نشر بتاريخ: 01/12/2015 ( آخر تحديث: 01/12/2015 الساعة: 15:25 )
الكاتب: د. نايف جراد
مضاءُ الروح
(من وحي موسيقى هانز هايمر" الشروق")
..................................
ماذا أفعل مع روحي الشقية؟
إنها لا تريد أن تريح و تستريح
قلت لكم مرة: سأقبض عليها
لكنها تبدو سرمدية
تغلي كمرجل وتلبس البخار
وتتسلل من بين قضبان الحديد
تُقتل كل يوم
وتلدها أمي من جديد
قال لي أبي ذات يوم:
لقد ورثتها عن جدك علي،
الذي كان يسابق الريح
ومضى في السفربرلك.
أما أمي فأومأت برأسها
ونظرت إلى صورة خالي الشهيد المعلقة على الحائط
وأنا ابن أمي وأبي
لكني لا أريد أن أموت في حروب الغير
لا أريدها في العراء أن تحترق
أريدها روحي هنا في سمائي تنطلق
أريد أن أورثها لأحفادي وأحفاد أحفاد أحفادي
تتقمص روح الفلاح الذي يحرس أرضه
يحرثها بسكة من وجد
ويحنو على الحنون الأحمر والزهر
ويأكل من خبز الطابون
أريدها أن تتقمص روح بدوي من سلالة العماليق
يرعى عنزه في براري الحرية
دون مديح أو تصفيق
يصهل كفرسه الأغبر
يعيش في بيت الشعر آمنا دون هم أو ظنون
يعزف على ربابته العتيقة ويغني للحسون
أريدها أن تتقمص روح ساكن القصبة
من بنى قصور الأجداد
وشيد الأبراج
من يطعمنا الكنافة ودبس العنب والرمان
ويصنع الزجاج المزخرف و الصابون
ويبني أسوار المدن لنعيش بأمان
أريدها هنا تصاحب جذور الأشجار
تندس في أعماق الأعماق
وتعلو على غصونها تلوح للأمطار
أريدها أن تتقمص روح النرجس الجبلي وزهر اللوز
واشجار الزيتون والبرتقال
أريدها في روح الخروب والصبار
الذي انتظر غارسيه سبعين عاما
وظل صامدا لم ينهار
أريدها هنا بسبعة أرواح
تقفز حرة في الفضاء الرحب
تسكن في كل بيت وحارة
تصدح مع آذان الجوامع وأجراس الكنائس
في حيفا ويافا والقدس والرملة واللد وعسقلان
تصرخ في وجه الطغيان
تقطن كهوف الكهنة في طريق الحجيج والأسفار
تغار على الديار
تحمى حمى الجار
أريدها في كل حالات كينونتها
ذاهبة الى الوجود الأولي لتندغم بالحياة
حزينة فرحة
نائمة صاحية
هابطة صاعدة
عارية مكسوة
تناجي اله السماء في كل الأوقات والحالات
وتتقمص روح بعل وعناة
تغنى عتابا وميجنا وزريف الطول
لا تقبل عطاء المحسنين
تتقمص رصاصة أو حجرا أو سكين
وتسمو بذرات وجدي إلى القمم
في قبلتنا الأولى عاليا في السماء
وفي كل الأرجاء
كما يفعل الشهداء
تشظي جسدي مع لحنها الذي لا ينضب
تنثره في أعالي الجبال وفي الحقول
تصبغ بدمي لون الجداول الوردية
تسكبني في رحيق الورد وقطرات الندى
تصعد على سلم اللانهايات والأبدية
وهنا، هنا، وهنا في موطني تقضي
راضية مرضية