نشر بتاريخ: 10/12/2015 ( آخر تحديث: 10/12/2015 الساعة: 14:11 )
الكاتب: فادي الحسيني
نحن الفلسطينيين أحلامنا "على قدنا" تتمثل في إقامة معبر مستقل يتيح لنا حرية السفر، حتى نمارس طقوس المسافرين الذين يحجزون تذاكرهم في لحظة عفوية قرروا فيها زيارة عواصم مجاورة، لأداء مهمة عمل أو نزهةٍ صيفيةٍ أو لاقتناء ماركاتهم المفضلة من متجر عالمي، أو حتى لنكاح امرأة، المهم أن لكل منهم هجرته التي هاجر إليها.
نحن لا يمكننا أن نفعل فعل هؤلاء، فقط كل ما نستطيع القيام به مسلمين ومسيحيين هو أن نصلي حتى يفرج الله محنتنا، ثم أننا نقوم بتسجيل أسمائنا في مخفر مهترأ مخصص للمسافرين، نعبئ استبانات مملة ومقيتة عن حاجتنا للسفر، وتدرج الأسماء ضمن قوائم طويلة تعددت غايتها، لكنها قطعاً ما كانت لترف، فإما لتلقي علاج، أو لاستكمال دراسة. نحن لا نعرف شيئا عن السياحة، لأن التفكير في قضاء اجازة سياحية دون معبر مستقل لهو ضرب من الخيال، فقط نعرف السياسة ولا شيء غير السياسية.
أليس الحصار سياسة، والتجويع سياسة، والحرب ورائها أيضا أهداف سياسية، كل ذلك نفقهه ونعرفه جيداً، لكن الشيء الوحيد الذي لا نجيد تفسيره إلى الآن، هو لماذا ليس لدينا معبراً مستقلاً يمكننا من تحقيق غايتنا في السفر كما يفعل الآخرون؟.
لم أكتب لأدافع عن أهداف بعض الأحزاب والفصائل من وراء المناداة بتسليم المعبر ومبررات رفض التسليم من الطرف الاخر، لكني أكتب لأتساءل عن ماهية عدم الاستفادة من القوانين الناظمة للعلاقة بين الدول فيما يخص الحدود والمعابر؟، وكيف سيؤرخ لهذه الحالة البائسة التي يعانيها الفلسطيني من جراء اغلاق معبر يفصل بين قطاع غزة ومصر لمدة تزيد عن 100 يوم، دون مراعاة للإنسانية والإشفاق على مريض أو طالب جامعي أو لشخص ثنائي الجنسية جاء لزيارة أهله في غزة فوقع في فخ الحصار.
إذا كان الغاية معاقبة حماس، فلا حاجة يا سيدي لأن يعاقب الشعب كله لأننا الشعب والشعب ليس حماس، واذا كان غاية الحكومة أن تمارس سياسة لي الذراع بالنسبة لخصمها، فلا حاجة أن تكسروا أذرعنا وسيقاننا لأن الذين يلدغهم البرد وينخر في عظامهم على بوابة المعبر هم ليسوا حماس!.
عندما يعلن استثناء فتح المعبر، تحج قوافل المسافرين بعضهم على كراسي متحركة، كأموات بعثت من مرقدها، وبعضهم يحمل الهاند باج المزودة بشهادات القيد الجامعية ورزمة أوراق وأختام لا حصرة لها، لا يتقلدون الجيبات الفارهة ولا ينامون محاطين بفرق الحماية الشخصية، هم يتوسدون الحقائب، دون رأفة مسؤول، بائسون هم معلقون بين الأمل والأمل.
ولهذا فنحن عندما نملك معبراً، أؤكد أنه لن تصبح لنا حاجةً في السفر. أما عندما نملك وطناً، سوف لن نقيم معبراً حتى لا نقتل تباريح الشوق في قلوب الأئِمَّة والقَساوسة بصلاةٍ هادئةٍ لا يقطعها رصاص. سوف لن تصبح لنا دائرة للعلاج في الخارج، ولن نصاب بالدوار على الحاجز، ولن نفزع ولن نجزع من اغلاق البوابات. نحن عندما يصبح لدينا وطن سنسن قانوناً يحظر استخدام الشبك على النوافذ لأن لعنة السجون والحصار أصابت أرواحنا بالعفن. أحلامنا "على قدنا" لا تقتلوها بالسياسية، امنحوها تذكرة عبور.