الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

اليوم العالمي لمكافحة الفساد وتشجيع مكافحتة في بلادنا؟

نشر بتاريخ: 11/12/2015 ( آخر تحديث: 11/12/2015 الساعة: 11:18 )

الكاتب: عقل أبو قرع

يصادف التاسع من كانون اول من كل عام ما يعرف ب" اليوم العالمي لمكافحة الفساد"، حيث تم اعتماد هذا اليوم من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة، وذلك من اجل التوعية حول مكافحة الفساد، وكذلك للتذكير بأهمية الاتفاقية الاممية لمكافحة الفساد والتي تم توقيعها في 31 تشرين اول من عام 2003، والفساد متنوع ومتشعب ومتراكم، وحسب تعريف الامم المتحدة، الفساد هو ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية، معقدة تؤثر على جميع البلدان، حيث يقوض الفساد المؤسسات الديمقراطية، ويبطئ التنمية الاقتصادية، ويسهم في الاضطراب الحكومي، ويؤدي الى انتشار الواسطة والمحسوبية على حساب الكفاءة والاستحقاق؟

و في بلادنا، بينت دراسة نشرت قبل فترة، ان الواسطة والمحسوبية هما من اكثر انواع الفساد تفشيا في مجتمعنا الفلسطيني، وبالاخص في القطاع العام، او حتى في قطاع المجتمع المدني والاهلي، وللعمل على مكافحة هذه الظاهرة، فأن ذلك يتطلب وقتا وعملا وجهدا والاهم، العمل على ترسيخ ثقافة الاقتداء بمن يملك المنصب الاعلى والمسؤولية الاكبر والقدرة الاقوى، ويتطلب بث الوعي، ويتطلب تطبيق القانون وعلى الجميع، وفي العلن، وبالنزاهة والشفافية، وبالتالي ازالة الانطباع عند الناس ان من يتم محاسبتهم او ملاحقتهم او محاكمتهم هم الصغار او الضعفاء او الفقراء، او الذين لا يوجد لهم حماية او دعم؟

وقبل فترة في بلادنا، كان الفضل لاكتشاف ومن ثم اتلاف كمية كبيرة من الاغذية الفاسدة، لوعي ويقظة احد المواطنين، ولو لم يتم ذلك لوصلت هذه الكمية الى افواة ومن ثم الى بطون المستهلك، وما لذلك من تداعيات، وقبل ذلك قام احد المواطنين بالابلاغ عن ادوية منتهية الصلاحية والتي كان من الممكن ان تصل الى المرضى ومن ثم تضاعف المرض بدل من الشفاء منة، وهذه امثلة عن اهمية تشجيع المواطن للابلاغ عن الفساد وبأنواعة، وهي بالطبع ليست بديلا لما من المفترض ان تقوم بة الاجهزة الرسمية للحد من الفساد، ولكنة عنصرا مكملا وهاما، بل اساسيا لنجاح حملات مكافحة الفساد وبأنواعة في مجتمعنا.

والفساد، وبأنواعة، من استغلال السلطة ومن رشوة، ومن اختلاس، ومحسوبية وواسطة، هو من اهم معيقات التنمية والتقدم بكافة انواعة، ونلاحظ ان معظم الدول، سواء في محيطنا العربي او العالم قامت بأنشاء هيئات او اطر او اجهزة لمكافحة الفساد، وباتت اي عملية تغيير سياسي في اي بلد تنادي اولا بمكافحة الفساد، سواء اكان فسادا سياسيا، او اقتصاديا، او فساد التعليم، او احتكار الاسعار، او المتاجرة بالاغذية والادوية الفاسدة، وبدون شك ان للفساد انعكاسات كثيرة، على البلد والمجتمع والمواطن والمستهلك.

وفي بلادنا، يواصل المستهلك متابعة فسادا يقلق الجميع، وهو فساد الاغذية، وعدم صلاحيتها، او عدم سلامتها، وكذلك ارتفاع الاسعار والتلاعب بها، وقد يكون ذلك لاسباب كثيرة، ولاهداف متعددة، ولكنة في المحصلة يسبب الضرر للمستهلك وللمجتمع، سواء من خلال الاضرار الصحية او المادية ، وهذا بحد ذاتة فسادا، والمطلوب تطبيق القانون وبحزم على من يمارس هذا النوع من الفساد، الذي يتلاعب بحياة وبجيوب الناس، ومحاسبة الفاسدين في هذا المجال يعطي الثقة اكثر للمستهلك للاخبار عن الاغذية الفاسدة، وللتواصل بشكل انجع مع الجهات ذات العلاقة.

وحين الحديث عن مكافحة الفساد، فهذا لا يشمل قطاعا معينا فقط، وبالتحديد ليس فقط القطاع العام، بل هناك قطاعات اخرى، فهناك قطاع المؤسسات العامة التي لا تتبع الحكومة وهي كثيرة في بلادنا، وهناك الشركات المساهمة العامة، اي التي يضع الناس فيها اموالهم، وهناك المؤسسات الكثيرة للمجتمع المدني، والتي تحصل على اموال وميزانيات وتنفذ مشاريع، واذا كانت اعتى الديمقراطيات في العالم لا تسمح للرئيس بالترشح لاكثر من فترتين، اي حد اقصى ثمان او عشر سنوات، اليس بقاء رؤساء مؤسسات مجتمع مدني او غيرهما لاكثر من عشر سنوات يثير الاسئلة، ويؤشر بشكل ما الى الفساد.

ولكي تنجح خطة او استراتيجية مكافحة الفساد، فأنها تحتاج الى ان تعتمد على ثقافة المتابعة والتقييم والمراقبة والشفافية والوضوح، وبأن تتم في اطار الاستدامة، اي لا تنهار او تنتهي نتائج الخطة في مجال مكافحة الفساد مع انتهاء الخطة، وبأن يتواصل التأثير بدون الحاجة الى تدخل او دعم جديدين، وبأن يكون هناك تركيز على الاستثمار المستدام في البشر، وما لذلك من تواصل اثار هذا الاستثمار في عملية مكافحة الفساد.

ولكي تنجح عملية مكافحة الفساد، فأنها يجب ان تركز على الشباب، حيث معروف ان المجتمع الفلسطيني، هو مجتمع شاب، وحسب الاحصائيات الفلسطينية الحديثة، فأن نسبة الاشخاص في فلسطين من الاعمار 15 سنة واقل تبلغ حوالي 40% من السكان، بينما تبلغ نسبة الاشخاص بين اعمار 15الى 29 عاما حوالي 30%، اوهذا يعني ان الاستثمار في هذه النسبة الهائلة من الشباب في بلادنا يعتبر الاستثمار الاهم، وأنة يمكن تصور التأثير الايجابي المتواصل لذلك، في مجالات الاقتصاد والسياسة والتعليم والتربية والقيم والممارسة العادية في الحياة، وهذا يعني ازدياد الوعي بضرورة الابلاغ عن الفساد من قبل جيل الشباب.

وتنبع اهمية توعية وتدريب وتثقيف وبناء الشباب الفلسطيني في مجال مكافحة الفساد، وبالاضافة الى النسبة الهائلة منهم في بلادنا، الى الاوضاع الخاصة التي نمر بها، من ازمات وصعوبات اقتصادية، ومن عدم وضوح الطريق او المسارات السياسية، ومن الازدياد المتواصل في اعداد العاطلين عن العمل وبالاخص الشباب والخريجين منهم، وفي ازدياد نسبة الفقر والحاجة، وفي تصاعد التأكل في شبة العلاقات الاجتماعية، وبالتالي فأن بناء جيل من الشباب من خلال ترسيخ مفهوم مكافحىة الفساد وبأنواعة وبالاخص ممارسات الواسطة والمحسوبية، سوف يؤدي ولو على المدى المتوسط او البعيد الى تحقيق ما يتطلع لة الشباب والمجتمع من بناء مجتمع على اسس النزاهة والمحاسبة ووضع الكفاءة المناسبة في الموقع المناسب.

وحتى على مستوى المشاريع والبرامج التي يتم تنفيذ الكثير منها في بلادنا، فأن التأكد من تنفيذ المشروع حسب ما هو مفترض وبالشفافية والمشاركة بعيدا عن الفساد، يعني متابعة ما يتم انجازة على ارض الواقع، مقارنة مع ما من المفترض تحقيقة خلال مدة زمنية محددة، وبالتالي تحديد اذا كان هناك عقبات او مشاكل وما سبل حلها، واعلام ادارة الجهات المنفذة والمانحة بذلك، وبناء علة يتم نقاش امكانية تغيير اسلوب او اتجاهات العمل، او اعادة دراسة افضل وسائل لاستخدام المصادر، ولبعض الجهات المانحة، في العادة تكون تقارير عمليات المتابعة ومدى نجاعتها، شرط من اجل الالتزام بتوفير او صرف المصادر المادية وغيرها للفترة التالية.

ويعني كذلك تقييم المشروع، الذي هو عملية اعمق واشمل واكثر تحليلا، تهدف الى تحديد اذا ما كان هناك اثر او اثار لما يتم القيام بة، وبالاخص في المدى المتوسط والبعيد، والتقييم للمشروع يتم في العادة في منتصف المشروع اوبعد الانتهاء منة، ومثلا اذا كانت مدة المشروع خمس سنوات، من المفترض ان يكون هناك تقييم بعد 3 سنوات ومن ثم بعد انتهاء خمس سنوات، وفي العادة يتم التقييم من خلال مقابلات مع افراد او جماعات او من خلال استمارات او زيارات للموقع، وبالطبع من خلال مراجعة التقارير الدورية والبيانات والمعلومات التي تراكمت خلال مدة المشروع، وفي العادة يتم التركيز من خلال التقييم عناصر اساسية من اجل الاعلان عن نجاح او عن درجة نجاح المشروع، مثل الاستدامة، اي يمكن للمشروع المنجز ان يتواصل وبدون الحاجة الى تدخل او دعم خارجي اضافي متواصل، والاستدامة تعني ان العمل يستطيع ان يتواصل بالاعتماد على المصادر التي يتم جنايتها نتيجة المشروع، ويتواصل تأثيرة بدون فترة زمنية محددة؟

ومع مرور اليوم العالمي لمكافحة الفساد، فأن الفساد كان وسوف يبقى من اهم معيقات التقدم والتنمية، في اي مجتمع او بلد والامثلة على ذلك كثيرة، وبدون شك ان المواطن الفلسطيني وبغض النظر عن مكان تواجدة او عملة هو الاهم في عملة مكافحة الفساد، سواء اكان موظف في القطاع العام اي الحكومة او القطاع الخاص، او في مؤسسات مجتمع مدني واهلي، او ان كان احد المستهلكين لخضار او للحوم او لمعلبات فاسدة او ادوية او مستحضرات او منتجات غير صالحة.