الجمعة: 27/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

زيارة د. فياض لغزة:الحقيقة والجدل وشيءٌ من الأمل

نشر بتاريخ: 06/12/2015 ( آخر تحديث: 06/12/2015 الساعة: 14:31 )

الكاتب: د.احمد يوسف

بودي بداية أن أتوجه بخالص الشكر للأخ د. سلام فياض لشجاعته وصبره على الآخرين، وأدبه في الخطاب معهم، والتي برزت جميعها خلال زيارته الأخيرة إلى غزة، والتي تشرفت مؤسسة بيت الحكمة بالترتيب لها واستضافة فعالياتها. إننا في بيت الحكمة نؤمن أن تلك الزيارة الناجحة هي استحقاق قديم، وواجب متأخر على الرجل؛ بصفتيه كرئيس للوزراء، وكشخصية وطنية رفيعة. لقد كانت غزة عظيمة بأهلها، وأنصتت للضيف وحاورته، ثم غادر كما دخل معززاً مكرماً.

منذ أن تمَّ الإعلان عن زيارة د. سلام فياض إلى غزة، بدأت تنهال علينا التساؤلات، بين مستطلعٍ لصحة الخبر، وبين راغب في معرفة أسبابها ودلالة توقيتها، فهناك من اعتبرها خطوة جريئة في الاتجاه الصحيح، وهناك من كانت له وجهات نظر أخرى.
حاولت في البداية توضيح الأمور، بأن الزيارة تسعى لإجراء حوار فكري في الهمِّ الوطني العام، والاطلاع على ما يطرحه د. فياض من أراء للخروج من المأزق السياسي والحالة الكارثية التي يمر بها الوطن. فبدلاً من اقتصار طرحه على مقال في صحيفة قد لا يلتفت له الكثير من الناس، وتضيع قيمة الفكرة، فلا بدَّ من ابقائها معروضة للتداول، وذلك عبر جلسات مفتوحة للحوار مع جمهور النخبة من الكتَّاب والمحللين، والمهتمين من رجالات الفصائل والشخصيات الوطنية والإسلامية.

منذ البداية، حرص د. فياض على أن تبقى الزيارة دون ضجيج إعلامي، وهو معني برؤية عدد محدود من الشخصيات الوطنية والإسلامية، التي يمكن أن يطرح عليها مبادرته وأن يتبادل معها الرأي والمشورة .
أجرينا اتصالاتنا مع الجميع لإنجاح الزيارة، وتحقيق الغرض المرجو منها، وذلك بالاستماع لما يحمله من أفكار ونقاشات حولها، حيث إننا نتطلع إلى كل صاحب رؤية ورأي، يمكن أن يسهم في بحثنا الدائم عن القنديل، الذي قد يبدد ضياؤه ظلمة النفق، ويدلنا على الطريق.

نحن من طرفنا نعلم أن الرجل كسياسي له وعليه، وأن زيارته لن تمضي بدون جدل حولها، فالرجل له مكانته وتاريخه السياسي، وهو معروف بعلاقات الدولية الواسعة، ويحظى باحترام لدى الكثير من المؤسسات الأهلية ومراكز الدراسات في الغرب، كما أن مشاركاته الدائمة في اللقاءات الفكرية والندوات التي تعقدها تلك المحافل للحديث عن الأوضاع السياسية في فلسطين، وعن جوانب الصراع مع الاحتلال لم تتوقف، والرجل يمتلك من لغة الخطاب السياسي الكثير، حيث إن حضوره يلقى استقبالاً وتقديراً خاصاً في تلك الدوائر والمؤسسات الغربية. وقد تفرغ - بعد تقديم استقالته من الحكومة - بكامل طاقته إلى العمل في مؤسسة "فلسطين الغد"؛ وهي مؤسسة ترعى الكثير من المشاريع الخيرية والتنموية داخل القدس والعديد من المناطق المحتلة، التي تفتقر للبنية التحتية، بهدف تعزيز صمود الفلسطينيين وتثبيت على أرضهم.
صحيحٌ، وكما توقعنا، فقد ثار حول الزيارة الكثير من اللغط الإعلامي، فيما اعتبرها البعض تدشينا لانطلاقة سياسية جديدة له بعد مرحلة من الصمت التزم فيها بألا يفضي بشيئ.

سلام فياض: الرؤية والأمل
في مقالين تمَّ نشرهما على فترتين متباعدين، أحدهما بعنوان: "سعي الفلسطينيين للدولة يبدأ من غزة"، والأخر "وداعاً للبكائيات"، أشار فيهما د. فياض إلى أنه جاء الوقت لننهي البكائيات، والدخول الى ميدان العمل الحقيقي، وأن العمل يجب ان يبدأ من غزة، وأنه لا فائدة من تجريب المجرب، ويجب الابتعاد عن الحلول حمالة الأوجه، حيث إن المطلوب - الآن - هو التداعي لعقد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، وتوسيع رقعة المشاركة، وعقد المجلس الوطني بمشاركة الكل الوطني، وإعادة التأكيد بأن المنظمة هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني.

ويرى د. فياض بأنه يجب التعامل مع الاحتلال الاسرائيلي بندية وليس بثقافة السادة والعبيد، وإن هذا يتطلب أن نقر لبعضنا البعض بالاختلاف، وأن لا نتصارع عليه، وأن نعمل على تعزيز الصمود المقاوم لأهلنا، كما يجب التحرك من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية، وذلك باستدعاء عليِّة القوم في السياسة، ليتحملوا مسئولياتهم كاملة، إذ ليس من المقبول أن نبقي واقعنا على حاله ونلعن الظلام، إن الواجب يفرض علينا – اليوم قبل الغد - أن نتحرك بشكل فوري لتغيير هذا الواقع.

هذه هي ملامح ما ينادي به د. فياض ويبشر به، قد يكون واقعياً وقد يكون غير ذلك، فالرجل لم يطق الجلوس متفرجاً فيما الوطن مرجل يغلي، ويعيش سياسيوه في مأزق قاتل، وفيما الحراك الشعبي يرسل ومضاته كذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
هذه الزيارة، وهذا الخطاب، إنما هي محاولة لوضع النقاط على الحروف، ومدِّ اليد باتجاه غزة التي كانت دائماً - وما تزال - رافعة المشروع الوطني.
كانت قناعتنا ولا زالت أن الرجل لديه ما يقوله، وهو لم يكابر ويدافع عما وقع من أخطاء، فهو لم يكن طرفاً في أحداث الانقسام المأساوية التي وقعت في يونيه 2007م، والتي لم يسلم فيها طرف من الاجتهادات الخاطئة، أما الفترة التي أعقبتها فقد كانت هي امتداد لتلك الأخطاء، والتي ما زلنا ندفع أكلافها الغالية حتى يومنا هذا. لقد جاء الى منصبه مكلفاً في المرحلة التي أعقبت محنتنا الوطنية، وصار د. فياض رئيساً للوزراء بعد أن تشظى الوطن وصار لنا حكومتان، فيما استمرت سطوة الأجهزة الأمنية وتغولها على جهات المعارضة ومؤسساتها الأهلية، وارتكبت كل المحرمات في ظل عجز المؤسسات الرسمية، وغياب الرجل الرشيد.

ولذا فلا يمكن لأحد كان في السلطة أو موقع القرار – آنذاك - أن يُعفى منها. وبلا شك، سيأتي اليوم الذي تفتح فيه صفحات تلك الحقبة من خلافنا السياسي، وسيكون فيها حال كل هؤلاء محكوماً بقوله تعالى "وقفوهم إنهم مسئولون"، ليعرف الفلسطينيون من هو الذي كان يقف خلف كل ما جرى، هل هو طرف واحد أو عدة أطراف؟ هل هي جهة فلسطينية أم مخططات إسرائيلية؟ وهل ما وقع كان كيداً في سياق خصوماتنا السياسية أم هو أكبر من ذلك، وتقف خلفه جهات دولية؟
لقد أكد د. فياض في مداخلاته في غزة بأن هناك أخطاء وقعت، وقد ولغت فيها أطرافاً عدة، وإذا فتحت العدالة أبواب موازينها الحق، فإنه جاهز للمسائلة وتقديم الشهادة.

حركة حماس: الموقف من الزيارة
شهادة للتاريخ؛ لقد كانت قراءتي لموقف الحركة هو الترحيب بالرجل، برغم تحفظ بعض قياداتها وأبناؤها بسبب المظالم التي ارتكبت بحق الحركة، وتمَّ الكثير منها في عهد حكومته، ولكن تفهماً من القيادة، وقطعاً لدابر القول بأن حماس تستفرد بقطاع غزة، وحرصاً على التواصل مع إخواننا في الضفة الغربية، وسد الطريق على كل من يريدون تأبيد الانقسام، فقد نظرت قيادة الحركة للمسألة من باب أن د. فياض هو في المقام الأول فلسطيني، وثانياً؛ هو نائب في المجلس التشريعي، وثالثاً؛ هو شخصية اعتبارية يمكن أن تصل لها جسورنا، ورابعاً؛ هو رجل تعاملنا معه في حكومة الوحدة كوزير للمالية ولم يكن موضع خلاف.

لقد أكبرت في قيادة الحركة موقفها، وشعرت بالارتياح لارتفاع منسوب الوعي والمسئولية لدى كوادرها، فنحن كأبناء وطن واحد ومن أجل ترميم بيتنا السياسي علينا أن نتغافر، وأن تجد أيدينا طريقها للعمل معاً، حيث الكل يتربص بنا الدوائر، وإذا لم يجتمع الشمل وتتوحد القلوب وتأتلف، فإن وجودنا سيصبح موضع تساؤل وتهديد.

إن رؤية د. فياض السياسية مفادها هي العمل من خلال منظمة التحرير باعتبارها الممثل الذي يحظى بشرعية عالمية، ولكن مواقف المنظمة يجب أن تمثلنا جميعاً، حيث ما نتوافق عليه في الإطار القيادي المؤقت، وليست عنواناً باهتاً يتم توظيفه بدون مرجعية وطنية وإسلامية.. إن ما يطرحه د. فياض هو خطوة في اتجاه الشراكة السياسية والتوافق الوطني، مع احترام لتعدديتنا السياسة، ولكن بإجماع واجتماع حول السياسات والمواقف.
باختصار: إن حركة حماس برغم أنها مجروحة وكوادرها متألمة من تجاوزات تلك المرحلة ومظالمها، إلا أنها كانت متفهمة لطبيعة الظروف التي كانت سائدة، ولجهات المكر التي تقف خلفها.

الشارع والنخب: وجهات نظر مختلفة ومتعددة
مع الزيارة الخاطفة لقطاع غزة، والتي سمعنا لها تحليلات وتفسيرات متفاوتة، بعضها كان منطقياً وأصاب كبد الحقيقة، وبعضها كان طيشاً وهوساً، حيث سمح البعض لخياله أن يدعي ما يشاء بلا بينة أو برهان.. بالطبع، صدرت تصريحات لم تكن موفقة من بعض الأطراف، وكان واضحاً أن وراءها جهات مغرضة لا تمثل حالة إجماع، كتلك التي صدرت باسم حركة فتح على لسان أسامة القواسمي، وكانت هناك ردود عليها من شخصيات في الحركة تقول أن هذا البيان لا يمثلها.
وعلى ساحة العديد ممن تحدثوا وكتبوا عن الزيارة، فقد كانت هناك واقعية في الخطاب، باستثناء حالات بالغت في الإساءة لأسباب لها علاقة بالوطنية الكاذبة، التي يلتحفها البعض أحياناً.

لقد كتبت أقلام أجد نفسي أحترم تحليلاتها للزيارة، وأتفهم ما قالته سلباً أو إيجاباً؛ لأنها صاغته بلغة الوعي والأدب.. ولقد ارتأيت أن أقدم بعضاً من هذه المداخلات، التي رأيت فيها معرفة تفيد وفي سطورها قول رشيد، وأن أدع منها تلك التي فيها الكدر؛ لأن ذلك في الحقيقة هو ما يمكث في أذهان الناس، ويلتصق بالمرحلة، وأما نفاق البعض ولغطه فهو كالزبد يذهب جفاءً، ويتم نسيانه بعد حين.

ربما كان أكثر من استمع وشارك في الحوار مع د. سلام فياض هو الكاتب والمحلل السياسي أ. أكرم عطالله، ولذا أحببت أن نقتطف من مقاله (فياض في غزة) بعض السطور، التي تعكس فهمه لأبعاد ما جاء به الزائر، وما حملته الزيارة من أثر، حيث قال: "جيد أن هناك من يعتقد أن أمر المصالحة ممكن رغم كل اللاءات التي تعكسها الحقائق القائمة والصادمة التي نشأت بعد 2007م، معززة بثقافة الإقصاء والوعي القاصر في ممارسة السياسة.. وجيد أن د. سلام فياض جاء إلى غزة في ذروة الركود ليلقي حجراً في البركة الراكدة، وإن كانت كل الأحجار لا تكفي لأحداث أية حركة، فقد تحولت المياه إلى جليد صلب، أصبح عصياً ليس فقط على الحركة بل على الكسر. المثير لليأس حقاً كان طبيعة تعاطي القوى الكبرى مع هذه الزيارة، بالرغم أنها لم تكن سوى تبشير للمصالحة، التي يفترض أنها هدف الجميع.. إن من استمع للمداخلات والمناقشات التي طرحها البعض، كان يعرف أننا مجرد استعراضيون وسطحيون، بعيداً عن المضمون، حتى وإن كان يقدم خدمة لنا جميعاً، مناكفون تحكمنا عقد قديمة، نستدعي الماضي السيء للتغلب على المستقبل. باختصار: لا نجيد ممارسة السياسة، فالعقل العشائري لم تغيره كل تلك السنوات، وكل تلك التجربة المكلفة. الحقيقة أن زيارة رئيس الوزراء السابق تحسب له في غزة؛ المهملة والمنسية من كل الحسابات، وحديثه عن المصالحة التي تشكل كلمة العبور في حل كل أزمات القطاع تدغدغ الناس هنا الذين فقدوا كل شيء وينتظرون أي شيء للخلاص من هذا الواقع الصعب، لكن الفصائل كأنها ارتضت هذا الواقع ولا تسعى إلى تغييره، فقد انقسمت تجاه هذه الزيارة ما بين مقاطع ومهاجم، بل إن هناك من أراد أن يعلن د. فياض توبته!!"، وكأن توبتنا جميعاً تكفي لطي صفحة ما وقع من خطايا، وما ارتكبناه من أخطاء!!

وفي تقييمه لساحة الحدث، يضيف أ. عطا الله قائلاً: "التقيت الرجل بعد أن أنهى مؤتمره الصاخب مع عدد محدود من الصحفيين والكتَّاب، وفي اللقاء عاد الرجل يتحدث بنفس الحيوية والأمل بإنهاء الانقسام. سألته: ألا يعتقد أن الأمر أكثر تعقيداً مما ترى؟ أجاب: نعم؛ الأمر لا ينتهي بضربة واحدة، ومن الصعب تصور إجراء الانتخابات خلال ستة أشهر، لكن الآفاق ليست مغلقة، وعلينا أن نعمل ما بوسعنا.. الأمر صعب، لكنه ليس مستحيل.. ترى هل أن غيابه عن غزة ثماني سنوات جعله يعتقد أن الأمر ممكن، أم أن واقع غزة وما نشأ على امتداد تلك السنوات جعل جرعة التشاؤم لدينا زائدة؟ بكل الظروف هذا الواقع الاستاتيكي بحاجة إلى من يحركه دوماً، تحدث الرجل عما يجب أن يكون، وكيف يمكن، ولكن أدوات تحقيق ذلك ووسائل الضغط المطلوبة لا أحد يعرف، وربما لا أحد يمتلك ذلك..!".

أما الأستاذ حسن عصفور؛ السياسي المخضرم، والمطلع على الكثير من بواطن الأمور في ساحتنا الفلسطينية، فقد كتب في مقال بعنوان: (حراك فياضي هام.. رغم ضجيج الانقساميين)، قائلاً: "علها الخطوة الأكثر أهمية سياسية منذ فترة بعيدة، تلك التي قام بها د. سلام فياض؛ رئيس الوزراء السابق، بالبدء في تقديم رؤية سياسية خاصة للخروج من المأزق الوطني الكبير، الذي تشهده المنظومة الرسمية الفلسطينية.. هي البداية نعم، ولكنها الضرورة التي لا يجب أن تتوقف أمام غوغائية سياسية لمن فقد البوصلة الوطنية لحسابات حزبية ضيقة، تريد مصادرة بقايا المشروع الوطني وبقايا الوطن.. إن ما تقدم به د. فياض من خطوات وآليات يمكنها أن تحدث تغييراً جوهرياً في المشهد السياسي القائم، ولكسر الحالة الانقسامية بما يعيد المشهد الوحدوي الوطني، وهي خطوات ضرورية لا بدَّ منها، بل ويجب أن تبنى حركة شعبية عامة، من أجل فرض تلك الآليات، وقطع الطريق على معرقيلها من القطط السمان، التي أنتجتها مرحلة الانقسام الوطني، ولكن، وبالتوازي يجب وضع رؤية بأليات واضحة ومحددة لكيفية فك الارتباط بالمشروع الاحتلالي، والانتقال الى مرحلة تجسيد الكيانية الوطنية عبر دولة فلسطين.. تلك هي المسألة التي تستوجب أن تكون ضمن أي مشروع مستقبلي، وعدم العيش في جلباب منتجات الانقسام".

أما الأستاذ مصطفى إبراهيم، الصحفي والناشط الحقوقي فقد كتب مقالاً بعنوان: (في الجدل حول زيارة فياض لغزة)، قال فيه: يثار الجدل في الساحة الفلسطينية حول زيارة رئيس الوزراء السابق في حكومة تسيير الأعمال د. سلام فياض لقطاع غزة، ورد حركة فتح التخويني والعنيف والقاسي، والقول أن فياض لا يمثل شيء في المجتمع، ويبحث عن دور سياسي مشبوه!!
وقد أوضح أ. مصطفى في مقاله بأن د. فياض قد زار قطاع غزة بناءً على الدعوة الموجهة له من قبل د. أحمد يوسف؛ رئيس مؤسسة بيت الحكمة، وقد قام قبل زيارته لقطاع غزة بالاتصال بعضو اللجنة المركزية لحركة فتح والمسؤول الأول عن الحركة في القطاع، ورئيس هيئة العمل الوطني د. زكريا الأغا، الذي رحب بزيارته، ولانشغاله لم يكن في استقباله. ولكنه اتصل بالنائب في المجلس التشريعي جميل المجدلاوي بصفته أحد قيادات هيئة العمل الوطني، وأخبره بالزيارة وطلب منه أن يكون في اللقاء الذي سيعقد مع هيئة العمل الوطني، واستقبال د. فياض، الذي طلب أن يكون دخوله إلى غزة عبر بوابة هيئة العمل الوطني، وهي إحدى هيئات منظمة التحرير الفلسطينية.. بدوره، قام النائب المجدلاوي بالاتصال بالمسؤول الثاني في حركة فتح، وباعتباره نائب أمين سر حركة فتح في قطاع غزة إبراهيم أبو النجا، والذي رحب بزيارة د. فياض، لكنه اعتذر عن الاستقبال وحضور الاجتماع لأسباب خاصة، وعقد الاجتماع في مكتب النائب المجدلاوي.

ويتساءل أ. مصطفى إبراهيم في نهاية المقال عن سر كل هذه الضجة المفتعلة، والتي أثارها الناطق باسم حركة فتح حول الزيارة، بالقول: "أمرنا غريب. لقد كان أول اجتماع عقده فياض في غزة وبناء على طلبه مع هيئة العمل الوطني، التي تتشكل من فصائل منظمة التحرير وعلى رأسها فتح، ومن رحب باستقباله قيادة حركة فتح في قطاع غزة، ومن وجه له الاتهامات حركة فتح، وعبر بيان رسمي؛ يعني البيان صادر عن أعلى جهة قيادية في الحركة!!
وأضاف: أمرنا غريب، وما يسمى نظامنا السياسي أمره أعجب، إن من حق د. فياض أن يقيم في غزة وليس زيارتها فقط، فهو مواطن فلسطيني وهذا حق مكفول بالقانون، ومن حق حركة حماس عدم استقباله والاحتجاج على زيارته، فهي عانت في ظل حكومته الطويلة، لكن في النظام السياسي والحياة السياسة الفلسطينية تتبدل المواقف. إن حركة فتح التي رحبت به في الصباح هي التي خونته في المساء!!
ويتساءل باستغراب: إن د. فياض هو عضو في المجلس التشريعي، فلماذا لا يعقد المجلس التشريعي ومحاسبة كل الذين خانوا القضية، كما تدعي حركة فتح؟ لماذا كل هذا الذعر والخوف من د. فياض، وهل أصبح د. فياض قوة كبيرة تخشاه حركة؟".

أما الوزير الفتحاوي السابق سفيان أبو زايدة فقد كتب عن الزيارة قائلاً: "المنطق يقول أن سلام فياض كرئيس وزراء سابق، وكعضو مجلس تشريعي، من الطبيعي جداً أن يذهب إلى غزة أو أيِّ جزء آخر من الوطن، ويجب أن يلام على أن هذا الذهاب ولا أقول الزيارة قد تأخرت كثيراً. وأضاف: اتفهم موقف بعض قيادات حماس وكوادرها وعناصرها بعدم ارتياحهم أو رفضهم لأيِّ لقاءٍ أو تعاون مستقبلي بين فياض وحماس، على الرغم أن عدو السياسة هو اغلاق الأبواب. وقال: إن من حقهم أن يتخذوا موقف، ولكن ليس من حق أحد أن يقول لمواطن فلسطيني - وليس رئيس وزراء أو عضو تشريعي - أنت غير مرحب فيك في هذا الجزء من الوطن، هذا عيب، ويعبر عن حالة الانكسار الذاتي، الذي وصلنا له نحن الفلسطينيين في التعامل مع بعضنا البعض. أن يحتاج الإنسان إلى اذن ليكون بين أهله وفي وطنه!! هذا اسقاط لما يمارسه الاحتلال علينا جميعاً منذ عشرات السنين".

أما الباحث في الشئون الفلسطينية مجدي جميل، فكانت تعقيباته هي في استهجان بيان حركة فتح، في مقال بعنوان: (ما الذي يتوجب على فياض أن يفعله كي يرضيكم؟!!)، حيث طرح مجموعة من الأسئلة التي تحمل معاني الاستخفاف مما أورده الناطق باسم الحركة من اتهامات، قائلاً: هل الحديث عن ضرورة المصالحة وانهاء الانقسام باتت عملاً مشبوهاً؟ وهل التواصل مع أبناء قطاع غزة هو نوع من الاتصالات غير الوطنية؟ وهل الدعوة لإنهاء الانقسام تأتي في إطار التنسيق مع إسرائيل لإخضاع الرئيس محمود عباس؟!، من الواضح هنا، أن الأمر ملتبس لدى القواسمي، الذي نسي أن د. سلام فياض يقيم في الضفة، التي تحكمها أجهزة توالي الرئيس محمود عباس، ولو أدرك الجهاز الشرطي أو القضائي أن في أفعال أو تصريحات أو علاقات أو اتصالات فياض شيء يمس الأمن القومي أو يناوئ أحلام الشعب الفلسطيني، فلن تتردد في اتخاذ كل التدابير اللازمة لوقفه، لكن أن يكون الأمر مرتبط برفض كل إنجاز يتحقق على يد سوانا، ساعتئذ سنفهم دوافع القواسمي لإطلاق تصريحه المستغرب والمستهجن. وأضاف: الحقيقة، أن التصريحات يناقض بعضها بعضاً، وأنه حتى لو كانت هناك خصومة اليوم مع د. سلام فياض، فلا ينبغي أن تقوم على نهج التخوين الذي طالما رفضته فتح، فكيف تسمح للناطق باسمها اليوم أن يُخوِّن الناس، وأن يطلق الاتهامات بحقهم دون دليل، إن الشعب الفلسطيني الذي نعته القواسمي بالواعي وطنياً يدرك أن هذه التصريحات التي جاءت بلهجة فيها الكثير من الاستفزاز والتشنج ما قيلت إلا لإرضاء أناس يرغبون فعلاً في أن يصمت د. فياض وإلى الأبد.. هؤلاء، لا يمثلون فتح، ولا يمثلون الضمير الوطني، وهم ليسوا أوصياء على عقول الناس ووعيهم، وإن تطلب الأمر قولاً فصلاً في نهايات هذا المشهد المؤلم، فبالتأكيد لن يكون القواسمي ومن يقف خلفه هم من ينطقون به".

زيارة فياض لغزة: قراءات وردود أفعال
حظت الشبكة العنكبوتية بالكثير من التغريدات وردود الأفعال على الزيارة، وقد ارتأينا عرض بعضاً مما جاء فيها من تساؤلات وتعقيبات، نقتطف بعضاً منها.
أثار الكاتب والمحلل السياسي أ. حسام الدجني عدة ملاحظات حول زيارة د. فياض، لخصها في التالي: أولاً؛ إن نجاح الزيارة يؤكد بأن غزة ممكن أن تستقبل كل الشخصيات، بغض النظر عن مستوى التباين والخلاف على تلك الشخصية، وهذا يغلق كل المبررات التي يسوقها البعض لرفض الرئيس عباس زيارة غزة. ثانياً؛ بعد الاستماع له، خلصت بأن الرجل لديه طموح سياسي ورؤية سياسية جديدة، ولكنه يكرر نموذج الدبلوماسيين الغربيين، حيث إن ما يتحدث به داخل الحكومة يختلف تماماً عما يحدث به خارجها. ثالثاً؛ تأكيده أن عقد الاطار القيادي هو مفتاح الحل، وهذا ليس بالشيء الجديد، ولكن يبقى السؤال الذي لم يجب عنه د. فياض: من يمتلك قرار عقد الإطار القيادي؟

وفي تعقيبه على مشهد الزيارة، تحدث الأستاذ عبد الرحمن حمايل، قائلاً: "الحقيقة أيها الاخوة والاصدقاء.. لقد قررت ودون أي تردد، ومن خلال اطلاعي ومعرفتي العملية المباشرة لشخصية ساقها القدر وفي ظروف كانت الأسوأ في تاريخ مسيرتنا ليقبل طوعاً كوطني يحب بلده وعلى استعداد للتضحية في سبيله أن يشاركنا العبء ويحمل معنا هذه المسؤولية، التي لا نحسد عليها، ولم يتردد في قبول العرض، مع أنه في الواقع كنا جميعاً مشفقين عليه؛ لإدراكنا لطبيعة المرحلة وجسامة المهمة. والمقصود بذلك الأخ د. سلام فياض...ولا أقول في هذه المناسبة أن الرجل أتى بالمعجزات أو كما يقول المثل "أخرج الزير من البير"، ولكنه اجتهد وقدم وبذل جهداً عظيماً دون كلل أو ملل، سعياً لاجتياز المأزق الذي وضعنا فيه، ونجح الرجل إلى حدٍّ كبير ليس فقط في التخطي النسبي لتلك المرحلة، وإنما سجل نجاحاً كبيراً في ترسيخ وبناء منظومة المؤسسات القائمة الآن.. وفي السياسة كما هو الحال في الحياة، لا تقاس المسائل إما ابيض أو اسود، فكل الاشياء في الحياة نسبة وتناسب، أليس كذلك؟؟..من هنا، اعتقد انه ليس من حق أي منا أن يترك العنان للقدح والذم أو الانتقاص من عمل ودور الآخرين، مع حرصنا الشديد على الحق المقدس في التعبير والتقييم، بعيداً عن التجريح والتجني الشخصي.. أما إذا كان لدى البعض من أمور ومعطيات تتخطى حدود ما سبق، فعليه التوجه للعناوين الصحيحة وجهات الاختصاص من مؤسسات قضائية وهيئات مكافحة الفساد.. ولنرحم انفسنا، ونحترم تاريخنا وتاريخ إخوتنا، ولا نكون كالقطط حينما تجوع تفترس ابناءها!!".

أما النائب الفتحاوي جمال الطيراوي، فقد كتب على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي، قائلاً: حيث إنني لست محامياً عن أحد، ولا جلاداً لأحد، بل ساقف أمام أخلاقيات الخطاب الفتحاوي، ونهج العظماء من قادة الحركة الحضن والجامع للجميع.. ومن هنا، فإن هناك ما يثير الاشمئزاز في التصريحات التي صدرت، ولاحقت عضو المجلس التشريعي الأخ سلام فياض لزيارته غزة هاشم، والقائه عدة محاضرات.. ويضيف الطيراوي، سؤالي للأخ أسامه القواسمي: أليس د. سلام عضو مجلس تشريعي، أو ليس بفلسطيني من حقه زيارة أي جزء من الأرض الفلسطينية، والسؤال الأكبر: هل هذه هي ثقافة فتح وخطابها القائم على الردح والتخوين والتشكيك والصدام مع الآخرين والنخب السياسية؟! وإن ما يجعلني أتساءل أكثر هو أنه كان بالأمس القريب مسؤولاً رفيعاً محترماً، وكان يرأس حكومة الرئيس، واليوم أصبح خائناً!! إن هناك الكثيرين ممن يقوموا بجولات وزيارات لغزة، ولهم أجندة خطيرة، ولم يهاجموا بهذه القسوة!!
وأشار الطيراوي، من هنا أتمنى على الكل أن يدرك أن الفتح ليست محطه إعلامية متنقلة للشتم والقدح والذم، بل هي حركة الجماهير، وحصانة المشروع الوطني الجامع للكل الفلسطيني؛ فصائل ومستقلين ومثقفين ومناضلين.

وختم قائلاً، وأخيراً أقول على اللجنة المركزية للحركة أن تعمل على ضبط الايقاع الإعلامي، وضبط اداء وسلوك الناطقين باسمها، وما يحصل لا يليق بحركتنا، ويجب علينا احترام عقول وأدمغة ابناء شعبنا، بالأمس القريب نطبل ونهلل، واليوم نشتم ونخون كما حصل مع د. سلام!!
أما النائب عن حركة فتح جهاد طمليه، فقد وجه سؤالاً استنكارياً إلى اللجنة المركزية للحركة، قائلاً: هل موقف الناطق الرسمي للحركة فيما يتعلق بسلام فياض يمثلكم؟ وهل صدر هذا الموقف بعد اجتماع لكم ؟!

وأضاف: فإذا كان الجواب نعم فتلك مصيبة، وإذا كان الناطق الرسمي ينطق باسمكم وباسمنا دون أن نعلم فالمصيبة أعظم!! فبعد أن كان د. سلام فياض وزيراً للمالية، ثم رئيساً للوزراء لأكثر من ست سنوات، وعضواً منتخباً بالمجلس التشريعي، وبعدما حوصر مع الرئيس أبو عمار بالمقاطعة، فيما هرب الكثير من القادة منها خوفاً على حياتهم، نأتي نحن بحركة فتح لنخِّونه ونُعهرِّه ونهاجمه، لا لشيء سوى أنه زار الشق الآخر من الوطن ( قطاع غزه )، وعقد هناك عدة ندوات سياسية .. فعلاً؛ هزلت!!
وعقب بالقول: كل التحية والتقدير للدكتور سلام فياض، الذي قدم الكثير للشعب الفلسطيني وللقضية الفلسطينية.. وأنا أعلنها بأعلى صوتي، وأقول: إن موقف الناطق الرسمي لفتح فيما يتعلق بالدكتور سلام فياض لا يمثلني.

أما د. ناجي شراب؛ أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر، فقد أجمل موقفه من الزيارة بالقول: "أستغرب من بعض التصريحات التي تخرج من الناطقين باللغة العربية.. بداية؛ أنا لست مدافعاً عن د. سلام فياض، ولا أعرف الرجل شخصياً، لكن في سؤال وجهته لي إحدى وسائل الإعلام عن الهدف من الزيارة، ورؤيتي لها، كانت إجابتي: أولا؛ الهدف من الزيارة هو هدف بيت الحكمة، الذى وجه الدعوة، وهو مركز تفكر وبحث، ودكتور سلام فياض هو مواطن فلسطيني، ومن حقه أن يأتي إلى أرضه وأهله ومواطنيه. وثانياً؛ الرجل كان رئيساً للوزراء، ولا أحد ينكر ذلك، وبالتالي له رؤيته ومعرفته الدقيقة بالحالة الفلسطينية، وثالثاً؛ الرجل شخصية إقليمية ودولية وله حضوره، فمن حقه أن يقول، ومن حقنا أن نستمع. فلماذا كل هذه الضجة والصخب الإعلامي والجدل حول الزيارة، الرجل لا يملك عصا سيدنا موسى، هو يملك فكر ورؤية كما الجميع. يبدو أن الانقسام بحق قد أصاب بصيرتنا جميعا بالعمى، ولم نعد نرى الأمور إلا من منظور الانقسام!! والله؛ لو التزم الجميع الصمت لكان أفضل، ولغادر الرجل كما حضر. اذكروا حسنات أحيائكم".

أما د. عبير ثابت؛ أستاذ العلوم السياسية، فقد قدمت قراءتها للمشهد في السطور التالية: "لقد طرح د. فياض مبادرة سياسية، تناول فيها توسيع المجلس الوطني الفلسطيني، وإصلاح منظمة التحرير، وإشراك كافة الفصائل الفلسطينية في إنهاء الانقسام، وتفعيل اللجنة الوطنية وفق توحيد الخطاب السياسي الفلسطيني، والإقرار بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، أهمها: حق العودة، وكذلك حقه في تقرير المصير.. وبالرغم من النقاش الحاد الذى ساد الندوة من المشاركين، واتهامه بشكل مباشر بالعديد من القضايا، إلا أنها مبادرة جيدة من بيت الحكمة، وذلك لتعزيز ثقافة الحوار، وتقريب وجهات النظر.. وبغض النظر أن اتفقنا أو اختلفنا، ولكن هكذا ندوات تساهم في تقليص فجوات الاختلاف بين الطرفين، وبالإمكان الخروج بصيغة توافقية تجمع الكل الفلسطيني، وتعمل على تحقيق الوحدة الوطنية لمواجهة المشروع الصهيوني في القدس والضفة الغربية، الساعي لفرض وقائع على الأرض لاستحالة إقامة دولتنا الفلسطينية.. دعونا نختلف ونتحاور على طاولة واحدة، ونلتقى جميعاً على وحدة فلسطين، وليكن نموذج جنوب افريقيا مثال حي نستفيد منه كأصحاب مشروع تحرري".

ختاماً: تحرك بانتظار خطواته التالية
زيارة د. فياض إلى قطاع غزة كانت لإلقاء نظرة تفقدية على ما جرى فيه، وكيف يمكن البدء ببعض المشاريع للتخفيف عن معاناة أهله، والثانية للحوار وتبادل الرأي للتوافق على مواقف وسياسات للخروج من المأزق واجتماع الصف، وتصويب بوصلتنا النضالية لاستثمار ما أنجزناه، ومواجهة المحتل بقوة ونديِّة وليس بوضعية الاستسلام والدونية. لذلك، كانت تلك اللقاءات التي جرت مع الجميع، ولم تستثني أحداً من القوى الوطنية والإسلامية، والتي نأمل أن تتوسع حواراتها وتتعمق حتى نصل بسفينة الوطن إلى بر الأمان.