الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

أدب الشباب في فلسطين والتنبؤ بالحراك الوطني

نشر بتاريخ: 25/11/2015 ( آخر تحديث: 25/11/2015 الساعة: 12:48 )

الكاتب: تحسين يقين

وفي البدء كانت الكلمة!
وفي الآن وغدا تكون الكلمة، وتظل كائنة.
قبل عقد من السنوات، ظهرت في فلسطين كتابات أدبية فلسطينية شابة وجدت طريقها إلى النشر عبر كتيبات صغيرة الحجم منها "مجلة فلسطين الشباب"، وقد لفتت نظر القراء وقتها، كونها حملت اتجاهات جديدة في الكتابة، عبر اجتراح أشكال وأجناس أدبية إضافة إلى النصوص المفتوحة بهدف التعبير، إضافة إلى تأثرها بتكنولوجيا المعلومات، وقدرة الشباب في التواصل العالمي والقومي والوطني، خصوصا مع الفلسطينيين من الشباب والشابات.

لذلك اعتبرت "فلسطين الشباب" وطنا أدبيا معنويا للشباب الفلسطينيين، كونها استقطبت أقلام الكتاب والكاتبات من الفلسطينيين في أماكن إقامتهم في الوطن والشتات، حيث قرأنا للشباب من الضفة الغربية وقطاع غزة، كذلك لفلسطينيين من فلسطين المحتلة عام 1948، بتواقيع حملت يافا وحيفا وعكا..بالإضافة لمشاركات من فلسطينيي الأردن ولبنان وسوريا بشكل خاص. وقد قام على إنتاج "فلسطين الشباب" نخبة من الشباب والشابات في مختلف مراحل الإنتاج من كتابة وتصوير ومونتاج وتوزيع.

واللافت في الحضور هو تواجد كتابات الشباب من من الجنسين، على قدر من المساواة والاهتمام، حيث ترى كتابة الشباب والشابات جنبا إلى جنب، لا تمييز بين الجنسين، وهي مساوات تتعلق أيضا بالتغيرات والتحولات الفكرية والاجتماعية والتي كان منها التغيرات من منظور النوع الاجتماعي، التي حصلت في فلسطين آخر عقدين، أي منذ تأسيس السلطة الوطنية.

ما يميّز أدب الشباب والشابات هو تعانق الأدب بالفن، خصوصا في التصوير الفوتوجرافي الذي جاء من وحي اهتمام المصورين/ات والكتاب والكاتبات. حيث يحتل التصوير حيزا كبيرا في هذه النشرات والمجلات، انسجاما مع سهولة التصوير اليوم من جهة، وسهولة تداول وبعث ونشر الصور من جهة أخرى.
وقد مثلت الكتابات الأدبية لشبان وشابات هواة نسقا مغايرا للكتابات الأدبية الفلسطينية التي ترددت في منطلقاتها ولغتها بين محاكاة الشعار السياسي والوطني، وبين الإبداع، حيث نزعم أن كتابات ما بعد 2005، كانت أكثر إبداعا، كونها متحررة من المنظور الفئوي.
ظهرأدب الشباب والشابات في سياق سياسي فلسطيني مبني على التقسيمات السياسية والفئوية، بعد ظهور حكومتين في الضفة وغزة، إثر الاقتتال الفلسطيني بعد الانتخابات الثانية، التي تلت رحيل الزعيم الفلسطيني الكبير ياسر عرفات.
وهي كتابات مشوّقة للقراءة لإنها لا تقوم على نسق نمطي، ولا تعيد إنتاج الأدبيات الفلسطينية التقليدية، ولا أدب ما بعد أوسلو الذي تفاوت ما بين الاستمرار في النفس التقليدي المقاوم، أو الانسجام مع العهد الجديد، بسب العلاقة العضوية ما بين السياسي والمثقف التي سادت في حقبة السبعينيات والثمانينيات، بسبب المد الوطني لمنظمة التحرير.

ادب الشباب حين بشّر بالتحولات الجديدة
وهي كتابات لن يستطيع أي باحث استراتيجي يرصد حركة الشباب المنتفض اليوم أن يعزلها عن سياقها، حيث أنها أكثر تحررا من جيل الآباء، فهي تشق طريقها جيدا ما بين الوعي الاجتماعي، وعلاقة الرجل والمرأة، من جهة، وتشق طريقها في الهوية الفلسطينية، حيث أنها اليوم تعود إلى الأصول الأولى التي تتعامل مع الوطن الفلسطيني من خلال فلسطين التاريخية، التي تجمع ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة وفلسطين المحتلة عام 1948.(أشار لذلك د. سلام فياض في مقاله الأخير وداعا لللبكائيات حين أفرد حيزا كبيرا للشباب في هبة اليوم-الانتفاضة الذين يعودون للأصول بفعل حديث الأجداد والجدات وامتلاكهم القدرة في ظل ثورة المعلومات، إضافة للمساواة بين الشباب والشابات على الأرض.
ومن اللافت للنظر أيضا أن الشباب في كتاباتهم استلهموا التاريخ الشفوي للاجئين الكبار، حيث عادوا للأصول فعلا بفعل حديث من بقي حيا من الأجداد والجدات.

ولم تقتصر تلك الكتابات على المنظور الوطني، بل امتدت إلى المنظور القومي، من خلال التعبير عن أماكن عربية يحيا فيها المبدعون الشبان والمبدعات الشابات، إضافة إلى التعبير عن الزمن العربي بما مرّ عليه من "ربيع مزهر أو دام"، كذلك من خلال الكتاب العرب الذين كتبوا عن أماكنهم أو عن فلسطين.
وهذا الركض الشبابي وطنيا، وهذا التحررا لوطني والقومي واكبه انسجام مع حركة الشباب العالمي، حيث تأثر أدب الشباب بالبعد العالمي من خلال طرق قضايا تهم الشباب في العالم.

إضافة لذلك وجدنا أدب الشباب أكثر تحررا في مجال التعبير اللغوي ونحت كلمات ومفردات جديدة، كذلك في مجال التعبير العاطفي والاجتماعي.

انتفاضة القدس
لم يكن طابع أدب الشباب طابعا سياسيا، كما هو الحال مع أدب الشباب في العالم، إلا أن خلفية الواقع الفلسطيني والتاريخ كان خلفية مهمة لهذا الأب، وهو أمر طبيعي، إلا أن تعبير الشباب عن أحلامه التي تتجاوز حدود الممكن في الاتفاقيات السياسية مع الاحتلال، قد نحت بهم/ن نحو الانعتاق وطلب ما هو مشروع حتى ولو كان غير متاح في الواقع السياسي الضيّق.

لذلك، فبالرغم من تردد النخبة الفلسطينية في تسمية حركة الاحتجاج الفلسطينية، ما بين الهبة الشعبية وانتفاضة القدس، فإن أدب الشباب كان سبّاقا في التعبير عما يدور من احتجاج داخل عقول الشباب وقلوبهم، حيث أدى هذا الترلكم الفكري-الوطني والشعوري إلى فعل احتجاجي مادي على الأرض.

ففي تحليل د. سلام فياض الاستراتيجي في مقاله المذكور يقول "هناك الكثير من القنوط من الوضع القائم وتعاظم في الشعور بعدم الرضا إزاء توفر ما يكفي من المنافع والفرص وعدالة توزيع ما هو متاح في ظل الاحتلال والانقسام وضعف عام في الأداء"؛ فالمنتفضون في أدب الشباب وفي الفعاليات على الأرض أيضا لهم رؤيتهم النقدية سياسيا واقتصاديا، بسبب اليأس من الوضع القائم وعدم الرضا عن حالة المجتمع اقتصاديا في ظل الاحتكارات الاقتصادية ونظام السوق المفتوح في ظل بطالة امتدت إلى الخريجين والخريجات. والمنتفضون أيضا لهم رؤيتهم النقدية سياسيا واقتصاديا. وقد تجلى ذلك في الكثير من النصوص لكتاب وكاتبات عشرينيين وعشرينيات في الأكثر (وثلاثينيين بشكل أقل) ولكتاب هواة أيضا تحت العشرين.

إنه أدب شباب وطني واجتماعي يطالب بطريق غير مباشر بعدالة التوزيع، للخلاص الوطني والاقتصادي، فرديا وجمعيا.
لقد استجاب أدب الشباب لما يشعر به قطاع الشباب، فالتحلي بالتفكير النقدي سياسيا هو صفة وطنية، لتطوير الأداء من جهة، ولإسناد القضية الوطنية، بما يتجدد فيها أي حراك وطني.

لقد تمحور كتابات الشباب والشابات على التحرر الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، باتجاه الوحدة، وتحقيق العدالة، كشرط لإنهاء الاحتلال واسترداد الحقوق، وهذا البعد الاستراتيجي في أدب الشباب.