها بالرجوع إلى أهلها مع رضيعها ، لكن أهلها رفضوا استقبالها لأنها "مجنونة زانية" ، فرجعت إلى المشفى لتعمل خادمة فيه ، بعد أن هرب والد الرضيع ..وأختفى !
بعد سنوات عاد هذا المختفي ، فإذا به ، ما شاء الله ! مسؤل لديه أموال لا تأكلها النيران ، وصار وجيهاً في البلد !! وهو ذاك الذي انتخبوه..رغم تهامس البعض بالإشارة إليه ، باعتباره صاحب المجنونة .
والمجنونة ؟ ألا تعرفها .. إنها
سوف تبكي على كتفي ، كلّما مرّ فيها السحاب .
قلتُ ؛ لا وقت للدمع ، قومي إلى صفحة في الكتاب ..
هناك على أول السطر تبكي الملائكة الطاهرون ،
ومن خلفهم أُمّةٌ في العذاب .
هنا أو هناك ،جموع من الذاهبين إلى الموت ، برّاً وبحراً ،
وقصفا وحرقاً ، بكل الأيادي والطائرات .. وما من خلاصٍ سوى
أن نعود إلى الغدِ ، نسأل عن أغنيات الرحيل .. لندفنها ..
ثم نطلق أغنيةً للبقاءِ على تلّة الذّبْحِ ، حتى يقول الذي ماتَ ؛ عدتُ ،
وهذي البداية نحو السراب.
***
ولم يأكل الخبز ذلك العشّار لمدة أربعين دقيقة ! لقد هزم الشيطان، الذي لم يحضر إليه ، ولم يقدّم إليه إغراءات القمح !!
وما زال يتشدّق بالصوم الكاذب .. تماماً مثلما كان دم أبيه كاذباً ، وكذلك دم أمّه .. وكل سلالته المعطوبة.
***
لم تفرش له مزودة العنكبوت ، ولم تنصب له خيمة الوَبَر ! تركته حتى يصل ، دون دليل، إلى الفكرة ، ولا حدود للحارة أو الحيّ أو البلدة، كلّها جهاز اتصال يشوّش النهر، الذي يغذّي الأعذاق، وتظلّ أسماكه الملّونة دون حلوى.
***
درس العودة في الطين الموحل ، والصنوبر الجاف يضخّ هواءً قديماً .. والرجل لا يجد ما يحفّ به شاربيه ، أو يكشط به لحيته المُنْكَرة .. والمراةُ لا تفهم أن لحم التفاحة يغري الكسالى ، الذين ينامون حتى الظهر . والبندق المشعّ في عينيّ الذئبة لا يجد أرضاً ينبت عليها .. إنه الظمأ ، الذي يخنق الكوخ.
***
الطرقات موحشة ، وخطوات الغرباء ثقيلة ، والحصار على أشدّه ، والزمن اثنان ؛ زمننا بطيء مقيّد كالحمار ، وزمنهم مفتوح حداثيّ كالمقصلة .
والطرقات موحشة ! إلاّ أن الكلاب وفيّة وتعرف كيف تربض أمام البيوت وتحمي الجثث الخضراء ، حتى لا يأخذها الجنود. وثمة عويل طويل يقطّع الليل ويذبح الأوردة .
والطرقات موحشة ، وثمة فتى يكتب بفرشاة الألوان على الحيطان ما يشقّق الوحشة ، ويشق ّ الباب ، ليدخل النور ويبدأ النداء ..
***
لماذا تيتّم هذا الصغير؟ وماذا جرى كي يحرقوا أمَّه وأباه ؟ وماذا ينادي؟ وماذا يقول؟ سوى أن يكون انفجاراً مخيفاً بوجه الحياة!
***
وتباينت الآراء ، واختلفوا، وارتفعت الأصوات !
مَن سيعلّق الجَرس ؟!
كان القطّ قد خلع القلادة ، وجاء على الجبنة كلّها.
***
مَن أصدقاؤك؟
الغنم وعصا الراعي والشتاء والفستق الحلبيّ والحكواتي ومجلس الشرّ .. ألم تسمع بما اقترفه المجلس بحق الليل ؟
لا .. لم أسمع !
إذن ، إسأل النهار ..