الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

هل يشكل السلام الاقتصادي مخرجا من الاوضاع الحالية؟

نشر بتاريخ: 29/11/2015 ( آخر تحديث: 29/11/2015 الساعة: 11:32 )

الكاتب: عقل أبو قرع

قبل ايام، وصل وزير الخارجية الامريكي جون كيري الى المنطقة، وحسب الانباء والتحليلات المتداولة، فأن الهدف من الزيارة هو الضغط على او العمل مع الجانب الاسرائيلي، من اجل محاولة تحسين حياة الفلسطينيين من خلال حزمة من الخطوات، الصغيرة والمتوسطة وربما الكبيرة، وبالاخص خطوات اقتصادية لها علاقة بحياة الناس، وتصب في مجالات البطالة والتشغيل والتصاريح وربما بعض المشاريع هنا او هناك، وبالتحديد في ما بات يعرف بمناطق "ج"، او تحسينات على المعابر والتنقل والتصدير وربما تطبيق ما بات يعرف بخدمات " الجيل الثالث" وما الى ذلك من امور او مواضيع اعتاد عليها الناس في الماضي، وربما سوف تتكرر في المستقبل؟

ومن الواضح ان هذه الخطوات تندرج تحت ما بات يعرف " بالسلام الاقتصادي"، الذي هو ان جاز التعبير مرادف "للسلام السياسي"، الذي هو متوقف حاليا في ظل حالة الجمود وانسداد الافق الحالية، ومن الواضح ان الهدف من زيارة وزير الخارجية الامريكي، هو تقديم الدعم او المزيد من الدعم، وبحث سبل تنشيط او تحفيز الاقتصاد الفلسطيني، وبالاخص جمع المبالغ، لتنفيذ مشاريع، كبيرة ولها صدى او بريق، تساهم في زيادة الناتج الاجمالي السنوي وبالتالي تضخ النشاط في الاقتصاد الفلسطيني الضعيف وغير المستدام، والهدف الاكبر والاهم هو تحريك الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية الراكدة، في ظل الجمود السياسي الحالي، وتعثر المفاوضات، وعدم وجود افاق او انفراجات في المدى المنظور او المتوسط؟

وقبل حوالي عام او اكثر او اقل، كثر الحديث والنقد والتحليل والكتابة عن ما كان وربما ما زال يعرف ب " خطة كيري الاقتصادية"، وذكرت الانباء في حينها ان الخطة تهدف الى جمع اكثر من اربعة مليارات من الدولارت، من الدول ومن الهيئات التمويلية ومن المستثمرين ومن القطاع الخاص ومن شركاتة وامتدادتة، والاستثمار في مشاريع كبيرة استراتيجية، وتشغيل الالاف من الخريجين الفلسطينيين، اي من الايادي المتعلمة والمدربة، وتحقيق النمو الاقتصادي، والبناء والتنمية والرفاة وما يمكن ان يتبع ذلك، وبالتالي تناسي وربما مؤقتا مطالب اساسية سياسية حول الارض والاستيطان، من الصعب الخوض فيها او نقاشها حاليا، في ظل اوضاع المنطقة والعالم المتدحرجة والساخنة؟

وفي ظل عودة الحديث هذه الايام عن مفهوم وخطوات لها علاقة ب " السلام الاقتصادي" فأنة لا يوجد جدال بأن الاستقرار او الهدوء او توفر المقومات، والاهم الظروف السياسية ، هي من اهم ضمانات او حوافز تشجيع الاستثمار، وبالاخص الاستثمار من رجال الاعمال من القطاع الخاص، اي من الشركات وحاملي الاسهم ورأس المال الخاص الذي يهدف في المحصلة الى الربح، والذي هو الاساس لاي استثمار متواصل او مستدام، والذي هو المؤشر على الاستقرار وتوفر المقومات والبنى التحتية، وتوفرالقوانين والحوافز والتشريعات والنزاهة، والاهم توفر الافق السياسي، اي ان الاستقرار او الامل بأستقرار سياسي هو الذي يجر رأس المال الخاص والمال العام اي من الدول او الهيئات الاقتصادية الدولية، للعمل وللاستثمار، وربما هذا ما حدث خلال السنوات التي تلت اتفاق اوسلو ونشؤ السلطة الفلسطينية، وما رافق ذلك في ذلك الوقت من امل ومن تفاؤل بالتنمية والبناء وما الى ذلك؟.

ومعروف ان اوضاعنا صعبة وان الديون المتراكمة على الخزينة العامة او العجز المتراكم في الميزانية يصل الى حوالي اربعة مليار دولار امريكي، ولا يجادل احد بحاجة الناس، وبالاخص الشباب، الذي يشكل النسبة الاكبر من المجتمع الفلسطيني، وبالاخص الخريجين الى العمل، خاصة ان نسبة البطالة في بلادنا تصل الى اكثر من 25%، وان نسبة الفقر تصل الى ذلك كذلك، وبالتالي هناك الحاجة الى توفر العمل للعيش بكرامة ولبناء المستقبل، ولا يجادل احد اننا بحاجة الى الكثير من المشاريع، وبالاخص المشاريع ذو البعد الاسترتيجي، اي الطويل المدى، او المستدام، مثل مشاريع البنية التحتية، والمصانع والمطارات، ومشاريع السياحة، والتصنيع الزراعي، ومشاريع التكنولوجيا والمياة، وكل ذلك مهم لاي بلد، وبالاخص لبلاد مثل بلادنا ، وبالتحديد في الوقت الحالي وفي الظروف الراهنة؟

ومعروف ان مصادر الدخل الفلسطينية الحالية محدودة او مقيدة، وان توقعات الميزانية، تعتمد على جزء كبير من اموال المساعدات الخارجية، ومعروف ان المساعدات الخارجية ترتبط بالاوضاع السياسية، او بالافاق او المسار السياسي، وهي ترتبط كذلك بالاهداف او الشروط او المصالح السياسية للمانحين من دول ومن منظمات، ومن ضمن ذلك الولايات المتحدة الذي يمثلها وزير الخارجية كيري في زيارتة الحالية.
واذ لا ينكر احد اهمية الاقتصاد لتوفير العمل او لارساء دعائم البنية التحتية او حتى للحصول على البضائع بالجودة والسعر المناسب للناس، ولا ينكر احد ترابط الاقتصاد مع السياسة ومع الثقافة ومع التعليم ومع مجالات الحياة الاخرى، ولا ينكر احد حاجة الالاف من الموظفين لراتب اخر الشهر لتوفير مستلزمات الحياة اليومية ولدفع القروض للبنوك وللتفكير اوللتخطيط للمستقبل، ولكن ومن خلال التجارب والخبرات القريبة والبعيدة، لا يمكن ان يصبح الاقتصاد هو العنوان اوهو المحرك او الغطاء للادعاء بوجود تقدم او بناء او تنمية، اوهو المؤشر للقبول بواقع اوللحفاظ علية، اوهو الهم الرئيسي سواء للحكومة او للناس، خاصة في ظل الحديث عن قضايا ترتبط بالحقوق الانسانية والكرامة والمعاناة والمستقبل.

وبالتالي، وفي ظل زيارة وزير الخارجية الامريكي وما رافقها من تصريحات، فأن المسار السياسي، يبقى هو الذي يسبق ويحدد مدى التقدم في المجال الاقتصادي، والتغيرات على الارض، من حواجز ومعابر والوصول الى الارض والمياة والمصادر الطبيعية، ومن حرية التنقل والتواصل، ومن توفر عوامل الاستقرار، ومن وضوح المستقبل، حيث ان كل ذلك هو الذي يحدد مدى ومتى وكيف سوف يستثمر القطاع الخاص، سواء الفلسطيني او العربي او الدولي، وكذلك كيف وكم سوف تستثمر الدول المانحة في فلسطين، وما يتبع ذلك من اثار اجتماعية واقتصادية وما الى ذلك.

وقد يكون ضخ الاموال الامريكية او غيرها ، وبكثرة في هذه المرحلة، او القيام بخطوات على الارض قد يكون لها اثار ايجابية على حياة الناس، الا ان هذا التأثير الايجابي ومهما شمل من قطاعات ومن اعداد، يبقى مؤقت، اي ليس دائم او مستدام، وبدون ارضية صلبة، او بدون توافر عوامل الاستقرار للمدى البعيد.
وبالتالي، فأن الغطاء الاقتصادي، ومهما كان كبيرا او سميكا او جذابا، لن يحجب الجمود السياسي على الارض، ولن يجعل الناس، وبالاخص الشباب ان تنأى وفي ظل توفر نوعا من الرخاء المفترض، وتوفر نوعا من المشاريع ومن فرص العمل، لن تحجبة عن القضايا الاساسية، التي هي قضايا وجود وحقوق وكرامة ومستقبل، وبالتالي هل يمكن تصور ان قضايا اساسية مثل القدس، والارض او الجزء من الارض الذي سوف يتم اقامة مشاريع فية او حتى الانسحاب منة، او قضايا المياة، او الاغوار، هل يمكن تصور مبادلتها بمليارات من الدولارات المؤقتة، او برفاة او بسيولة او بمشاريع وفرص عمل، واذا لا يمكن تصور ذلك، فهل يمكن ان يكون الزخم الاقتصادي، او السلام الاقتصادي، الذيرافق زيارة كيري، وربما سوف يرافق زيارات غيرة، او حتى عقد المؤتمرات الاقتصادية الدولية وغيرها، وفي ظل تضاؤل الامل بتحقيق تقدم في مجال الحقوق، ان يكون هو البديل او الغطاء للجمود الحالي، او قادر على الخروج من الاوضاع الحالية؟