نشر بتاريخ: 13/12/2015 ( آخر تحديث: 13/12/2015 الساعة: 14:28 )
الكاتب: المستشار نـايف الهشلمون الأيوبي
طبيعي أن تجد مقاومة أينما وجد احتلال عسكري، وهذا حال الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي، شعب يمارس مقاومة كفلتها الشرائع والمواثيق الدولية، من أجل التحرير ونيل الحقوق. ومن غير المعقول أن إسرائيل بجرائمها اليومية الدموية، وعقوباتها الجماعية.. تعتقد كسر إرادة الشعب الفلسطيني وكفاحه الوطني، متجاهلة عزيمته الصلبة في المقاومة والعمل على تحرير أرضه مهما كانت التضحيات، وغير مدركة للمستجدات التي قد تنشأ هنا، تأثرا بما يجري في دول المنطقة المحيطة.
إن من يسير في الشارع الفلسطيني، يدرك مدى الغضب الشعبي بسبب الانقسام بين فتح وحماس، ومطالبته لهما إتمام المصالحة وترتيب البيت الداخلي فوراً، وتوحيد الجهود الوطنية لتشكيل إرادة سياسية قوية، تغطي وتسند انتفاضة الشعب، وتعمل على تمكين الهبة الشعبية وتنظيمها وحمايتها ، وتعزيز الصمود الفلسطيني، والإبقاء على توجيه البوصلة نحو مواجهة المحتل، وعدم الإبقاء على الوضع الراهن، والانغماس في الحرير.
وباعتقادي أن جيل الشباب الحالي، قد سبق التنظيمات وقادتها، أفاق مناديا بصوت قوي، أن هذه التنظيمات بحاجة لأن تنفض الغبار عنها، وإعادة صياغة الفكر الثوري لدى قادتها وكوادرها، وتربيتهم على النهج الذي يخلص من الاحتلال، ويطالبهم بقيادة المقاومة، لا تسويغ القناعات لدى الشباب، هذه الخيول التي تصهل في الشوارع والحارات.
وللأسف قرارات السلطة الفلسطينية لم ترتق لمطالب الشعب، ولم تتناول وتلامس القضايا الجوهرية والعاجلة للمواطنين، وخاصة في محافظة الخليل المنكوبة بالدم النازف والتنكيل اليومي من قبل الإحتلال، والظلم من ذوي القربى. ولهذا، فالمطلوب إعادة النظر في السياسات الحكومية السابقة والراهنة، واتخاذ قرارات سياسية جادة وعاجلة، تراعي الأولويات الوطنية الاجتماعية والاقتصادية للناس، لتعزيز صمودهم، والتخفيف عنهم عبء الوضع الراهن.
في الجانب الأخر، إنّ قراءة للواقع الإسرائيلي المعاش، تظهر تخبطاً من جانب، وعمق الخلافات الإسرائيلية الداخلية، سواء على مستوى الائتلاف أو المعارضة من جانب آخر. حكومة بقيادة نتنياهو ومعارضة تعملان بتكتيكات قصيرة المدى، بلا رؤية إستراتيجية واضحة للمستقبل، ويظهر ذلك في قضايا عديدة، تحتاج إلى قيادة قوية لديها قدرة على اتخاذ قرارات مصيرية، وهذا ما تفتقده اسرائيل حالياً.
إضافة إلى ذلك، اسرائيل تعيش مأزق ومشكلة الانتفاضة الفلسطينية، التي يطلقون عليها وفق التسمية الإسرائيلية "موجة الإرهاب"، تطالب الأطر والأحزاب والشخصيات الإسرائيلية كافة لتقديم الحلول المختلفة. خاصة وأن عود الانتفاضة يشتد، ويتسع إطارها، ويكبر تأثيرها، وإسرائيل عاجزة عن إيجاد أي حلٍ لها، رغم استمرار محاولاتها الدبلوماسية، والتي أهمها التوجه إلى أمريكا، ونقاش الملف الفلسطيني، والتواصل مع وزير الخارجية الامريكي جون كيري، ومع عدد من القادة العرب لمساعدتها في المواجهة. كما وتفكر في محاولة تقديم حسن نوايا باتجاه السلطة الفلسطينية، شريطة سعي السلطة الجاد بإيقاف الانتفاضة، تخوفاً من أن هذا الواقع قد يفضي لانهيار السلطة، وبالتالي تورط إسرائيل في ملفات اجتماعية وغيرها، كونها دولة الإحتلال.
وحتى الآن، اسرائيل ليست قادرة على التفاوض مع السلطة الفلسطينية لإنهاء هذه الانتفاضة، والتي ليس لها رأس، ولا يوجد لها قيادة تفاوضها، فالشعب كله انتفاضة من أجل الكرامة وتحرير الوطن، يرفض الحوار والمساومة، وأساليب الضغط والتهديد والعقاب الجماعي والتلويح بما هو أقسى، شعب يدرك جيداً هذا المحتل وصلفه، الذي تنعدم الأخلاق والقيم الإنسانية لدية، اسرائيل دولة الإحتلال التي تمارس يومياً جرائمها التي ترتقي إلى جرائم حرب.
الشارع الفلسطيني يطالب القيادة بالمضي قدما في الملاحقة الجنائية لمجرمي الحرب الإسرائيليين، وتوسيع وتعزيز مقاطعة دولة الإحتلال على كل المستويات، والدخول في الهيئات الدولية، بعد أن أدخل الملف الفلسطيني في سباتٍ عميق بعد مفاوضات عقيمة طويلة، لم تسفر إلى اتفاق ينهي الاحتلال. وعلى القيادة الفلسطينية الاستفادة من الظروف الحالية بأنه لم تعد لدى الإدارة الأمريكية وسائل لمكافحة المحاولات لعزل اسرائيل دوليا ، وليس بإمكانها التعهد بشيء للجهات الدولية، وان إدارة اوباما قد تنصلت من القضية الفلسطينية.
الانتفاضة هذه، لا شك أنها تحرج حركتي فتح وحماس والتنظيمات الفلسطينية كافة في الشارع الفلسطيني، والتي تطالبها بأنّ عليها واجب المشاركة في الانتفاضة وفق معطيات ومتطلبات المرحلة، رغم تفهم البعض موقف هذه الفصائل بعدم المشاركة، وتصفه بالحكمة والعقلانية، وأنها لا تنجر إلى الاستفزازات الإسرائيلية ومخططاتها، إحساساً منها بالمسؤولية، وإدراكاً منها للأمانة التي تحملها، حماية للشعب ومصالحه.. لكن يتهم آخرون هذه الفصائل بالعجز والخوف، والضعف والتفكك، وقلة الحيلة وانعدام القدرة، وربما ترهل قياداتها.
وهذا تساؤل واضح، رغم أن صانع القرار في السلطة ربما يرى أنّ الهبة الشعبية قد آتت أكلها وسلطت الضوء على الملف الفلسطيني، بقدر ربما يعيد الطرفين لطاولة المفاوضات. وربما تخشى السلطة أنّ تطور الأحداث قد ينتج عنه ما لا تحمد عقباه، سواء من فقدان السيطرة على الشارع الفلسطيني أو بتصعيد وتيرة الانتفاضة أو صعود حركات المقاومة الإسلامية المتشددة إلى مقدمة المشهد، مما يهدد وجود السلطة الفلسطينية، واستمرار سيطرة حركة فتح عليها في الضفة الغربية.
من هنا نرى أن في هذه الانتفاضة فرصة ثمينة للسلطة الفلسطينية إذا ما أحسنت استثمارها، ورقة ضغط على سلطة الاحتلال، لإجباره على تقديم تنازلات تفاوضية تفضي إلى حل سياسي يقنع الشعب الفلسطيني الثائر. وفي نفس الوقت فهي ملزمة بتقديم إجابات مقنعة لقاعدة حركتها فتح وكوادرها، عمّا وصلت إليه (طريق التحرير) التي اختارتها لهم قيادتهم منذ حوالي 25 عاماً من المفاوضات. على القيادة الفلسطينية أن تقرر اتخاذ القرار النهائي واليات التنفيذ فيما يتعلق بالموقف من اسرائيل وتحديد العلاقة معها. لقد وصل عدد المستوطنين في الضفة الغربية إلى 681 ألف يهودي أي ما بعادل 22% من مجمل سكان الضفة الغربية.
الناس تقولها بصراحة بأن الوضع القائم في السلطة من رواتب وامتيازات ليس أغلى من القدس والمسجد الأقصى وكرامة الشعب، واقع ولم ينقلهم إلى وضع معيشي أفضل. "الإحباط يسري وسط السكان والسلطة في مرحلة خطيرة وهناك 54% من الشبان من فئة 24-32 عاما لا يملكون وظيفة أو عمل ويقضون حياتهم في تصفح الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي، وان السلطة في وضع صعب وهي سلطة بلا سلطة". إن أي محاولة من اسرائيل لتغيير الواقع، ومهاجمة السلطة أو استمرارها في صلفها وإرهابها المنظم، فإن لا احد يعرف ماذا يمكن أن ينشأ هنا، وما يجري في دول المنطقة يدق ناقوس الخطر.
الشعب الفلسطيني يريد أن يعيش بكرامة، مصمم على رسم صفحة مشرفة للتاريخ، تقرؤها الأجيال بكل فخر واعتزاز.