نشر بتاريخ: 21/12/2015 ( آخر تحديث: 21/12/2015 الساعة: 14:53 )
الكاتب: حسن مصطفى
شخصية الموسم :-
من مجلة القافلة صادرة عام 1947 بقلم الرائد والمفكر والأديب حسن مصطفى
بمناسبة عيد الميلاد المجيد للأخوة المسيحين في فلسطين والعالم العربي
هذه الشخصية يقربها خيال الطفولة إلى الواقع بقدر ما تبعدها واقعية الرشد عن دنيا الحقيقة. فقد جبلت مخيلة الطفولة، من ضباب الخيال، جسماً لتلك الشخصية وأودعته روحها فبدت شخصية حية تتجلى في العالم مرة واحدة.
فلنتصاب ونحتفل معاً بهذه الشخصية، إن لم يكن إكراما لبقايا عناصر الطفولة فينا فليكن لمبدأ " من كان له صبي فليتصاب له ".
يلد بابا عيد الميلاد في مخيلة الأطفال شيخاً، وهو كما ترى ميلاد قصير خاطف قريب إلى نفس الطفل، وشيخوخة يتبدى الحنان في وجهها، والكرم فيما تحمل، وأجمل معاني العدالة والإهداء فيما توزع.
اكتسب صاحب هذه الشخصية مع التواتر جيلاً بعد جيل مظهراً برز فيه " الطنطور " أو " البع " المتدلي والعباءة الحمراء يلتف بها وهو يهبط، كالمظلي، إلى سرير الطفل، وفق الخطة التي ترسمها محيلة الطفولة حيث يتسلل بابا عيد الميلاد إلى البيت ليلاً من المدخنة يحمل الهدايا لبخبئها في جوارب الطفل حتى يفاجأ بها عند الصباح أو يضعها خلسة في حضن الطفل حتى إذا ما استيقظ في الصباح أخذته الدهشة وشمله السرور.
وقد تتعدد الروايات عن هذه الشخصية وفق ما ينسجه الخيال، ولكن المهم في الأمر أن الحنان والإهداء وإدخال المسرة إلى النفوس هو أبرز ما في شخصيتنا هذه.
ومرسل هذا القول يقدم إليك اللمحة القصيرة عن هذه الشخصية لا بوحي من خياله بل " بالإعارة والتأجير " ، وهو يذهب إلى أبعد من هذا فيصارحك بأنه في طفولته لم يسعده الحظ " ببابا عيد الميلاد " وإنما عانى الأمرين من " بابا الغول " و " ماما الغولة " أيضاً.
ويا ليت ذلك كان مرة واحدة في العام، بل في الليلة الواحدة مرات ومرات. ولكنه يذكر طفولته بالخير ويتمنى لو تلاحقه كجزء من شخصيته.
فالحياة إن كانت طفولة، فهي جهالة رغم براءتها.
وإن كان كلها شباباً، فهي طيش واندفاع رغم قوتها.
وإن كانت كلها شيخوخة، فهي جفاف لا يطاق، رغم حكمتها واتزانها.
ولكن أنى للإنسان في وقت واحد: براءة الطفولة، وقوة الشباب وحكمة الشيخوخة؟