نشر بتاريخ: 04/12/2015 ( آخر تحديث: 04/12/2015 الساعة: 14:06 )
الكاتب: فراس ياغي
يطرح الدكتور محمد شحرور ف كتابه "السنه الرسولية والسنه النبويه"، مفهوم الطاعه، ويرى أن الطاعةُ مُلزمةٌ للرسول محمد صلوات الله عليه وسلم في مقام تبليغ الرساله (مقامه كرسول "ص"، من حيث أحكام الرساله والقيم الإنسانيه ونظرية الحدود في التشريع والمحرمات والشعائر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، ويستند في ذلك لقوله تعالى "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ..." (النساء 64)...ويقول شحرور، أنه ورد في القرآن الكرم سبعين موضعا يُذكر فيه جملة "أطيعوا الرسول"، في حين لم يوجد فيه مطلقاً عبارة "أطيعوا النبي"، كما يرى الكاتب، أن الطاعة للرسول "ص" هي طاعه إختياريه، لقوله تعالى "مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَنْ تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا" (النساء 80)، والسبب في ذلك أن الرساله تحتمل صفتي الطاعه والمعصيه، ومن عصى فإن حسابه عند الله فلست أيها الرسول رقيب تحفظ أعمالهم وتحاسبهم عليها...في حين "مقام النبوة" يحتمل مفهومي التصديق والتكذيب لأنها تتحدث عن أنباء غيبية، والقرآن الكريم هو عباره عن الغيبيات الكونية والتاريخيه، ولهذا السبب لم يقم سيد المرسلين والبشر محمد عليه السلام بتفسر القرآن وتأويله، ذلك أن الله تعالى قال في محكم كتابه " لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ ۚ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ" (الأنعام67)، ومن هذه الآيه لوحدها نجد معجزة القرآن الكريم حيث الكثير من الإكتشافات والعلوم في قرننا هذا أثبتت ما ورد في التنزيل الحكم المُنَزّل وحياً في القرن السابع ميلادي، كما قال صلوات الله عليه وسلم " بلّغوا عني ولو آية، فَرُبّ سامع اوعى من مُبلغ"، والسامع والقائل في عصرنا الحالي أوعى بكثير ممن سبقوه في عهد النبوّة وهذا راجع لحجم الإكتشافات العلمية والأنثروبولوجيه والأركيولوجيه الهائله والتي بمجملها لا تتعارض مع ما ورد في كتاب الله، فالنص ثابت في حين القاريء والسامع مُتغير.
سُقت المقدمه أعلاه ليس لكونها فكرة مؤكدة رغم قناعتي الشخصيه فيها، بل لأنها رؤية جديده في محاولة فهم جديد للسنه الرسولية والسنه النبويه تُجافي بشكل ثوري المفاهيم المُحنطه السلفيه الموروثه التي لا يزال المجتمع العربي والإسلامي يأخذ بها ويؤمن بها ويحارب أي محاولة للتجديد الفكري في مفاهيم الديانه المُحمديه وبما يتلائم مع القرن الواحد والعشرين..وما ينطبق على الدين السَلفي ينطبق على السياسه السَلفيه، متمثله في، سياسة الحزب الواحد والقائد الواحد وسياسة الفكر الواحد، سياسة الإحتكار للحكم والسلطه والبرنامج والفكره، فما أن يخرج علينا أحد السياسيين أو المفكرين أو المُحللين بفكرةٍ ما حتى تتم مهاجمته بأبذع وأقسى الكلمات والمفردات التي يتمتع فيها قاموس لغتنا العربيه، بل يتم القفز عن الفكره ومهاجمة الشخص بإتهامات ليس لها أول من آخر.
إن من طبيعة الفرد في أي مجتمع كان أن يبحث عن دور له في مجتمعه الصغير او الكبير، محلياً أو عالمياً، صاحب برنامج محدود أو مُفكّر وصاحب فلسفه أو نظريه، العلماء مثلاً ( أقصد في العلم وليس في الدين) يجدون أنفسهم ودورهم من خلال إكتشافاتهم وإختراعاتهم لأن تأثيرها يكون على الإنسانية جمعاء، بينما رجال السياسه ويدخل في نطاقهم في عصور ما بعد الخلافة الراشديه وحتى الآن (رجال الدين أو من يُسمون أنفسهم علماء وفقهاء)، فإن مصالحهم الشخصية والفئوية والدينية والإقليمية ومصلحة إحتكار السلطه، هي من يتحكم في مفهوم التأثير ودور الفرد، وهنا من الفرد إلى الحزب يبحث عن بقاءِه وإستمراره في السيطره على السلطه، لذلك يقال " السلطة مَفسَدَه".
في الواقع الفلسطيني، لدينا مشكلة عويصه، أولها ليس الإحتلال فحسب، ولا الإنقسام وتجلياته وما نتج عنه، ولا الصراعات المناطقية الجهوية، ولا الصراعات الحزبية الداخليه، ولا حتى الصراع بين الأفكار والنظريات والبرامج...مشكلتنا في أن من يَتصدى لكل هذه المشاكل وبالذات السياسية منها، إما كان جزءاً منها، أو عَمِلَ لإيجادها بسبب من مصالح فردية ذاتيه في حينها، وحين خَرَجَ من هذه التجاذُبات كُرْهاً وليس طَوْعاً، بدأت فرديته تبحث عن حلول لما قامَ وعَمِلَ لأجله وعليه،وفرديته هنا ليس شَخصه الكريم، إنما ذاك التيار الذي كان أحد أهم الأسباب في إحداث ما أصبحنا عليه وما نحن فيه...تَيّار بِشِقّيه العلماني "سياسياً" وتَيّار الإسلام السياسي، هذا تحدث عن المجتمع الدولي ومتطلباته وذاك تحدث عن "المقاومه" وشرعية صندوق الإقتراع بطريقته ووفق نظرته المطلقه التي لا تحمل أي تأويل، وبطريقة شيوخهم الحاقدين على أنفسهم قبل الإنسانيه "سيد قطب وإبن تيميه"، والضحيه كانت فلسطين والشعب الفلسطيني...وحين تَقدَم صاحب الشرعيه الجماهيريه والوطنية والتاريخية والمؤسساتيه الرئيس "أبو مازن"، بالدعوة في تلك اللحظة التاريخية لإستفتاء لحسم طبيعة ذاك الصراع شعبياً، رَفَض صاحب الفكره المطلقه تلك الفكره وجَعَلَ من فرديته وتِبعِيّته للتنظيم الدولي لحزبه هو الأساس، فكان ما كان.
حقق البعض الغارق حتى أُذنيه في الإنقسام ما يصبوا إليه كفرد أو كتيّار، الخسارة الوطنية والمجتمعية والشعبية كانت ليس أكبر وحسب، بل تداعياتها الزمانية والمكانية لا زالت تنزف حتى الآن وستبقى...إن أي دعوة لإعادة اللحمه ومهما كان الهدف منها وطني أو حزبي أو حتى فردي، يجب أن تكون فتحاوية – حمساويه، أو أن يتم تبنيها من الحزبين الكبيرين، شرط أن يكون على رأسها من يتمتع بالشرعية الدستورية المُتمثله بالرئيس محمود عباس " أبو مازن"، وبحيث تؤسس ليس فقط لإعادة الإعتبار للوطن فقط، بل لإحداث نقله نوعية وجديدة في الفكر السياسي والوطني والبنيوي المؤسساتي المُستند إلى إنتخابات تشمل كافة المؤسسات من مجلس وطني إلى تشريعي إلى رئاسي، وبعد ذلك يكون هناك إطار قيادي موحد، أما قبل ذلك فمفهوم أي إطار قيادي موحد خارج نطاق مؤسسات الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، هي وصفه لنزع الشرعيه عن "م.ت.ف" بإسم الوحده الوطنة المزعومه، وهي وصفه للبقاء الذاتي للأفراد وتياراتهم، ووصفه لسرقة إرادة الشعب الفلسطيني في إختيار قياداته بحرية وعلى قاعدة الإنتخابات الحره والنزيهه.
أما آن الأوان لأن يكون عنوان القضيه الفلسطينية شعبها وليس تقاسم فصائلي يفرض نفسه بسبب وجود قطاع غزه الحبيب مخطوف وتتم المساومه عليه وفي ظِلِّ حصار ظالم يَئِنُّ منه شعب القطاع ويدفع فقراءَه دمائَهم وحريتهم نتيجةً لذلك..يعتصرنا آلآم بسبب واقع الحال، وبالرغم من ذلك علينا أن نكون أكثر شجاعه ونقول للأفراد والشعب وغيرهم من نُخَب، أن هناك قاعدة تقول "قاوم الرغبة لإكمال الأشياء الصغره أولاً"، ونقول أيضا كما قال صاحب أل "لا" الشاعر الكبير المرحوم أمل دنقل: فاشهدْ يا قلمْ...أننا لم ننمْ...أننا لم نضعْ...بين لا ونعم.