الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

أين سعة صدر المسؤولين؟

نشر بتاريخ: 16/12/2015 ( آخر تحديث: 16/12/2015 الساعة: 12:28 )

الكاتب: داوود كتاب

الوزير كذا وكذا يتطاول على الله والملك والجيش”… لا شك أنه يصعب على أي فرد كان وزيراً أو مواطناً تقبّل تهجم بعنوان مثل هذا، لكن تحوّل الغضب والانزعاج من عنوان مثير كهذا يجب ألا يتحول إلى عملية انتقامية تشمل توقيف الصحفي وناشر الموقع بناء على قانون الجرائم الإلكترونية.

يتعرّض المسؤولون في الأردن، وفي أنحاء العالم كافةً، لانتقاد وتهجم يصل أحياناً إلى التجريح والقدح والتشهير. ومن حق المسؤول، كما من حق المواطن، أن يرد على مثل هذا التهجم بطرق سلمية عبر المحاكم لا من خلال استعراض جبروته الحكومي في تعامله مع الصحافة.

ينسى أو يتناسى المسؤول أنه بمجرد موافقته أن يتقلد منصبه الرسمي، فإن الحماية الشخصية المتوفرة له كمواطن تقل حين يصبح في موقع المسؤولية. ومن الطبيعي أن يتعرض الوزير لنقدٍ –ولاذع أحياناً- ولا يمتلك الحق باستخدام صلاحياته وعلاقاته مع المدعي العام بصفته الحكومية لكي يوعز بتوقيف الصحفيين.

قال الملك عبد الله الثاني منذ سبع سنوات، في تشرين الثاني من العام 2008، لرؤساء التحرير إنه لن تتكرر عمليات توقيف الصحفيين على قضايا النشر، وفي الوقت نفسه صرّح بأن أي شخص تضرر من الإعلام يحق له متابعة الموضوع من خلال المحاكم المدنية. الملك كان يتحدث عن حق المواطن برفع دعوى من خلال المحاكم –منطقياً- وليس عن الوزراء الذين لديهم قدرة أكبر بكثير مما يتوفر للمواطن العادي أن يرد على تهجم وسائل الإعلام.

يخطىء من يعتقد أن له حصانة خاصة ياعتباره وزيراً أو رئيس وزراء، فالمحاكم في الأردن، والعالم كله، تنظر بشفقة إلى المواطن الذي يجري التشهير به أكثر من أي مسؤول. وقوانين القدح والذم شُرّعت خصيصاً لحماية المواطن لا المسؤول.

وأن يأمر وزير –يساري ومن المطالبين بإصلاح سياسي شامل- بتوقيف صحفي على خلفية ما نشر، فإن ذلك يعدّ تجاوزاً، رغم أن القانون يسمح له بمقاضاة مدنية إذا رأى أن المادة المنشورة تشكّل تعدياً عليه. الغريب أن ذلك طال إعلامياً ينتسب إلى نقابة الصحفيين، ويعمل في صحيفة إلكترونية مرخصة. ومن الأغرب أن المقال المشار إليه تم نشره ورقياً من دون أن يستطيع المدعي العام توقيف الصحفي لأن قانون المطبوعات والنشر- كما هي توجيهات الملك- يمنع توقيف الصحفي على قضايا النشر.

من يوقف الصحفيين يستغل ثغرة قانونية وقعت على خلفية تعديل لقانون الجرائم الإلكترونية لم يدرِ به أحد، والبند الحادي عشر منه تحديداً، الذي سمح بالتوقيف المسبق لمن يستخدم وسيلة إعلام إلكترونية (أياً كانت) لما يعتبره المدعي العام قضية قدح وتشهير من دون الحصول على أمر قضائي. إن العدالة تتطلب أن يعرض على قاضٍ متمرس ليحكم إذا كان المقصود فعلاً قدحاً وتشهيراً، ومنها قضايا الإعلام، فالمتعارف عليه وفق التوجيهات الملكية وقانون المطبوعات أن لا يتم توقيف الصحفيين على قضايا النشر.

أعلن رئيسا مجلسي الأعيان والنواب الأسبوع الماضي رفضهما لمبدأ توقيف الصحفيين، ووعدا بالعمل على إجراء ما هو مطلوب لإغلاق أية فجوه قانونية تسمح بذلك.

ليس المطلوب هو تعديل التشريعات المتعلقة بتوقيف الصحفيين فقط، إنما على المسؤولين -في مقدمتهم الوزراء، والقائمين على مشاريع الإصلاح- أن يتوقفوا عن استخدام القانون لعقوبة من ينتقدهم أو يذمهم. على المسؤول أن يوسّع صدره، ويحتمل ما لا يحتمله المواطن العادي، لأنه اختار موقع مسؤولية طوعاً.