نشر بتاريخ: 25/11/2015 ( آخر تحديث: 25/11/2015 الساعة: 15:26 )
الكاتب: عصري فياض
الصديق الحقيقي في هذا الزمان، تماما كالعطر الثمين،تخبؤه لأعز المناسبات،مثل النسيم الليّن الرطب، تشتاق إليه في كل لفحة حر، مثل الإجازة، تهرب إليها كلما أرهقك ضنك العمل وروتين الملل..
"كرم"صديق تنطبق عليه تلك التعريفات، طيب النفس كريم الخصال،واسع المدارك، رفيع الذوق، باسم الوجه بشوش، ووفيّ، ألوذ إليه كلما ألمت بنفسي غُمّة،واعتراني تعب الدنيا،فلا يبخل عليّ في إزالة صدأ الدنيا وادرانها، فبعث لقائي به الأمل ويجلو بأفكاره ومنطقة الوجدان.
تأخرت عنه وقتا، وفته شهرا كاملا، وعندما تذكرته، أسرعت اطرق عليه باب بيته، فوجدته مغلقا،.. واصلت الطرق حتى اطل علي احد الجيران فقال :-
لا احد في المنزل... لقد ذهبوا للمشفى
سألت بدهشة : خيراً؟!
فرد الجار: كرم شعر بوعكة.. فنقلوه المشفى وأجريت له عملية بسيطة، وأهله معه لا يغادرونه
شكرته وأنا اشعر بشيء من الصدمة والشعور بالذنب والتقصير، وعدت ادارجي الى المنزل، اجلس منفردا، اكتب على قصاصات الورق افضل السبل للخروج من هذا الموقف المُحْرِجْ،.. أفكر في ما يمكن فعله لعلاج ذلك الموقف، مضت ساعة،.. وقررت فورا بارتداء افضل ملابسي،واتصلت بسيارة أجرة، فحضرت وطلبت من السائق التوجه فورا لمعرض تنسيق الزهور الطبيعية،فخف الى هناك على عجل، وهناك نسق لي صاحب المعرض باقة جميله، حملتها وانطلقت حيث كرم...
*****
دخلت المشفى، وتقدمت من شباك الاستعلامات، سألت الموظف المهذب، فأجاب : في الطابق الثالث الجناح الخامس غرفة رقم ثمانية....ركبت المصعد، وبعد لحظات كنت داخل الجناح، وعينايّ تفتشان في أرقام الغرف،حتى بان رقم 8،فدخلت بقدمي اليمين، فشاهدت أربع كتل بشرية تحيط بأربع أسرّة مختفية من اكتظاظ الزائرين لم يظهر منها غير عجلاتها الصغيرة الممسكة ببلاط الغرفة ،تسمَّرْتُ مكاني، فانا حائر إلى أين اتجه، ترى أين سرير صديقي "كرم"؟؟ قلت في نفسي، هل أعود الى موظف الاستعلامات؟! وفي عمق تفكيري أربكني صوت سيدة قادم من الخلف، صرخت مرحبة، فألتفت إليها ، فإذا هي "إم كرم" تحمل على رأسها حَلَة، وبين يدها حَلَةٌ أخرى،فارتعشت أوصالي،، وبعلت ريقي، فتقدمت وتقدمت خلفها ملبيا طلبها، فشقت الصفوف ولسانها ينادي ويبلغ كرم من خلف الزائرين بقدومي عنده، وبعد عناء أشرق وجه كرم الغارق بين أكياس الفاكهة من جهة ، وزجاجات العصائر وأهرام من علب الشوكالاته والبسكويت من جهة أخرى ..
نادي كرم المتصبب عرقا وطلب مني ان أدنو منه، فدنوت بحذر شديد، فأي حركة هنا قد تحدث زلزالا يطيح بالسرير وما حوله، وصلته وقبلته وتمنيت له الشفاء بعد ان قدمت له الاعتذار، لكنه امسك بيدي بلطف وقال بابتسامة عريضة : أشكرك على هذا الورد الجميل..
ناولته باقة الورد، فستنشق عبريها بعمق وهو يغمض عينه، وحاول البحث لها عن مكان في الزحمة التي تلفه، حاول حشر الباقة بينه وبين قريب زائر جالس على يسار السرير، فانزعج الزائر، وعبس ونهض وكأنه يكره ان يكون بينه وبين كرم باقة ورد،..
حضر الممرض للغرفة لقياس درجة الحرارة وضغط الدم للمرضى،، ألح في طلب إفساح المجال لانجاز مهمته،اخذ بعض الوقت حتى انهي ما جاء لأجله ، لأنه كان يسير بين الأسِرّةْ وكتلها وموجوداتها وكأنه يسير بين حقول ألغام، وعندما انتهى خرج وهو يتمتم بالشهادتين والحمد...
أدركت ان بقائي ليس له جدوى،دنوت من كرم لأودعه وأغادر، فقال لي :
ابقي معي يا صديقي .. أنا محتاجك..
قلت له : إطمئننت عليك ويجب أن أغادر قبل انتهاء موعد الزيارات، وسأعود عن شاء الله
قال احد الحاضرين : ما بالك مُتَجَعِلْ؟؟ ابقى معنا ...لقد وصلت قبل دقائق فقط !!
أسعفني رنين الجرس معلنا انتهاء موعد الزيارة،فاحتج الحضور فيما شعرت بقدوم الفرج، فخرجت بعد ان ودعت صاحبي، وأنا أقول في نفسي : كان الله في عونك يا كرم، وصرت التفت خلفي متوقعا خروج زرافات الزائرين، وخوفا من حدوث ازدحام خانق على السلالم والمصاعد،ووصلت الردهة التي تقابل مكان الاستعلامات..، فوقفت أترقب ماذا سيحدث لم يخرج احد لغاية ألان .. بدأت السماعات تطالب جمهور الزائرين بإخلاء المشفى حالا.. وتكرر الطلب مرات ومرات.. حتى دخل إداري مسؤول في المشفى برفقة عنصري امن، وصعدوا الى الأقسام والأجنحة والغرف لإخراجهم.. فتصاعدت أصوات الضجيج والاحتجاج على سوء" المعاملة" ... وبدأت قوافل الزائرين تنزل الدرج وتخرج من المصاعد بتثاقل