الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

أردوغان.. بين السيف والضمير

نشر بتاريخ: 23/12/2015 ( آخر تحديث: 23/12/2015 الساعة: 11:37 )

الكاتب: عماد توفيق عفانة

قدم الزعيم التركي رجب أردوغان عددا من مواقف السياسية خلال السنوات الخمس الأخيرة، خاصة فيما يخص عدد من شعوب الربيع العربي، ما حوله في نظرهم إلى مرتبة أكبر من مجرد زعيم تركي إلى مرتبة قائد أممي.

هذه الشعوب التي ما زالت تقرأ سير قادتها العظام عبر التاريخ تتوق إلى قائد يملك صفات قادة تلك الحقبة من التاريخ المشرف يقوده ويأخذ بيده، فالناس تبحث عن قائد، والناس كما قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم كإبل مائة لا تكاد تجد فيهم راحلة.

مر في تاريخ العرب الحديث عدد من القادة الذين نجحوا وبكلمات لاهبة في اشعال وتحريك الشارع العربي رغم افتقار رصيدهم العملي إلى مفاخر في وجه الأعداء، أمثال عبد الناصر في مصر، وفيصل في السعودية، والحمدي في اليمن، وبومدين في الجزائر، ثم لحق بهم الزعيم العراقي صدام حسين الذي أعدم يوم عيد الأضحى في اليوم الأخير من العام 200، كما سار على خطاهم حسن نصر الله عندما الهب الشارع العربي أثناء حرب تموز 2006.

الشعب التركي بات يعطي أصواته بسخاء لأردوغان وهو يستوحي في خلفية الذاكرة ذلك السلطان العثماني الذي احتل مقعد خلافة المسلمين لأكثر من 400 عام.

وترفع شعوب العرب القبعة تحية لأردوغان وهم يرون قائمة إنجازاته لدولته التركية والتي يقصر المقام عن ذكرها، ولكن يتربع في قمتها أنه نجح في نقل تركيا من المرتبة 116 في قائمة أقوى الدولة الاقتصادية في العالم إلى المرتبة 16 خلال 15 سنة فقط، في الوقت الذي يرون فيه حكامهم العرب يتقهقرون ببلادهم كل عام درجات ودرجات وفي كل قوائم وموازين القوة.

لكن في ذات الوقت فإن موافق أردوغان المناصرة لفلسطين شكلت رافعة مهمة أخرى لصورة أردوغان في نظر الشعب التركي فضلا عن الشعوب العربية، وهم يستذكرون كيف رفض السلطان عبد الحميد الثاني الرشوة اليهودية لبيع فلسطين.

قطع أردوغان العلاقات مع "اسرائيل" وسحب السفير وضحى بمصالح بلاده مع "اسرائيل" والتي تقدر بخمس مليارات دولار في أعقاب اعتدائها على سفينة مافي مرمرة في 31 مايو 2010 التي كانت في طريقها لكسر الحصار الصهيوني والعربي المفروض على غزة، واشترط إضافة للاعتذار وتقديم تعويضات لذوي الضحايا رفع الحصار عن غزة.

وفي المقابل فتح بوابات بلاده على مصراعيها للفلسطينيين ولحركة حماس التي تقود المقاومة الفلسطينية، وشكل حاضنة سياسية داعمة لها.

هذه الصورة البراقة لأردوغان التي صنعتها مواقفه الداعمة للثورة والشعب السوري، وللثورة والشعب المصري وللرئيس المعزول محمد مرسي، والداعمة للقضية الفلسطينية ولكسر الحصار عن غزة، تشوهها اليوم نتائج محاولات عودة التقارب التركي مع "اسرائيل" على خلفية الصراع التركي الروسي في اعقاب اسقاط طائرة السوخوي الروسية.

عودة العلاقات التركية "الاسرائيلية" وتقييد انشطة حماس في تركيا، وابعاد رجل حماس القوي صالح العاروري عن الأراضي التركية نزولا عند الشروط الصهيونية، دون رفع الحصار عن غزة لا شك سيمس سلبا بصورة ودور تركيا وأردوغان، ليس لدى الفلسطينيين فحسب بل لدى قطاع عريض من الشعوب العربية.

الحفاظ على وتحقيق المصالح التركية هي بالتأكيد ما دفع نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، السيد عمر تشيليك للتصريح بأن دولة إسرائيل وشعبها أصدقاء لتركيا، وهذا التصريح قد يعتبر ضرورة سياسية، لكنه لدى الشعوب العربية عموما والشعب الفلسطيني على وجه الخصوص قد يعد وصفا غير مقبول البتة، ويتنافى مع السياق العام للسياسة التركية التي تقف مع الحق الفلسطيني في أرضه في وجه كيان الاحتلال.

غير ان لمصالح الدول رأيا آخر، وللصراع الدولي المحتدم في صورته الإقليمية تجليات وضحايا من الضعفاء.

غير أننا في هذا الخضم نستذكر وصية نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم "أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا".

ولأردوغان علينا تلمس الأعذار في غابة البنادق والفتن وتبدل الأحلاف في لعبة الكراسي الموسيقية التي تجتاح المنطقة، فليست البطولة كما يقول نزار قباني: لـيـســت البـطـولــة فــي هــذا الـزمــان أن يـحــمـل الإنــســان ســيــفــاً، ولــكــن الــبــطــولــة الــحــقــيــقــيــة أن يــحــمـــل الإنــســان ضــمــيــراً.