السبت: 23/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

"أيها القاضي قم قد عزلناك فقم"

نشر بتاريخ: 07/12/2015 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:03 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

كل مسؤول تحوّل الى قاض، فيما يعيش الشارع الفلسطيني تفاعلا هائلا مع ذاته، يحبس أنفاسه ويعض على جراحه فيما تستخدم اسرائيل كل الجرائم ضده، وأكثر ما يقتنع به الشارع ان حكومة نتانياهو تشن حربا ضارية ضده وتنفذ اعدامات ميدانية ضد الاطفال. والأخطر انها تهدم المنازل وتحتجز جثامين الشهداء.

الموقف العربي من الانتفاضة مخز ومخجل، الموقف الدولي مشلول، والموقف الفلسطيني غير واضح، ولاول مرة أسمع الجمهور يحمّل حماس المسؤولية أكثر مما يحمّلها السلطة، وخصوصا تجاه ما يحدث في الضفة ودعوة الاولاد للطعن فيما يحافظ المسؤولون على مسافة اّمنة من الاحداث. وقد تحوّل كل مسؤول وكل وزير وكل صحافي وكل كاتب مقال الى قاض يحاكم الشارع الفلسطيني.

مسألة ارتداد الاحداث الى الداخل مسألة وقت، جمهور القدس يائس من رموز السلطة والقيادات الادارية والمالية والكلام على شاشات التلفزيون، وأهل الضفة يرون المسئولين والقادة يهتمون بأنفسهم وعوائلهم ووظائف اولادهم وسياراتهم ومرافقيهم أكثر مما يهتمون بالمشهد العام والمصلحة الوطنية العليا، وأهل غزة يختنقون من شدة الحصار والقمع وبات ممنوع عليهم التذمّر كيلا تتضرر العلاقات العربية والدولية وكأن هناك من ينصحهم ( موتوا بصمت واسكتوا ولا تفتحوا أفواهكم )، فيما أهل الخط الاخضر وصلوا الى قناعة ان ما تفعله اسرائيل بسكان الضفة سوف تفعله بهم لاحقا فيعيشون قلقا شديدا لا يشبهه الا ذاك القلق الذي سرى في الستينيات. فاسرائيل جشعة ولا تريد ان تطرح اية حلول كما لا تريد لاية جهة اخرى ان تطرح اية حلول.

يقول المثل العبري ( لا تضاجع بالعضو القديم). فيما قياداتنا تضاجع المرحلة الجديدة بالعضو القديم، فالوجوه هي هي لم تتغير منذ نصف قرن، وقد تغيّرت الاجيال ثلاث مرات فيما القادة لا يتغيرون، وهذا ليس كلاما انشائيا وانما هو من عصب الشارع، والمفروض ان يسمعه الرئيس قبل فوات الاوان، وحتى لا يصيبنا ما أصاب حقبة حسني مبارك والمنافقين الذين كانوا يقولون له " لا تقلق كل شيء على ما يرام وأمن الدولة مسيطر على كل شاردة وواردة"، ويجب ان لا تخدعنا التطمينات من المنافقين الذين يبلغون القيادة ان كل شي على ما يرام. فمعظمهم لا ينزل من سيارته ولا يعرف الجمهور ولا يراه الا من وراء اكتاف المرافقين، وحين يريد ان يشتري "ربطة الخبز" لاولاده لا ينزل من الموكب، وانما يطلب من المرافقين ان يشتروا لاولاده الخبز.

وحين ترى عشرات القادة من اليمين واليسار ومعظمهم في الثمانينيات او التسعينيات من العمر يدعون الاطفال لحمل السكاكين والهجوم على الحواجز فانك تعرف ان لدينا قيادات سياسية وثقافية واعلامية لتأزيم الازمة وليست تحلّ أزمة.

ان كل ما قرأناه من كتب وما حملناه من شهادات جامعية لا تسعفنا في ابلاغ والد شهيدة ان ابنته اعدمت ميدانيا على حاجز وهي ذاهبة الى المدرسة، وانني وبعد ان زرت عددا من منازل الشهداء الاطفال، اصابني همّ كبير، وبدات أفهم أكثر، غضب الشارع على اعلامنا الوطني وعلى قياداتنا.


الصمت لا يثمر، ولن يثمر، ورضى الشارع الفلسطيني عن الحكومات في اسفل المؤشرات، فهي حكومات عديمة القول والفعل، حكومة "قضاء الحاجة". فيما تقود الادارة الامريكية أكبر عملية خداع سياسي ضد العرب، وقد فقدت اسرائيل رشدها فاضبحت عصابة تحفّز القتل وترعى القتلة في مزارع بهائمية.

اقتراحات
البحث عن شكل جديد للانتفاضة، والاسراع في تشكيل حكومة انتفاضة تليق بدماء الشهداء وعذابات الناس.
تغيير واسع في طريقة القيادة ومشاركة الشارع وليس الاكتفاء بقيادته فالشباب لا ينقصهم قادة وانما ينقصهم اخوة وشركاء، وهذا لا يعني تغيير الاسماء بأسماء جديدة وانما يعني ملحاحية تغيير منطق التفكير.
الشارع تغير، والجمهور، والشوارع تغيّرت والعرب تغيروا واليهود تغيروا، ومن المستحيل ان لا تتغير طريقة القيادة والبرلمان والتنظيمات والمؤسسات القيادية وكأن شيئا لم يحدث، وحتى ننجح في تغيير الواقع يجب ان نغيّر انفسنا اولا.
فهل تغيرنا منذ شهرين بعد خطاب الرئيس امام الامم المتحدة؟ هل تغير اداؤنا وشكل ادارتنا للامور وهل هناك عدالة اجتماعية وسياسية؟
ننتصر حين تتحرر القدس، وليس حين نقنع العرب والاجانب كم نحن قادرون على مناظرتهم.