نشر بتاريخ: 07/12/2015 ( آخر تحديث: 07/12/2015 الساعة: 11:33 )
الكاتب: نبيل دويكات
خلال الشهرين الماضيين، وتحديداً منذ تصاعد حدة المواجهات مع الإحتلال،ظهرت الى السطح الكثير من المناقشات والتساؤلات حول الدور الذي يلعبه الإعلام، أو الدور المتوقع أن يلعبه.وخلال متابعتي كمواطن لوسائل الإعلام المحلية على إختلافها، وعلى إختلاف ما تنشره من أخبار وتحليلات وحلقات مرئية ومسموعة وغيرها من المواد الإعلاميةتكونت لدي العديد من التساؤلات التي أعتقد أن هناك حاجة لنقاشها، والإتفاق على إجابات محددة لها. خاصة أننا لا زلنا نلمس فجوة في الإجماع على "تسمية" محددة وموحدة لهذه الحالة، هل هو هبة أو إنتفاضة.. الخ من التسميات التي نسمعها بإختلاف وجهات النظر والتوجهات بين القوى والأحزاب والهيئات والمؤسسات والنخب السياسية والاجتماعية والثقافية والإعلامية أيضا.. وغيرها. ونظراً لأهمية الإعلام في التأثير على التوجهات المجتمعية فإنني أرى أهمية الإشارة الى الامور التالية:
أولاً: هناك ما يشبه الإجماع بين الإعلام والنخب الفلسطينية، بأن إعلام الاحتلال، في غالبيته وعلى اختلاف منابعه أيضاً، يتبنى الرواية الأمنية للاحتلال، أي رواية حكومة الاحتلال وجيشها وأجهزتها الأمنية المختلفة. كما أن هناك شبه إجماع أيضا على أن هذا الإعلام موجه ومبرمج خلف الرواية الأمنية، وهناك العديد من الأمثلة والمؤشرات التي تدعم وجهة النظر هذه وتعززها، وترد بشكل دائم على ألسنة وسائل الإعلام، والمحللين والمتحدثين في هذا المجال.
ثانياً: رغم هذا الإجماع فمن الملاحظ أن الكثير من وسائل إعلامنا تعتمد على رواية الإحتلال إعتماداً كبيراً، على الأقل في مصادر أخبارها وتقاريرها، رغم أن هناك محاولات مستمرة من أجل "تفادي" أضرار هذا الإعتماد عبر طرق وأساليب مختلفة كالقول مثلاً في مقدمة الخبر أو التقرير: "نقلاً عن الإعلام العبري"، لكن باعتقادي هذالا يقلل من قيمة التساؤل حول موضوع الإعتماد على إعلام الإحتلال كمصدر لموادنا الإعلامية؟
ثالثاً: تصل درجة الإعتماد أحياناً إلى ما يشبه التبني لرواية الإحتلال بمفاهيمها ومصطلحاتها. وقد تصل للتسليم بها، ولو بغير قصد أحياناً . فنلاحظ أن "معظم" وسائل إعلامنا مثلاً تتبنى تسميات الإحتلال للمواقع والأماكن كالقول على سبيل المثال لا الحصر: مفرق عصيون، عملية إيتمار، مفرق يتسهار...الخ، ونحن نعرف أنها جميعا أسماء عبرية لمستوطنات أقيمت على أراضي قرى وأماكن وتجمعات فلسطينية.
رابعاً: الأمر الذي يستدعي التوقف والتساؤل من حيث الجوهر،لماذا هذا الاعتماد أصلاً؟ و ما هي الأسباب التي تدفع جزءاً كبير اًمن إعلامنا إليه؟ طالما تتوفر لدينا المصادر والمنابع الرئيسية للحدث والقصة والتقرير والتحليل الإعلامي، كما تتوفر لدينا كل المصادر الاجتماعية والسياسية والقانونية ذات العلاقة بأبعاد الحدث وتداعياته المختلفة. وهذا ما يتطلب منا البحث في العمق.
خامساً: وهو الأهم باعتقادي،أين نحن من الصورة التي نتهم إعلام الاحتلال بها؟ وهي بالمناسبة تضر بصورتنا وروايتنا وقضيتنا أكثر وأكثر كلما اقتربنا من تأكيد وإثبات اتهامنا لإعلام الاحتلال. لكنها بالتأكيد سوف تكون لمصلحة شعبنا وقضيته العادلة والمشروعة كلما استطعنا أكثر الاقتراب من "تثبيت" هذه التهمة على أنفسنا. أي الاقتراب أكثر وأكثر من الوحدة والتوحد خلف رواية فلسطينية وحدوية. وهو الحل الأمثل لمواجهة آلة الدعاية الاحتلالية التي نكاد نجمع أيضا حول مدى قوتها وتأثيرها سلباً على نضال شعبنا.
خلاصة القول إننا أحوج ما نكون هذه الأيام إلى إعلام موحد، قادر على النهوض والارتفاع لمستوى التضحيات والنضال الذي يخوضه شعبنا للتحرر والاستقلال. فنحن لا تنقصنا الإمكانيات ولا الطاقات المادية أو البشرية، ولدينا الكثير الكثير من الطاقات الكامنة والمبدعة والقادرة على تحديد ملامح خطة إعلامية تتناسب مع واقع وحجم المعاناة والتضحيات، وترتفع بها إلى خطاب إعلامي قادر ليس فقط على حشد وتعبئة طاقات المجتمع حولها، وإنما أيضاً على تعبئة وحشد المزيد من الرأي العام على المستوى الدولي لتوفير الثقل الكافي لإجبار الاحتلال على التسليم بحقوقنا العادلة والمشروعة. إننا أمام تحدي كبير، التحدي الأساسي أن نهزم قوة وسطوة تأثير الانقسام الذي يطغى ويسيطر على الكثير من سلوكياتنا، ويبدو كأنه أحد المسلمات التي لا يمكن الحديث فيها، رغم إدراكنا لخطورته من ناحية المبدأ، حتى على وجودنا، وأن نتحدى تلك الحقيقة التي يكاد الكثيرون يقنعون أنفسهم بها كحقيقة قائمة وراسخة، لا حول لهم ولا قوة في تغييرها، وهو ما ينعكس في خطابنا على كافة المستويات. والتحدي الأكبر أن نقهر تلك القوة الطاغية والطاردة عن التوحد والوحدة، وأن نعيد صياغة المعادلة بامتلاك إرادة ورغبة في الوحدة، وهي الخطوة الأولى في مسيرة خطاب إعلامي يناسب ويرتفع لمستوى التضحيات.