نشر بتاريخ: 10/12/2015 ( آخر تحديث: 10/12/2015 الساعة: 14:02 )
الكاتب: احمد حنون
قرار تاريخي بكل المقاييس هكذا كانت الانطباعات بعد ان صدر قرار محكمة العدل العليا الفلسطينية بالغاء تعيين رئيس مجلس القضاء الاعلى الفلسطيني ، وضع فلسطين في مصاف الدول الاولى عالميا من حيث سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء ، ولم يتنظر المستشار علي مهنا طويلا للتصريح والاعلان " انه ملتزم بقرار المحكمة العليا وانه سيحترم هذا القرار لانه واجب الاحترام والتنفيذ ، وأّمل ان يكون في مصلحة الوطن والمواطن "، الامر الذي اكد عليه المسشتار حسن العوري مستشار السيد الرئيس عقب اعلان القرار وتناقله ، ان مثل هذه الحالة تشعر الفلسطينيين بالفخر عندما يحترم القانون ويأخذ به ، ويكون الاحتكام للقانون وللقانون فقط ويجسد سيادة القانون كأصل من الأصول الدستورية وممارسة السلطة لسلطتها وفق القانون ، وتعزيز لمبدأ الفصل بين السلطات ، وبناء دولة القانون التي تعني أن الدولة هي التي تضع قواعد الحكم وفي نفس الوقت تلتزم هي ذاتها بالخضوع إليها.
وقد جاء قرار المحكمة بناء على طعن الشخصي الذي تقدم به المحامي نائل الحوح في قانونية تعيين رئيس مجلس القضاء الأعلى علي مهنا بقرار إداري من الرئيس محمود عباس، والذي صدر بتاريخ 1/6/2014 ، حيث برر هذا الطعن بـ"الخطأ في تطبيق القانون ، إذ يتم تعيين رئيس المحكمة العليا ورئيس مجلس القضاء الأعلى حسب المادة 19 من قانون السلطة القضائية بأن يُنسّب مجلس القضاء الأعلى شخصاً ليقوم الرئيس بتعيينه، وهذا ما لم يحصل في حالة المستشار مهنا.
في اكثر من مناسبة اكد الرئيس عباس انه لا احد فوق القانون ، وفي اكثر من اجتماع اكد الرئيس انه على استعداد لتصويب اي قرار اذا ما تبين تعارضه مع القانون ، واقع الحال ان مواقف الرئيس وتصريحاته تعلن التزامه الواضح والصريح والقوي الذي لا لبس فيه بسيادة القانون واستقلالية القضاء باعتبار دعامة أساسية للحكم في الدولة وانه مع القانون لا بل انه الحامي للدستور والملتزم بمبدأ الفصل بين السلطات .
في حين أكد الرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى القاضي المستشار عيسى أبو شرار والمشهود له بجهوده الكبيرة وانجازه في احداث نقلة نوعية في مأسسة الجهاز القضائي الامر الذي يستحق الذكر ، وهو المرجع في هذا الامر " بأن قرار محكمة العدل العليا بإبطال تعيين علي مهنا على رأس المجلس الأعلى للقضاء، يصب في مبدأ الفصل بين السلطات، ويحدد معالم وكيفية تعيين القضاة ويعطى الرئيس حقه كما يحفظ للسلطة القضائية حقها".
ولكن السؤال المطروح هل يعاود مجلس القضاء تنسيب المستشار علي مهنا كرئيس للمجلس في خطوة تنسجم مع القانون ؟ ام ان نائب رئيس المجلس سيقوم بمهام رئيس المجلس الغائب عن مركزه لحين الاتفاق على تنسيب رئيس جديد وفقا للقانون ام يكون نائب رئيس المجلس الحالي هو الرئيس القادم لمجلس القضاء ، وعلى اهمية الامر ولكن الراجح ان يتم تنسييب من بين اعضاء المجلس مرشحا للمنصب الشاغر ، والاهم ان يحقق القضاء نقلة هامة في ترسيخ ثقة ورضا المواطن ، وتجسيد العدالة ووسرعة الفصل بالقضايا وخلق حالة تنموية في ائتلاف القضاء مع مجالس الحكم المحلي والبلديات لتفعيل محاكم البلديات الامر الذي تحقق بشكل فترة المستشار فريد الجلاد وثمنته البلديات ، فالقضاء سلطة مستقلة لكنها ليست معزولة ، ويمكن الاستفادة من خبرات رؤساء مجلس القضاء الاعلى السابقين كمجلس استشاري للقضاء .
ومن الطبيعي السؤال حول آثار القرار على القضاء على شرعية القرارات التي أصدرها رئيس المجلس إبان رئاسته للمجلس والمحكمة العليا، أكد المستشار أبو شرار أن السلطة القضائية هي التي ستحدد مدى شرعية هذه القرارات بشقيها الإداري والقضائي ، دونما الميل "لإعدام" هذه القرارات بمعنى انها ـــــــــ منعدمة وباطلة قانوناــــ حفاظاً على سير المرافق العامة، لان إعدامها يؤدي الى اهتزاز في ثقة المواطنين بالجهاز القضائي .
هذا الامر يذكر بقرار الرئيس الامريكي جورج بوش بتعيين جون بولتون سفيرا للولايات المتحدة في الامم المتحدة سنة 2005 رغم عدم مصادقة الكونغرس ، بالرغم من اعتبار الرئيس بوش " المنصب اكثر اهمية من ان يترك شاغرا مزيدا من الوقت وخصوصا خلال حرب ومناقشة حيوية بشأن اصلاح الامم المتحدة. واستخدم سلطاته الدستورية لتعيينه والاصل في ذلك ان تجري عملية التصديق التي يقوم بها مجلس الشيوخ وشغل بولتون هذا المنصب حتى يناير/ كانون الثاني 2007 لحين اداء أعضاء الكونغرس الجدد اليمين ، وهو أول سفير لدى الامم المتحدة منذ عام 1948 يعين بمرسوم رئاسي، ومع ذلك تم التعامل معه وقراراته على انها ممثلة للولايات المتحدة حكومة ورئاسة هذا ما اعلنه في حينه الامين العام للامم المتحدة كوفي عنان ، وتم التعامل معه على ان تعيينه سليم في الجهة التي عين لها .
الفقه القانوني والمنطق يؤكد ان التعيين باطل مخالف للقانون وفقا لقرار المحكمة العليا ولكن قرارات رئيس المجلس صحيحة وفقا لنظرية الموظف الفعلي المرتبط بحسن النية وغير مغتصب للسلطة حتى لا يظن القارىء ان الامر ينطبق على حالة الانقلاب في غزة ، ومادام فعليا كيف يمكن عدم قراراته ؟ والتي يمكن تقسيمها الى قرارات ادارية في ادارة المرفق العام من ترقيات وغيره ، واخرى تتعلق بترأسه للمحمة العليا كقاضي ورئيس للمحكمة حيث انه صوت واحد ضمن الهيئة وفي الغالب لا تعدم هذه القرارات ، واضافة لقراراته كرئيس لمجلس القضاء فهو كذلك واحد من اعضاء المجلس يتخذ القرار فيه بالاغلبية .
قرار محكمة العدل العليا اعطى دفعة كبيرة مهمة لرقابة القضاء على القرارات الادارية ، وفتح الباب امام نقاش قادم وفتح شهية الذين يعتقدون ان هناك قرارات يجب على القضاء مراجعتها ، ولكن الامر يتعلق في كثير من الاحيان في عدم وجود مصلحة مباشرة لمن يرغب في تقديم الدعوى ، ومع ذلك فان مبادرة الاستاذ المحامي نائل الحوح ستشجع محامين وافراد ومؤسسات حقوقية للتقدم برفع قضايا للطعن بقرارات صدرت دونما مراعاة الشكل القانوني او القانون ، وربما نرى قريبا دعوى تطالب بحل المجلس التشريعي بسبب امتناع المجلس عن اداء مهامه ... ، الامر الذي يلقي بمسؤولية كبيرة على عاتق المحكمة العليا الفلسطينية بصفتها محكمة ادارية ، بالمقابل فان الغاء قرار الرئيس لا يحصن اي قرار دونه ويعزز الرقابة القضائية على قرارات المسؤولين حتى يتوقف حالة التجرؤ على اتخاذ قرارات شخصية مخالفة للقانون رغم علم المسؤول انها مخالفة للقانون ، لان هناك من يعتقدون انهم فوق المساءلة وحتى السؤال ويعتقدون انهم يتمتعون ( بحصانة ) تسمح لهم بتجاوز القانون ، الامر الذي يتطلب مراجعة قراراتهم من جهة اختصاص قد يكون ديوان الفتوى والتشريع العنوان لمراجعة والمساءلة عن هذه القرارات موضع الجدل او حتى بشكل روتيني من خلال تبعية المستشارين القانونيين فنيا الى ديوان الفتوى والتشريع وفقا لقرار مجلس الوزراء رقم (1) لسنة 1998 بشأن المستشارين القانونيين ، ورفع الرأي القانوني لجهة الاختصاص ، وقد يصبح الأمر لزاما على ديوان الفتوى ان يقدم الرأي القانوني سواء طلب منه او لم يطلب ، لانه في الاصل فان القوانين يجب ان تعرض على ديوان الفتوى وفقا للمادة ( 3) القانون رقم (4) لسنة 1995 ، بشأن اجراءات اعداد التشريع ، علما بان هناك قرارات ادارية ترتب عليها اجراءات قانونية رغم عدم نشرها مثلا في الجريدة الرسمية علما بوجود سابقة قضائية تلزم بوجوب النشر حتى يصبح القرار ساريا للمفعول .